وجه ملائكى لسيدة مسنة، لم تغب الابتسامة عن وجهها، يظهر عليها علامات الكبر لكن الزمن لم يغير ملامحها، يحبها الصغار ويأتى إليها الكبار يذكرونها بأنها أول من استقبلتهم فى المدرسة، وآخر من كانت أعينهم تقع عليها وهم ذاهبون لمنازلهم.
'تم تهجير أهالى بورسعيد لكنى لم أترك المدينة وكنت أفتح المدرسة وأجلس بأطفال المستبقين فى بورسعيد وعندما توفى زوجى وعمرى أقل من 30 عاما تحملت المسؤلية كلها وكنت الأب والأم لابنتى وابنى'.. هكذا بدأت عوضه مسعد الشهيرة بأم محمد السيدة البورسعيدية التى تبلغ من العمر 80 عاما، والتى تعمل حارسة بإحدى المدارس الخاصة بمحافظة بورسعيد حديثها لـ 'أهل مصر'.
قصة عشق كبيرة بينها وبين المدرسة
وقالت أم محمد: 'استيقظ من النوم فجرا فأصلى ويأتى سائق الأبونية يأخذنى إلى المدرسة وتدب قدمايا أبواب المدرسة فى الساعة الخامسة صباحا وأقوم بفتح الأبواب وتنظيف المكاتب واستعد لبدء يوم جديد استقبل فى ابنائى من الطلبة والطالبات، وهناك عشق متبادل بينى وبين كل شىء فى المدرسة حتى أصبحت كالهواء الذى اتنفسه لا أستطيع العيش بدونها فالجدران والفصول و 'التخت' والكراسى حتى البلاط أشعر به ويشعر بى هذا إحساسى فلو بلاطة واحدة تخلخلت من مكانها لشعرت بأن هناك وجع فى جسدى بأكمله، وكأنه ورث لكن بمسؤلية وهكذا كنت الحارس الأمين على المدرسة.
55 عاما أعمل بالمدرسة ولم أغب يوما واحدا
وتابعت أم محمد: 'زوجى كان يعمل سباكا فى أحد المدارس وتوفى وعمرى أقل من 30 عاما وترك لى طفلة وطفل وكانت المسؤولية كبيرة بالنسبة لى فقلت لنفسى أن أنزل للعمل والشغل 'موش عيب' وبالفعل عملت حارسة بإحدى المدارس الخاصة وحتى الآن مر على شغلى فيها 55 عامًا، لم أغب يوما واحدا فيهم عن المدرسة فهى 'حتة' منى، ونظرت وسرحت ثم أفاقت وقالت 'عمر عدى'، ولم أشعر به، لكن الدنيا زمان كانت جميلة، وعادت لتردد لو بلاطة تتخلع من المدرسة أبكى علشانها، وكأنها ورثى وقطعة من جسدى'.
أم محمد مربية الأجيال
واستطردت: 'ولادى كبروا وطلبوا منى أترك العمل ولكنى رفضت فالحمد لله أنا ربيتهم أحسن تربية وتزوجوا لكن لا يزال هناك أولاد صغار يحتاجوننى فى المدرسة فارتباطى بالمدرسة لم يكن بمكان فقط بل ومشاعر لا أفقدها أبدا يذهب جيل ويأتى جيل وهكذا استقبل كل الاجيال فاولادى ممن تخرجوا من المدرسة منهم الطبيب والمهندس والمحامى والضابط والمدرس، ومازالوا يتذكرونى ويأتون لزيارتى فى المدرسة وأكون سعيدة جدا بهم بل ويلحقون أبنائهم فى المدرسة وهم مطمئنون عليهم لانى موجودة بها'.
وصية أم محمد: عندما اموت يمر نعشى بجوار المدرسة
واختتمت: 'قلت لابنائى وصيتى و هى عندما اموت يمرون بنعشى من امام المدرسة لانه سيكون اليوم الوحيد الذى غبته عن المدرسة فانا لم اخذ ولا يوم اجازة منذ ان عملت بها ولا فى ايام الدراسة ولا فى الصيف فترة الاجازة قلت لاولادى لما اموت مشوا نعشى من امام المدرسة و سوف تشعر روحى بذلك ، فأنا سألت مستر عزيز مدير المدرسة هل من الممكن يتم دفنى فى المدرسة ابتسم و قال لى بعيد الشر عليك'.