منوال خشبي مثبت عليه عدد من الخيوط، يتوسطها حصيرة صفراء تشبه الذهب في حدة لونها، يداعبها رجل في العقد الخامس من عمره وكأنها تدرك ما يفعله، إذ تساعده على الغزل بها على تلك المنوال ليشكلا معًا لوحات نادرة تجعلهم حديث الجميع، بل مكّنته من أن يصبح منفردًا بتلك الحرفة اليدوية التي لطالما ابتكر فيها وأنتج عملًا يحكي تراث مهنة أوشكت على الاندثار.
بمنطقة الأبعادية بمدينة دمنهور بالبحيرة، التقت 'أهل مصر' مع الفنان محمد فوزي السيد، صاحب حرفة صناعة الحصير السمر، ليروي لنا ما لا ندركه عن تلك المهنة وقصته مع منواله، حيث يقول، إنه أتقن فن صناعة الحصير منذ صغره والذي أدخل عليه الصوف، والنحاس للرسم والكتابة عليه بصورة فنية، حيث تعد الحرفة اليدوية الوحيدة في ذلك الفن ليس في محافظة البحيرة فحسب بل في مصر بشكل عام.
أعمال الفنان محمد فوزي بالحصير مستخدما الصوف
وأشار الفنان البحرواي إلى أنه ورث المهنة عن آبائه وأجداده، فقد كان لديهم قديما ورشة لصناعة الحصير، ولكن بمرور الزمن اختفت صناعة الحصير وظهر الحصير البلاستيك، مما دفعه لترك تلك المهنة والسفر إلى دولة الأردن والتي كانت أحد أهم العوامل المؤثرة عليه لعودته إلى مهنته المفضلة، حيث لاحظ هناك أنهم يهتموا بالحرف اليدوية ويقدرونها فعاد إلى بلده وقرر ممارسة موهبته المفضلة مرة أخرى.
وتابع 'فوزي' حديثه وأنامله تنسج على المنوال، أن المواد المستخدمة في صناعة الحصير هي السمر الذي ينمو على حواف المجاري المائية والترع، حيث اختلف الوضع قديما عن الآن فقديما كانت منتشرة مهنة صناعة الحصير الذي كان يستخدم في كافة المنازل فكانت الزبائن هي من تحضر السمر المستخدم في صناعة الحصير الخاص بهم، ولكن مع مرور الزمن اندثرت مهنة صناعة الحصير وبذلك أصبحنا من نقوم بإحضار السمر الذي نستخدمه في الصناعة.
الفنان البحرواي الذي برع في صناعة الحصير مستخدما الصوف
وأضاف محمد فوزي أنه يقوم بإحضار السمر من على حواف المجاري المائية، ثم يتركه حتى يجف وتختلف المدة التي يستغرقها الثمر حتى يجف فعند وضعه في الشمس يستغرق ما يقرب من 4 أيام وعند تركه يجف داخل المنزل يستغرق أكثر من أسبوع ثم بعد ذلك يتم وضعه في مياه قبل البدء في استخدامه حتى لا ينكسر، مشيرا إلى أنه كلما تعرض للشمس وقتا أطول كلما زادت شدة وحدة اللون، كما أنه مع مرور الأعوام يتغير اللون إلى درجة أشد.
وأردف فوري حديثه مبتسما عندما ذُكر بالمعارض التي شارك بها كأنما راودته ذكريات تلك المعارض، مشيرا إلى أنه شارك في العديد من المعارض التي تخص الأسر المنتجة حيث كان يشارك مع فريق الأسر المنتجة بدمنهور كونه عضو منها، كما شارك مؤسسة أيادي مصرية بالتعاون مع مؤسسة كوزبي الإيطالية حيث كانت مؤسسة أيادي مصرية تستعين بأعضاء الأسر المنتجة الذين يمتلكون حرف يدوية والذي شارك كواحد من أصحاب الحرف، فكان يعرض من خلال تلك المعارض أعماله، كما أنه عارض في الأسر المنتجة منذ عام 2009 ومن بعد عام 2012 يقوم بعرض أعماله ضمن مؤسسة ' يدوية' حيث كانت تنظم لهم معارض بالمبنى اليوناني الخاص بالجامعة الأمريكية وعام 2014 شارك بمعرض تم إقامته بفيلا صلاح ذو الفقار، وشارك بالمعرض الدولي للحرف اليدوية الأول والثاني.
وأضاف 'فوزي ' مفتخرا بعمله عندما تحدث عن التطوير في مهنته، حيث ذكر أنه عمل على التجديد في حرفته كي تواكب العصر فبدلا من كونها حرفة صناعة حصير أدخل بها خيوط الصوف والكتابة والرسم بهم، مشيرا إلى أنه رسم العديد من التابلوهات التي شارك بها في العديد من المعارض مثل حصيرة يكتب عليها أسماء الله الحسنى، وآخر كتب عليها الفاتحة باللغة الفرنسية حيث استعان بالصحف المكتوب باللغة الفرنسية من الأزهر الشريف ونالت حينها إعجاب الدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن حاليا، كما أنه رسم عروسة المولد بالصوف علي الحصير، والفلاحة المصرية.
