بالحلم والإصرار بدأ المشوار، علّم نفسه مواصلة السير دون توقف، وكان شعاره دائما أن يجرب الصعاب ويمر من كل الطرق التي يهابها، فالإعاقة ليست في الجسد، وإنما الإعاقة أن يختل توازن الطُموح، بُتِرت ساقه لكنه استبدلها بالشغف والعزيمة لتحقيق ذاته، فنال مراده حفر اسمه بحروف ذهبية.
هو الشاب 'محمود عبدالعظيم' الشهير بالرقص بالعكاز، البالغ من العمر 31 عاما، تخرج في كلية الحقوق بجامعة عين شمس، يروي لـ'أهل مصر'، أنه تعرض لحادث سير وكان عمره وقتئذ لم يتعدى 6 سنوات، بُتِرت على إثرها ساقه، أجرى بسببها 9 عمليات جراحية، أقام خلالها في المستشفيات أكثر من إقامته في غرفة نومه بمنزل أسرته، ولقي دعما من أسرته ليتجاوز الأزمة التي سيصطدم بها في أيام شبابه حسب تفكيرهم، إلا أنها كانت بمثابة حافز له وطريق جديد يحفه الأمل والانتصارات.
الشاب محمود
بداية رحلة الأمل
بدأ يتخطى أيام الطفولة ويشق طريقه في الحياة، ولم ينسَ فقد عزيزته وعكازه 'ساقه'، فتارة يشعر بالألم وأخرى يقوده الأمل، وعبارات يهمس بها لنفسه بأن غدا مشرق، وأنه لم ينقصه من نعم الله شيئا، فكان دائم تحفيز نفسه بنفسه، كي لا يهرم أو يشيخ قلبه، وهو ما زال في مقتبل العمر.
وأشار لـ 'أهل مصر' إلى أنه استكمل دراسته إلى أن أنهى الصف الثاني الإعدادي، ففكر في عمل ليس لحاجته لمكسب أو جلب رزق وإنما أراد أن يختبر قوته، وأن يثبت لذاته أن بتر قدمه لم يثنيه عن مواصلة الحياة وتحقيق الأهداف، فعمل لمدة عام كامل 'صبي حداد'، ثم بدلها بحرف ومهن أخرى، في أيام الإجازات وطوال الأعوام ما قبل الدراسة الجامعية، فهو لم يتكاسل عن الدراسة وبالتالي الاجتهاد فيها، فالتحق بكلية الحقوق جامعة عين شمس.
الشاب محمود
احتراف كرة القدم
تخرج 'عبد العظيم' الراقص بالعكاز في كلية الحقوق وأصبح محاميا، لكن حلمه في احتراف كرة القدم لم يفارقه، وكان يصبو إلى أن يكون لاعب كرة قدم بالنادي الأهلي منذ طفولته، ولم ينسَ رغم فقده ساقه اليمنى والتي تعد عائقا أمام تحقيق رغبته في لعب كرة القدم، وقال: 'كنت دائم لعب الكرة مع أصدقائي في الشارع والمدرسة بمساعدة عكازي، كما كنت دائم المتابعة وحضور ماتشات الأهلي والمنتخب داخل الاستاد'.
وتنمو موهبته كل يوم وأراد والده تشجيعه، فألحقه والده بأحد النوادي للاشتراك مع ذوي الاحتياجات الخاصة واستغلال طاقته الكامنة ورغبته في ممارسة لعبة رياضية وبالتالي تحقيق بطولات، فكانت ثقة والده به تصل عنان السماء.
الشاب محمود
عشقه للساحرة المستديرة
واسترجع الذاكرة قائلا: 'وخلال تجولي بالنادي رفقة والدي للتسجيل في لعبة بالنادي، تقابلت مع 'خالد حسان' السباح العالمي من ذوي الإعاقة، والذي عبر المانش، وسألني عما إذا كنت أرغب في ممارسة السباحة، لكن صوت رغبتي في احتراف كرة القدم كان أعلى من أي صوت آخر حتى وإن كانت لا تناسبني'، فنصحه الكابتن باحتراف السباحة أو تنس طاولة وسيصبح لاعبا عالميا، فخضع في البداية للتمرين في السباحة، ولم تخرج من دائرة رغباته وعشقه محبوبته الساحرة المستديرة.
