رحل فى صمت وهدوء معهودين عنه الدكتور محمد مشالى، طبيب الأطفال بمدينة طنطا، فجر اليوم الثلاثاء؛ بعد صراع طويل مع الدنيا ومتطلبات الحياة، والعديد من المناوشات مع أبناء مهنة الطب، عن عمر يناهز الـ 76 عاما، خاضها ذهاب وإياب بين عيادته والوحدات الصحية بالأرياف.
لم يملك "طبيب الغلابة" سيارة قط أو حتى دراجة، بل رافقه القطار طوال رحلته يقضي معظم حياته بين البسطاء الذين يشبهونه ويشبههم، ذلك الكهل السبعيني، الذي اعتاد حمل حقيبته والتجول على قدميه فى شوارع مدينة السيد البدوى، ترك وصية قبل وفاته تظهر كيف كان جميلاً بسيطاً.
يقول "هاشم محمد" ممرض عيادة طبيب الغلابة ومساعدة: "اختار منذ البداية أن يكون بين البسطاء، يشاركهم أفراحهم ويواسيهم في أحزانهم، صمم أن يكون معهم في كل وقت، ولهذا قرر أن تكون عيادته الطبية في حي شعبي يقطنه الآلاف الفقراء؛ إنه الدكتور محمد عبدالغفار مشالي المعروف بـ"طبيب الغلابة"، ذلك الطبيب السبعينيُ العمر الذي وضع الزمن بصماته على ملامح وجهه، مثلما وضعها من قبلُ على جدران عيادته الصغيرة المجاورة لمسجد العارف بالله سيدى أحمد البدوى بمدينة طنطا في محافظة الغربية.
وأضاف "محمد": دائما ما كان يردد "عايز أموت واقف على رجلي زي ما وصاني أبويا"، وكأن الله يسمع دعاءه، حيث توفى بعد يوم عمل طويل، ولم يهزمه المرض، أو يلازم الفراش، وكان دائما ما يوصي بحسن معاملة المرضى، وتابع : "بوفاة دكتور محمد مشالى فقد الفقراء يدا حانية شعرت بهم وبحالهم، أما أكثر ما كان يحزنني، هي السخرية من ملابس وهيئته على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر شائعات وفاته أكثر من مرة، وهو ما كان يترك غصة فى صدرة، إلا أنه رجل وترك الدنيا ومن عليها، ومن المقرر الصلاة على الجثمان ظهر اليوم ودفنه بمسقط رأسه بمركز إيتاي البارود بمحافظة البحيرة".
عيادة الدكتور مشالي، شاهدة على تاريخ طويل من العطاء الإنساني لطبيب اختار أن يكون يد العون التي تنقذ الفقراء وتضمد جراحهم وتخفف عنهم من وطأة ألم المرض؛ حيث مر على هذه العيادة آلاف المرضى من كافة محافظات مصر، وأمام هذه الآلاف وبرغم مرور سنواتٍ طويلة من افتتاحه عيادته ظل "طبيب الغلابة" كما هو، معطاءً ومحبًا لعمل الخير، ولم تغره الدنيا أو تتشوق نفسه لجمع المال.
وكان الدكتور مشالي، قبل شهور من وفاته على موعد مع اختبار جديد أوقعه فريسة بين أمرين؛ فإما الاستمرار كما اعتاده البسطاء "معطاءً لأبعد الحدود"، أو اختيار أن يتم تكريمه على ما قدمه للفقراء؛ إلا أنه وكعادته اختار أن يظل كما هو طبيب الغلابة الذي يمنح دون انتظار المكافأة.
بداية القصة كانت عند زيارة الشاب الإماراتي "غيث"، والذي لا يعرف الكثيرين ملامح وجهه، لـ"طبيب الغلابة" في مقر عيادته بطنطا، وذلك لتصوير حلقة جديدة من برنامج "قلبي اطمأن"، والمخصص لتقديم مساعدات للمحتاجين والبسطاء.
وكالمعتاد في برنامجه عرض "غيث" في نهاية الحلقة مساعدة مالية سخية على الدكتور محمد مشالي؛ إلا أن الشاب الإماراتي فوجئ - ولأول مرة في البرنامج - بطبيب الغلابة يرفض تلقي أي مساعدات مالية من غيث.