تناقل رواد السوشيال ميديا خلال الأسابيع القليلة الماضية، أخبارا نشرتها الصحف والمواقع الإخبارية، ترصد جرائم قتل وعنف بين الأزواج في مختلف محافظات مصر، تهدد استقرار الأسرة المصرية وتقذف الرعب في قلوب المواطنين، خاصة وأنها ثقافة دخيلة وغريبة على المجتمع المصري، وشهدت محافظة الشرقية بعض جرائم العنف الأسري، نلقي الضوء على أحدها.
تعدي زوج على زوجته بالشرقية
وكان لجريدة 'أهل مصر' دور، في رصد قضية تعدي زوج على زوجته في محافظة الشرقية، وقالت الزوجة في تصريحاتها، إن زوجها قام بإلقائها من الطابق الثالث، خلال أيام عيد الأضحى المبارك المنقضى منذ أيام قلائل، لافتة إلى أنه حاول أخذ العيدية منها قهرا، وكانت عائلة الزوجة قامت بزيارتها في العيد بمنزل الزوجية بقرية سنهوا بمنيا القمح، وأعطتها نقودا 'عيدية العيد'، لكنها رفضت إعطائها للزوج بعد محاولته أخذها عنوة، خشية من شرائه مخدرات كعادته لتعاطيها، مما دفعه لإلقائها من شرفة المنزل بالطابق الثالث، وتم القبض على الزوج، وترقد الزوجة البالغة من العمر 18 عاما، بمستشفى الأحرار بالزقازيق، تعاني كسورا ومضاعفات بالغة في أنحاء جسدها.
جمال فرويز: «ارتفاع درجات الحرارة عاملا في رفع معدل نسبة الجريمة.. والضغط يولد الانفجار والست ليست شريرة بطبعها»
وقال الدكتور جمال فرويز، الطبيب الاستشاري للطب النفسي بالمستشفيات العسكرية: 'شهد المجتمع مؤخرا قضايا عنف أسري، ورصدت الصحف والمنابر الإعلامية، جرائم قتل بين الأزواج، لافتا إلى أن الدافع وراء القتل هو تكرار الضرر الواقع على الجاني، معلقا:' الست لو قتلت ليس لكونها شريرة بطبعها، وإنما ضغط أحدث انفجار وانتقام '.. حسب تعليقه.
ولفت إلى عامل ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، قد تجعل الأشخاص أكثر عنفا وعصبية ضد بعضهم البعض، فتحدث الجرائم نتيجة عدم السيطرة على الغضب والانفعالات، هذا بالإضافة إلى الظروف الحياتية وضغوط المعيشة.وألقى' فرويز 'اللوم على الوسائل الإعلامية التي تتناقل أخبار الجريمة، والتي بدورها ترسخ الخلفية الذهنية، بطريقة وأسلوب عرضها وتناقلها، معتبرا الاهتمام المتزايد من قبل الإعلام بنشر أخبار الجريمة على نطاق واسع، تحريض دون قصد أو دون وعي على الجريمة، معلقا: 'الشخص الذي يحدث له مشكلة مشابهة، قد يسترجع من الخلفية الذهنية أحداث الجريمة، وقد يكرر مأساة الجريمة من جديد، وبالتالي تنتشر الجرائم '.. حسب تعليقه.
وأشار' فرويز 'إلى أن المجتمع المصري، شعب نهري محب للخير والسلام، وثقافة الجريمة دخيلة على طباعه وعاداته، وهو أبعد ما يكون عن العنف والشراسة، مشيرا إلى ااتساب ثقافات غريبة بالانفتاح مع المجمعات الأخرى، أدت لتغير الثقافة المصرية بعض الشيء، فأدت لتفكك المجتمع والأسرة، وبالتالي حدث تبدل القيم وانهيار الأسر، معلقا: 'لو أن الأشخاص لديهم ثقافة واعية وراسخة عن القيم والمبادئ، سوف لن يهتموا بمتابعة الجريمة وتقليدها'.. حسب قوله.