أعمال الفنان محمد فوزي بالحصير مستخدما الصوف
وأشار فنان 'صناعة الحصير بالصوف ' إلى أنه يقوم حاليا بصناعة حصيرة يتخللها الصوف الذي يستخدمه لصناعة خريطة مصر عليها حيث بدأ في عملها منذ فترة وأوشك على الانتهاء منها مستخدما في ذلك ألوان مختلف من خيوط الصوف حتى ينتج منهم لوحة فنية مشابهة للواقع منوها أنه استوحي فكرة تدرج الألوان من لوحة 'القطر المصري' التي توضع في القصر الجمهوري وهي من صناعة سجاد دمنهور، مضيفا أنه كتب سورة الإخلاص والناس والفلق على الحصير ولاقى في ذلك الأمر صعوبة لدقة العمل الذي يتطلب التشكيل الصحيح للأيات فكلما صغر العمل زادت المشقة في إتمامه على أكمل وجه.
وأعلن الفنان محمد فوزي أنه ينوي كتابة المصحف الشريف كاملا عقب الانتهاء من عمل خريطة مصر بالغزل على الحصير الذي يتوقع لها أن تنال إعجاب الجميع، منوها بأن المصحف سيستغرق معه وقتا طويلا، مشيرا إلى أنه مخصص لجزء عمه قرابة العام ونصف وسيقوم أحد بتمويله لإتمام ذلك العمل، مشيرا إلى أنه سيستعين بأبنائه في تلك العمل لما يحتاجه من دقة وتركيز.
الفنان البحرواي الذي برع في صناعة الحصير مستخدما الصوف
وتابع أنه 'اعتاد على تدوين اسمه أسفل أعماله حيث كانت يكتب Mf باللغة الإنجليزية وهي اختصار اسمه واسم والده، إلا أن أحد أصدقائه نصحه بكتابتها باللغة العربية أفضل حيث أن الأجانب عندما يرغبون في شراء مثل تلك الأعمال يفضلون الإمضاء عليها باللغة العربية لذا اضطر إلى تغيرها.
الفنان البحرواي الذي برع في صناعة الحصير مستخدما الصوف
وعن أعماله أضاف الفنان البحرواي أن جميع أعماله من وحي خيالة، كما أنها أحياناً تكون ارتجالية حيث يقوم بعملها أثناء مشاركته في المعارض دون التفكير في فكرتها أو طريقة عملها مسبقا، موضحا أنه يقوم بالتسويق لها من خلال أصدقائه في القاهرة،. وأنه يسعى دائما للتنوع في أعماله ليلبي مختلف أذواق الجمهور.
وأكد أن أسعار لوحاته تتفاوت طبقا لحجمها والشغل الذي صممه عليها فتكون الأسعار من '100 جنيه وحتى 5000 آلاف' لكنه لم يقم بتلك الأعمال بغرض التكسب منها بل هي هواية لديه منذ صغره وحاول العزوف عنها لكنه سرعان ما عاود الرجوع إليها، حيث ذكر أنها بمثابة رساله لديه يجب أن يعلمها للجميع كونه الوحيد الذي يقوم بذلك العمل بمصر.
الفنان البحرواي الذي برع في صناعة الحصير مستخدما الصوف
وفى ختام حديثه ذكر فوزي أن أصحاب الحرف اليدوية تحتاج إلى الدعم المعنوي أكثر من الدعم المادي حتى يتثنى لهم الاستمرار في تلك الحرف هو وغيره لأنها نوعا وسبيل لحفظ التراث المصري القديم الذين يسعوا جاهدين في الحفاظ عليه بل ونقله للأجيال الأصغر سنا، وكذلك للأجانب من شتى دول العالم، مطالبا أن يكونوا أصحاب الحرف اليدوية تابعين لوزارة واحدة حتى يستطيعوا الحصول على حقوقهم، كونهم تابعين ل 5 وزارات تجعلهم تائهين بينهم ولا يدركون واجبهم ولا حقوقهم.
الفنان البحرواي الذي برع في صناعة الحصير مستخدما الصوف
وجه الفنان البحرواي رسالة للشباب أن يستغلوا وقت فراغهم في تعلم حرفة ذات تراث مصري ويعملوا على إتقانها، بل يضعوا نصب أعينهم أن يصلوا بها ومن خلالها إلى العالمية متخذين ذلك تحديا لنفسهم حتى يحققوا هدفهم المرجو من ذلك، كما أضاف أنه لم يزعم أحد من أولاده على تعلم تلك المهنة فترك الأمر خيارا لهم حتى اذ قرروا العمل معه يكون ذلك قرراهم فيستطيعوا النجاح وتحقيق ذاتهم.
الفنان البحرواي الذي برع في صناعة الحصير مستخدما الصوف