أكد معالي الدكتور أسامة السيد الأزهري، وزير الأوقاف، أن المؤسسات الدينية تعمل تحت مظلة الأزهر الشريف، وتسير بخطى واثقة نحو بناء الإنسان باعتباره خليفة الله في الأرض؛ تنفيذًا لأهداف التنمية المستدامة وتحقيقًا لرؤية مصر 2030م.
وأوضح وزير الأوقاف أن تضافر جهود مؤسسات الدولة الوطنية يسهم بشكل كبير في دعم مسيرة الدولة المصرية نحو بناء الإنسان في الجمهورية الجديدة؛ جاء ذلك خلال كلمته التي ألقاها نيابة عنه فضيلة الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، أمين عام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، في افتتاح المؤتمر الدولي الخامس الذي تنظمه كلية الشريعة والقانون بالقاهرة، برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، تحت عنوان: «بناء الإنسان في ضوء التحديات المعاصرة».
وأضاف فضيلته أن إرادة المولى -عز وجل- الأزلية التي قضت بها الحكمة الإلهية هو أن يكون الإنسان خليفة لله في أرضه، ثم كانت حوارية الملأ الأعلى في كينونة الاستخلاف وأحقيته، مشيرًا إلى أن جوهر التكوين الملائكي ألقي بالأمر على بساط التسليم في قوله تعالى: ﴿إني أعلم ما لا تعلمون﴾، فأعقبه مدركات العرفان بتفاوت معطيات العلوم والأفكار، وما كان ذلك إلا بيقين قلبي ارتبط به المخلوق مع خالقه: ﴿سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم﴾.
وتابع فضيلته: أن البشرية في سيرتها ومسيرتها أتتها الشياطين إنسية وجنية فاجتالتها عن فطرتها الأولى، والمولى -عز وجل- خلق الإنسان ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته تداركه برحمة منه لولاها ﴿لنبذ بالعراء وهو مذموم﴾، والاصطفاءات الإلهية قضت أن تسطع أنوار النبوة في سماء البشرية وكأنها في منعطفات انحرافها بالنور بعد النور تغتسل، ولم تلبث البشرية تتيه فخرًا بانتسابها إلى القبضة الأولى التي فيها تعارفت لدى ضمير الغيب في عالم ﴿ألست﴾ فإذا بمجريات الواقع تعصف بها في ظلمات بعضها فوق بعض من تحديات معاصرة في غربة من المصطلحات التي لا علاقة فيها بين الألفاظ والمعاني، وإذا بفوضويات التيه في الحداثة وما بعدها تثخن الإنسان بجراحات في عالم ما صنع إلا من أجله، فلم يدر في واقعه مستقرًّا ولا في استشراف أيامه مقامًا.
كما أوضح أن الذي منحه الوجود في بداياته أراد أن يسكنه قرار الخلد في نهاياته، فإذا ما عصفت بالبشرية أزمات لا عاصم للإنسان منها إلا بمنهجية تعيد الإنسان إلى الارتباط بأصله ومصدره بعد أن ثارت ما ورائيات الحداثة عليها وقد أعلنت القطيعة معها، وهنا أيقن الإنسان على اختلاف درجات فكره أنه لا خروج له من عواصف أزماته إلا بعواصم الارتباط بأصله وقواصم النجاة من حداثيات عصره، ومن قبل ومن بعد من لم يجعل الله له نورًا فما له من نور.