وأكد فرويز، في حوار خاص لـ'أهل مصر' بقوله: 'ولإنقاذ المجتمع المصري والحفاظ على قيمنا ومبادئنا خاصة وأننا شعب محب للسلام، يجب عودة الثقافة المصرية وتأصيل القيم والمبادئ والجذور التي تربينا ونشأنا عليها من حب الخير وتجريم العنف في أنفسنا، وذلك بعودة التربية للتعليم، وإعادة مراكز الشباب تعمل بكامل طاقتها، وتستوعب الشباب وتفرغ طاقاتهم، ومن ثم إعادة دور الثقافة والتوعية بين المواطنين، كما يجب البحث عن المثل العليا وتسليط الضوء عليها، ونشر الحب والسلام والخير، من خلال استغلال الدراما والسينما في تجسيد هذه الأدوار، والبعد عن تجسيد أدوار الشر، وألا يسلط الإعلام الضوء على هذه الجرائم وتناقلها بالشكل الذي يثير الذعر بين المواطنين، وعلي الجانب الآخر قد يتبعه البعض ممن كون مرجعية ذهنية إذا وضع بنفس الموقف خاصة وإن كان ضعيف النفس'.
المشاكل الأسرية
وأشارت الدكتورة أسماء مراد، أخصائية علم اجتماع المرأة، في حديث خاص لـ'أهل مصر'، إلى 'إن الأسرة المصرية طرأت عليها تغيرات، مثل مشاركة الزوجة في الإنفاق على الأسرة فبالتالي لم يعد النفوذ والسيطرة للرجل كما في السابق، ومن هنا قد تحدث المشاكل الأسرية خاصة مع شعور المرأة بضعف قوامة الرجل، فضلا عن تردي الحالة الاقتصادية والتي تعود بعدم الاستقرار في الأسرة، فيظهر الصراخ والعنف والغضب وعدم الشعور بالرضا، وبالتالي العنف يكون سيد الموقف، وتثار المشاجرات خاصة مع عدم وجود الاحتياجات الأولية الأساسية لأفراد الأسرة.
وترى أسماء مراد، أن الانفصال قد يكون حلا وإن كان أصعب الحلول، إلا أنه يكون أمرا صعبا على أحد الزوجين، فقد تضطر الزوجة لاستكمال العشرة الزوجية، خوفا على الأبناء أو خوف الزوجة من عدم وجود مصدر للدخل والمعيشة بعيدا عن زوجها، أو حب الزوج للتملك وفرض سيطرته وغيرته الشديدة. فيستمر الزواج رغم عدم الاستقرار النفسي.
وأشارت 'مراد'، إلى تعزيز دور الإعلام وأهميته في إرساء القيم الإنسانية وتوجيه المجتمع صوب الصواب والقيم الإنسانية، ونادت بأهمية دور الدولة في تثقيف وتوعية المقبلين على الزواج وتأهيلهم على التأقلم مع الأسرة الجديدة وإدارة مركبها بسلام دون مشكلات عنف أسرية كما كان المجتمع المصري قديما، مع الحرص على تفعيل دور المؤسسات الدينية كالكنيسة والجامع ودور العبادة في التوعية السليمة وغرس القيم.
أسماء عبد العظيم: تدخل الأهل والبعد عن الدين عامل رئيسي في العنف الأسري وهدم الأسر
وأضافت الدكتورة أسماء عبد العظيم استشاري نفسي، أن 'تدخل عائلات الزوج وكذلك تدخل عائلات الزوجات له عامل كبير في عدم استقرار الأسر، والتدخل في شئون لزوجين الخاصة وجعل الحياة على الملأ، يثير الخلافات والمشاجرات بينهما، لافتة إلى أن ضعف الوازع الديني والبعد عن الله وضعف الإيمان يعد سببا رئيسيا في الخلافات التي تهدم الأسر وتطورها لجرائم، وبالتالي تفكك المجتمع.
