بعد وقف إطلاق النار بين مصر والعدوان الثلاثي، بدأ دور سيدات الهلال الأحمر لأداء رسالتهن الإنسانية، حيث كانت على رأسهن السيدات جنان الشواربي، وبهية بدر الدين، وصفية بشير، وسنية الخولي، اللاتي سافرن إلى بورسعيد عن طريق الإسماعيلية في سيارت غطيت مقدمتها بأعلام الهلال الأحمر، اخترقن الحصار الذي فرضته القوات المعتدية على مدينة بورسعيد، ووصلن إليها وقضين يومين بعد أن صرحت القوات المعتدية بإقامتهن بفندق 'دي لا بوست'.
يروى المؤرخ البورسعيدي ضياء الدين حسن القاضي، قصتهن كاملة لـ'أهل مصر'، فيقول: 'عندما وصلن سيدات الهلال الأحمر لأول مرة من المنطقة الحرام جنوب بورسعيد، منعتهن القوات المتواجدة من دخول المدينة بحجة أن ليس لديهم أوامر من القيادة بدخولهن بالرغم من أنهن كانوا يحملن علم الصليب الأحمر الذي يصرح لحامله الدخول حتى إلى جبهة القتال لعلاج المرضى ونقل المصابين طبقا لاتفاقية جنيف'.
وتابع: 'بعد وقت طويل وافقت القوات البريطانية على دخولهن للمدينة ومعهن سيارات الهلال الأحمر المزودة بالأدوية والأغطية والثياب والبريد الوارد لأهالي بورسعيد المحتجزين داخل المدينة'، مشيرا إلى أن سيدات الهلال الأحمر قابلن محافظ المدينة محمد رياض ومعه الدكتور عبد الغني الخضري مفتش صحة بورسعيد، حيث أصابهن الفزع من هول الدمار الشامل في شتى أرجاء المدينة.
سيدات الهلال الاحمر يتابعن المناطق المنكوبة فى بورسعيد
وأضاف القاضي، أنهن قررن العودة للقاهرة وشحن قطار ملىء بالأدوية والأغطية والملابس والمواد الغذائية، والدخول به مرة ثانية لبورسعيد من أجل أهلها المشردين، متابعا: 'بالفعل قامت جمعية سيدات الهلال الأحمر المصري باصطحاب قطار إلى بورسعيد فيه كافة احتياجات أهلها، ووقف القطار عند المنطقة الحرام وكان يتصدر القاطرة التي تقود القطار علم الهلال الأحمر وتكرر الموقف السابق لقائد نقطة الحراسة البريطاني من دخول القطار للمدينة'.
وأكمل: 'قامت جنان بالاتصال بالدكتور جروب كلود مندوب الصليب الأحمر بالقاهرة، حيث عادت له من بورسعيد فما كان منه إلا أن حضر معها إلى الجنوب عند المنطقة الحرام، وهو متعجب لعدم السماح لقطار سيدات الهلال الأحمر من الدخول إلى المدينة'.
وأوضح: 'في اليوم التالي سمحت القوات المعتدية بدخول القطار دون سيدات الهلال الأحمر اللاتي قضيا 3 أيام في مهمة إدخال القطار لبورسعيد، إلا أن جنان الشواربي احتجت على هذا التصرف المنافي لاتفاقية جنيف، وهددت بأنها ستعرض هذا الموقف في مؤتمر الصليب الأحمر الدولي، حيث ستمثل مصر فيه و تفضح تصرفات القوات المحتلة أمام العالم'.
سيدات الهلال الاحمر يوزعن الكساء و الغذاء على المناطق المنكوبة فى بورسعيد
واستطرد القاضي: 'طلبت جنان أن يحضر لها مندوب من الهلال الأحمر في بورسعيد الدكتور 'تودي كم'، والذي حضر لها بالفعل، وتوسط لدى قيادة القوات المعتدية لدخول القطار فاشترطوا لدخوله ألا تكون به رئيسة الهلال الأحمر جنان الشواربي ونائبتها سنية الخولي، على ألا تدخل ما جئن بهن من ممرضات متطوعات ليساعدن ممرضات بورسعيد في مداواة الجرحى، خوفا من أن يكن فدائيات، كما اشترطوا عدم دخول الطعام لأهالي بورسعيد ورفضوا أن يقود القطار سائقه المصري، واستدعوا سائقا بريطانيا، وفي اليوم الرابع دخل القطار إلى بورسعيد وعلى متنه مندوبا للصليب الأحمر بالقاهرة، وجنان الشواربي ونائبتها'.
سيدات الهلال الاحمر يوزعن الكساء و الغذاء بالمناطق المنكوبة فى بورسعيد
سيدات الهلال الاحمر
وروى القاضي أن حسن رشدي مفتش المباحث العامة ببورسعيد، انتهز فرصة وجود قطار سيدات الهلال الأحمر ببورسعيد، وعودته للقاهرة وقام بوضع مستندات هامة وخرائط لتواجد القوات المعتدية في المدينة، وتقرير كامل عن الحالة في بورسعيد بعد غزوها واحتلالها، كان قد أعده المحافظ والحاكم العسكري للمدينة محمد رياض، مشيرا إلى أنهم قاموا بلف جسده بالشاش وصنعوا له جبائر من الجبس في مناطق مختلفة من جسده وتم تسفيره للقاهرة على هذا القطار كأنه أحد المصابين من الحالات الحرجة والصعبة، ونجحت الخطة.
وأكد القاضي، أن القطارات المليئة بتبرعات أبناء مصر توالت على مدينة بورسعيد، بفضل سيدات جمعية الهلال الأحمر المصري، مشيرا إلى أن فنانات شهيرات اشتركن معهن في هذا العمل الوطني والخيري و على رأسهن الراحلة تحية كاريوكا.