وأشاد البيومي بجهود الأزهر الشريف جامعًا وجامعةً برئاسة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، مؤكدًا أن الأزهر الشريف تفرد في صناعة أبنائه في ظل أزمات الحضارة، إلا أنه أقامهم على فكرتين، فكرة تصديق وإيمان، وفكرة شهود وعيان، فإذا ما كانت الأولى لأرباب الاعتبار، فإن الثانية لأرباب الشهود والاستبصار، وقد جمعهما في مناهجه بميثاق غليظ فهيهات أن ينفصلا. ومنهج الأزهر الشريف في بناء الإنسان، قد دثر الكون على اختلاف ألسنته وألوانه بدفء معارفه وعلومه، فما استشعر وافد إليه بغربة في وجهه وجسده ولسانه، وكأنها أرواح تلاقت على غير أنساب بينها، فحقق لها الأزهر المعمور واقعية اللقاء، وقد كانت مثلا في ما ورائيات الفضاء، ولا يأخذك عجب من هذا، فعلى بساط المشيئة قد ترى الضدين يلتقيان، فإذا ما أصقل الأزهر الشريف وليده في بنيانه، وصنعه على عينه، أركبه سفن النجاة ﴿بسم الله مجريها ومرساها﴾.
وثمن فضيلته جهود الأزهر الشريف ومنهجه الذي أعاذ الإنسان من غوائل الأفكار بصلوات إثرها دعوات: جنبك الله الشبهة، وعصمك من الحيرة، وجعل بينك وبين المعرفة نسبًا وبين الصدق سببًا، وحبب إليك التثبت، وزين في عينيك الإنصاف، وأذاقك حلاوة التقوى، وأشعر قلبك عز الحق، وأودع صدرك برد اليقين، وطرد عنك ذل اليأس، وألهمك ما في الباطل من الذلة، وما في الجهل من القلة، فإذا بأبواب السماء وقد تفتحت عرفانًا بماء منهمر، وتفجرت ينابيع الحياة لديه كوثرًا وعيونًا، وإذا بعناية السماء تتعانق مع إرادات الأرض، فيأتي الأزهري في حقيقة أمره على أمر قد قدر، تحوطه يد الرعاية وبوارق الهداية ﴿وكان أمر الله قدرا مقدورا﴾، فلعمري:
ليس الذي يبني الحجارة مثل من
يبني العقول النيرات ويعمر
ما شاد بان في الكنانة مثلما
شاد المعز الفاطمي وجوهر
وبيَّن فضيلته أن هذا هو الأزهر الشريف في منهجية بنائه وقد رأى من أمر العالم عجبا، فأنبأه بما لم يحط به خبرا، رأى العالم يستقبل الصباح يستيقظ فيه الإنسان، ولم تستيقظ فيه الإنسان، ولم تستيقظ فيه الإنسانية، وتستيقظ فيه الأجسام ولا تستيقظ فيه القلوب والأرواح، وما أكثر النهار المظلم والصبح الكاذب في مسيرة العالم وتاريخه، هنا استلهم الأزهر الشريف من صحة نسبه واتصال سنده ما تشرق به الأرض بنور ربها، ثم سطره الأبرار عند ربهم في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ﴿وما كان ربك نسيا﴾، وما الأزهر في احتفاله اليوم إلا لأنه رأى مجدًا تفجر من أنوار يعقوب عاينه وقد اتخذ من العلم محرابًا يتقرب إلى الله فيه وقد جعله سببًا لشفاء القلوب من آلامها، وقد ظنت أنها قد وقفت على أعتاب الدنيا تودع الحياة، فإذا بأقدار الله تجري تتلمس الأسباب من الأرض وتتعلق بالرحمات من السماء، فحق له أن يفاخر بأن: لعظماء الرجال في الحياة مواقف، فصنع لنفسه مواقف ينحني لها عظماء الرجال.
وختم فضيلته كلمته بإرجاع الفضل للأزهر الشريف كعبة العلم وقبلة العلماء، وقال:
هكذا علمني الأزهر المعمور أن أعترف بالفضل لأهله، فحق لي أن أتوجه إلى محراب قدسه:
من سره فخر بغيرك إنني
حتى بجدران المباني أفخر
أنت الأمين على الديار وأهلها
والحر في النكبات لا يتأخر
فيك العروبة أدركت تاريخها
وبساحك الفصحى غدت تتبختر.