ينقل التلفزيون والإذاعة المصرية، على الهواء مباشرة شعائر صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه بالقاهرة، وتقدم بعض القنوات الخاصة، بثا مباشرا لشعائر صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه، بحضور بعض قيادات وزارة الأوقاف، حيث يلقي خطبة الجمعة، الشيخ أحمد الدسوقي مكي إمام وخطيب مسجد الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه وأرضاه بالقاهرة، حول 'سنن الله الكونية في القرآن الكريم'، ويتلو القرآن الكريم الشيخ علي محمود شميس، وينقلها الإذاعي وليد الحسيني.
خطبة الجمعة الأخيرة في شوال من مسجد الإمام الحسين
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابِهِ الكريمِ: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا}، وأشهدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحَمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهُمّ صلِّ وسلمْ وباركْ عليهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ، ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وبعدُ:
فإنّ اللهَ (سبحانَهُ وتعالَى) أقامَ الكونَ على سننٍ وقوانينَ ثابتةٍ، لا تتغيرُ ولا تتبدلُ، والمتأملُ في القرآنِ الكريمِ يجدُهُ حافلًا بالحديثِ عن سننِ اللهِ الكونيةِ وقوانينهِ الأزليةِ التي تضبطُ حركةَ المخلوقاتِ في تكاملٍ وانسجامٍ، دونَ خللٍ أو اضطرابٍ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}. وتتميزُ سننُ اللهِ الكونيةُ بالعمومِ والشمولِ، فهي تنطبقُ على الجميعِ، دونَ تمييزٍ أو استثناءٍ، فقد جعلَ الحقُّ سبحانَهُ الجزاءَ مِن جنسِ العملِ، حيثُ يقولُ سبحانَهُ: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}، ويقولُ سبحانَهُ: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}، ويقولُ نبيُّنَا ﷺ: (من نفَّسَ عن مسلمٍ كُربةً مِن كُربِ الدُّنيا نفَّسَ اللَّهُ عنهُ كربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ ، ومن يسَّرَ على مُعسرٍ في الدُّنيا يسَّرَ اللَّهُ عليهِ في الدُّنيا والآخرةِ ، ومن سَترَ على مُسلمٍ في الدُّنيا سترَ اللَّهُ علَيهِ في الدُّنيا والآخرةِ ، واللَّهُ في عونِ العَبدِ ، ما كانَ العَبدُ في عونِ أخيهِ)، ويقولُ ﷺ: (مَن سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عن مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عنْه.).
ومِن سننِ اللهِ الكونيةِ: سنةُ التداولِ في الغنَى والفقرِ، فلا الفقرُ يدومُ ولا الغنَى، فغنيُّ اليومِ قد يكونُ فقيرَ الغدِ، وفقيرُ اليومِ قد يكونُ غنيَّ الغدِ، حيثُ يقولُ سبحانَهُ: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، وعلى الغنيِّ أنْ يشكرَ، وعلى الفقيرِ أنْ يعملَ ويكدَّ ويجتهدَ ويعرقَ ويتعبَ ليُغيِّرَ واقعَهُ وحالَهُ، وحالُ المؤمنِ في كلا الأمرينِ على ثباتٍ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ﷺ: (عَجِبْتُ لأمرِ المؤمنِ ، إنَّ أمرَهُ كُلَّهُ خيرٌ ، إن أصابَهُ ما يحبُّ حمدَ اللَّهَ وَكانَ لَهُ خيرٌ ، وإن أصابَهُ ما يَكْرَهُ فصبرَ كانَ لَهُ خيرٌ ، وليسَ كلُّ أحدٍ أمرُهُ كلُّهُ خيرٌ إلَّا المؤمنُ).
ومِن هذه السننِ: الامتحانُ والابتلاءُ والاختيارُ والاصطفاءُ، حيثُ يقولُ سبحانَهُ في الحديثِ عن سنةِ الابتلاءِ: { الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ }، ويقولُ سبحانَهُ: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}، ويقولُ تعالى: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}.
أمّا الاصطفاءُ فاللهُ (سبحانَهُ وتعالى) أعلمُ بمَن يصطفِي ولِمَ يصطفِي ومتى يصطَفِي، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: {اللهُ أعلمُ حيثُ يجعلُ رسالتَهُ}، ويقولُ (عزَّ وجلَّ): {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}، ويقولُ تعالَى: {فسوفَ يأتِي اللهُ بقومٍ يُحبهُم ويُحبونهُ}، ويقولُ (عزَّ وجلَّ): {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} ، ويقولُ في قصةِ سيدِنَا مُوسى (عليه السلامُ) متحدثًا عن رحلتهِ مع فتاهُ للقاءِ العبدِ الصالحِ: { فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا}.
فلا تحاربْ أحدًا في شيءٍ مَنَّ اللهُ بهِ عليهِ، فلن توقفَهُ، ولن يوقفَكَ أحدٌ عن أمرٍ أرادَهُ اللهُ لك، ولن يحولَ أحدٌ بينَكَ وبينَ خيرٍ أرادَ اللهُ أنْ يسوقَهُ إليك، حيثُ يقولُ سبحانَهُ: {مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، ويقولُ نبيُّنَا ﷺ: (وَاعْلَمْ أَنَّ الأمة لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ).
ومِن سننِ اللهِ تعالى الكونيةِ: إجراءُ المسبباتِ على الأسبابِ، بغضِّ النظرِ عن الدينِ والجنسِ واللونِ والعرقِ، فمَن يزرعْ يحصدْ، ومَن يجتهدْ ينجحْ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}.