قد يطول طريق المواجهة، فتتعثر وتدمى قدماك، بل قد تبذل عرقا ودما، ولا ينجلي سراب المسير عن أفق حل وارتياح، لكنك تثابر حتى تصل، فإذا وصلت كان الانتصار بيّنا والوصول مشهودا، والنجاح زاهرا مضيئا، يراه الجميع في ملامحك المرهقة المستبشرة، وفيما اهترأ من جسدك وتساقط من لحمك، إذ يرون منك وقتها كيانا شامخا أكسبته الملمات حكمة، ومنحته العثرات قوة، وأكسبته الأزمات كرامة وفلاحا.
هكذا هي مصر في كل أيامها.. أيامها الكبرى المشهودة، والتي قال عن أحدها الرئيس الراحل خالد الذكر أنور السادات، "لكننا ظللنا نحتفظ برؤوسنا عالية فى السماء وقت أن كانت جباهنا تنزف الدم والألم والمرارة"، ولعل الوصول إلى لحظة الانتصار تسبقها لحظات من الانكسار، وساعات من العمل، ودهور من الإيمان، وهذا قدر مصر في كل انتصاراتها الكبيرة على الأعداء والأزمان، وإني آمل أن ينطبق هذا المنطق على خطوة انضمامها إلى تجمع "بريكس".
خطوات قطعتها مصر إلى هدفها، بينما يتساقط لحمها في هاوية التضخم، وسطوة الدولار، والأزمات العالمية، لكنها نجحت بالنهاية في الانضمام إلى التجمع الذي شهدت العلاقات معه نموا ملحوظا خلال الأعوام الماضية، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إذ ارتفعت قيمة التبادل التجاري بين مصر ودول المجموعة لتصل إلى 31.2 مليار دولار خلال عام 2022 مقابل 28.3 مليار دولار خلال عام 2021، بنسبة ارتفاع 10.5%.
قيمة استثمارات دول مجموعة البريكس في مصر وصلت إلى 891.2 مليون دولار خلال العام المالي 2021/2022 مقابل 610.9 مليون دولار خلال العام المالي 2020/2021 بنسبة ارتفاع قدرها 45.9%. ، وفق تقرير مركز معلومات رئاسة الوزراء والجهاز المركزي، لتجني مصر ثمار حكمة التحرك، ونضج الأداء الخارجي المصري.
وما يميز تكتل BRICS أن دوله لا تشترك في النطاق الجغرافي، بل تنتشر في أربع قارات هي آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية وأوروبا، وبالتالي لا تشترك في التراث الثقافي والتاريخي ولا الهيكل الإنتاجي، إنما تشترك في كونها دولًا نامية وناشئة، تسعى لتحسين الوضع والثقل العالمي للدول النامية، وهو الهدف الرئيس الذي دفعها لتأسيس هذا التكتل، وسط تمتعها بإمكانات بشرية وصناعية وزراعية، لا يمكن للعالم أن يغفل عنها أو يستهين بها.
كذلك بحسب تحليل مجلس الوزراء، فإن التقارب من التكتل، استفادة من تعزيز التعاون البناء بين دوله لدعم جهودها للتنمية المستدامة، مع الترويج للإصلاحات التي شهدتها البيئة المصرية الاقتصادية والاستثمارية في السنوات الأخيرة، بالصورة التي ترفع من فرص مصر لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية.
التحليل أضاف أن استهداف التكتل تقليل التعاملات البينية بالدولار الأمريكي سيخفف من الضغط على النقد الأجنبي في مصر الذي يمثل الدولار الحصة الكبرى منه، وهو ما يصب في صالح تحسين عدد من المؤشرات الاقتصادية المحلية، علاوة على أن وجود مصر كدولة عضو ببنك التنمية التابع لتكتل البريكس سيمنح فرصًا للحصول على تمويلات ميسرة لمشروعاتها التنموية، بالإضافة إلى أن وجودها داخل التكتل يعني استفادتها من ثمار نجاح مستهدفاته التي تقترب من التحقق، فيما يخص خلق نظام عالمي يمنح مزيدًا من الثقل للدول النامية والناشئة.
على الجانب الآخر، فإن انضمام مصر له أهميته للتكتل، وهو ما دفع بنك التنمية الجديد الخاص بالبريكس في ديسمبر 2021 على قبول مصر كرابع الأعضاء الجدد للبنك بعد الإمارات وبنجلاديش وأوروجواي، بل دعوة مصر رسميا للانضمام بدءا من أول يناير 2024، تشدد على متانة العلاقات الاقتصادية والسياسية الجيدة بين مصر ودول التكتل، وعلى مكانتها الاقتصادية والجيوسياسية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
إن مصر تسير بلا توقف، تسعى فتثمر الأرض من تحتها، وتثابر فتتهيأ لها الظروف، وتقاتل من أجل شعبها فينحني لها الزمان، وتتقرب منها البلدان، لكن يبقى أن يؤمن أهلها بالنصر وأسسه، وألا يسفهوا من الحلم وطرائقه، وأن يندمجوا مع بلادهم في مساعي الخير، وجهود الإصلاح، وأحلام النمو، لتظل بلادهم، كما هي دائما، قادرة، يافعة، ناهضة العود وصلبة الكيان.