ظل يتردد على النادي لكنه كان دائم مشاهدة فريق كرة القدم مستندا إلى عكازيه يتأملهم من بعيد، فلاحظ عليه الكابتن 'أسامة حسن' ويتذكر: 'كانت مراقبتي لهم باشتياق، واقترب مني وطالبني بالجلوس لأريح قدمي، وفاجئته بسؤال: 'هو ينفع ألعب كرة معاكم'، ليجيبه الكابتن مرحبا به في الفريق، وحينئذ نسي بتر ساقه وألم فقدها، معلقا: 'كان بيجبر بخاطري وأنا ممتن له'، لكن لا يتثنى له ممارسة اللعب أو الاشتراك في بطولات بشكل رسمي.
الشاب محمود
ظل الراقص بالعكاز يتمرن لطيلة 3 سنوات متتالية وسط الفريق الذي غمره بالمحبة والتعاون، ولكنه ابتعد عن ممارسة كرة القدم لأنه لم يستطع الاشتراك في بطولات بشكل رسمي، وتفرغ للدراسة إذ كان ما زال طالبا وقتئذ في كلية الحقوق، لكن شغفه بالكرة جعله مستمرا في حضور الماتشات بالنادي الأهلي ومنتخب مصر.
لُقب بـ الراقص على العكاز
وتابع: 'وفي ذات مرة أثناء حضوره ماتش منتخب مصر والكونغو، وكانت مصر لم تصل لكأس العالم منذ اكثر من 28 عاما، فسجل اللاعب والنجم المصري 'محمد صلاح' ضربة جزاء وفازت مصر بما يتمناه قلبه كما الحال مع كل أبنائها الأوفياء ومحبي كرة القدم، فأخذته سعادته ليحلق بالرقص وسط الجماهير والجموع الغفيرة من الناس، ورقص منتصبا مستندا إلى عكازيه، فالتقط له المصورين صورا تم تداولها عبر مواقع السوشيال ميديا المختلفة، وأصبح الراقص بالعكاز لقبه، وتصدر الترند وقتئذ، وظلت الصورة تنتشر إلى أن اعتمدها الحساب الرسمي للفيفا كأفضل صورة لعام 2017، وعرف كلاعب ومحب للكرة من اللاعبين المبتورين، ونشر العديد من رواد الفيس بوك عبر صفحته، فيديو نهائي أمم أوروبا لكرة القدم للمبتورين.
الشاب محمود
كرة قدم للمبتورين
دب الأمل في قلبه وولد الحلم من جديد بعدما ظن أنه ابتعد عن طريقه، بأن للمبتورين الحق في الحياة في ممارسة الرياضة وخاصة كرة القدم، وأنها لعبة رسمية لها كأس عالم وكأس أمم أوروبا وكأس أمم افريقيا وكذلك دوري أبطال أوروبا للأندية، إلا أن اللعبة ليس لها موطنا داخل مصر.
وسعى الراقص بالعكاز وصاحب الإصرار والعزيمة لتأسيس اللعبة في مصر وحقق حلمه، كما بدأ الاحتفال بها بحدث دعا إليه كل المحبين والمشجعين للحضور في مركز شباب السلام ثالث وبحضور وسائل الإعلام لتنقل أحداثه وتغطي فاعلياته.
الشاب محمود
ذاع صيته كلاعب كرة قدم للمبتورين ومؤسس اللعبة في مصر، فتمت دعوته للعب والاحتراف في الدوري التركي لكرة القدم للمبتورين وحصل على برونزية الدوري التركي، وبهذا أصبح الراقص بالعكازين الشاب 'محمود عبدالعظيم' أول لاعب مصري محترف كرة قدم لذوي الاحتياجات الخاصة، ويختتم حديثه لأهل مصر: 'الحمد لله حققت حلمي وخطيت أول خطوات النجاح وما ضيعتش أملي في ممارسة كرة القدم وكنت مؤسس للعبة في مصر كما الحال في بعض دول العالم'.
الشاب محمود