وتابعت 'عبد العظيم': 'إن عدم الرضا والتطلع لخارج حدود الأسرة سببا قويا في هدم الأسرة ونشوب الخلافات وتطورها إلى مشاجرات قد تصل حد القتل، موضحة أن التطلع نتيجة عدم رضا الزوج عن زوجته متمنيا غيرها وبالتالي تعدد علاقته وربما الخيانة، وعلي الجانب الآخر قد لا ترضى الزوجة بحياتها على المستوى المادي وعدم قبولها بوضعها المعيشي بما يتناسب مع قدرة زوجها، وربما تشعر هي الأخرى بعدم رضا على شخص زوجها وقد تطلع هي الأخرى خارج حدود عش الزوجية، فيكون الانفجار والغضب تاليا لمرحلة عدم الرضا، مؤكدة أن الأسباب في الخلافات قديمة والمشكلات الزوجية ليست حديثة العهد، وإنما الإعلان عنها والجهر بها جعلها ظاهرة، مناشدة بضرورة التقرب إلى الله والتمسك بالقيم والعادات السليمة لإقامة أسر ومجتمعات سوية، وعدم تدخل العائلات في مشكلات أبنائهم دون الحاجة أو لمجرد فرض السيطرة. لأنه من العوامل التي تهدم الأسر وتثير العنف داخلها.
المجلس القومي للمرأة
وأكدت الدكتورة عايدة عطية، مقررة فرع المجلس القومي للمرأة بالشرقية، ومدير عام تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية بمديرية الصحة بالشرقية، على ضرورة التمسك بالقيم الدينية والأخلاق الحميدة، خاصة مع انتشار مثل هذه الأخبار عن الجرائم والعنف الأسري، ونادت بضرورة الأخيار السليم للزوج والزوجة عند الإقبال على الزواج، وفقا لمعايير الدين والأخلاق وليس وفقا لمعايير مادية ومظاهر اجتماعية فارغة، كما أشارت لأهمية أن تكون المعيشة وفقا للقدرة المالية للزوج دون مبالغة الزوجة وأهلها في طلباتهم، كما لفتت إلى أهمية الرجوع إلى كبار عائلتي الزوج والزوجة حال وجود الخلافات الأسرية بالاستناد إلى الدين، والتأكد من عدم تعاطي المخدرات سواء للزوج أو الزوجة، مع التنبيه على ضرورة عدم الزواج في سن مبكر والتأكد من اكتمال نضج الفتاة الجسدي والنفسي، للنجاة بالأسرة المصرية من حوادث العنف الأسري، وبالتالي الحفظ على ترابط المجتمع المصري'.
- وكيل وزارة الأوقاف بالشرقية: «الإعلام يقوم بدوره بنشر الخبر.. والمشكلة تأتي من متلقي الخبر»
ومن جانبه قال الدكتور 'محمد إبراهيم' وكيل مديرية الأوقاف بالشرقية، إن 'الجرائم التي تداولت بين الصحف والسوشيال ميديا، لا ترتقي أن تصل لظاهرة مجتمعية ولا يجب أن نطلق عليها مسمى سوى أنها حالات فردية، مرجعا أسبابها لمشكلات اجتماعية في الأسر التي حدثت فيها تلك الجرائم، مؤكدا على أن المجتمع المصري مستقر والعلاقات الأسرية هادئة والخلافات فيها طبيعية لا تصل لجرائم، لافتا إلى أن الإعلام دوره نشر الخبر، ولكن المتلقي من الجمهور يتعامل معها حسب ثقافته، ومستقبل الخبر يوظفها حسب ثقافته، فمنهم من يجعلها مادة للسخرية، وربما يتعامل معها من مجرد خبر إلى رأي، وتنتشر البلبلة والشائعات.
وأضاف وكيل مديرية الأوقاف: 'يجب التوعية بكيفية التعامل مع الأخبار التي ينشرها الإعلام والمنتج الإعلامي كي لا يكون وسيلة هادمة للمجتمع، والتأكيد على أنه مجرد خبر مقتصر على من قام به وليست ظاهرة منتشرة، فطريقة تداول الخبر هي التي تنقله من دائرة العمل الفردي إلى ظاهرة جماعية، مؤكدا على أهمية الوازع الديني والتوعية الدينية الصحيحة، والبعد عن الأفكار المتطرفة، وترسيخ مبادئ الدين الحنيف في نفوس الأشخاص منذ النشأة الأولى، يأتي هذا من الأسرة بالتعاون مع مؤسسات الدولة'.