'حين يشتد الوجع، ويتصاعد الألم، ليس هناك علاج فوري وفاعل مثل وصفة الصبر لتهدأ النفس، وتعود إلى طبيعتها، فأقوى المحاربين هما الوقت والصبر، إنّ النصر مع الصبر، وإنّ الفرج مع الكرب، وإنّ مع العسر يسرًا'.. بتلك الكلمات بدأ يروي 'محمود زلطة'، الشاب الذي يبلغ من العمر 22 عامًا، لـ'أهل مصر'، تفاصيل رحلة انتصاره ثلاثة مرات على مرض السرطان، ويُحاربه للمرة الرابعة بعد أن عاد ليداهمه من جديد.
ويقول محمود،: 'إنه لَاختبار صعب أن يرى الإنسان ملامحه وجماله يذهبا بعيدا عنه، فأحيانا كثيرة أنظر في المرآة، أشعر بأنني شخص آخر، تبدلت ملامحي بعد وقوع شعر رأسي ورموشي وحواجبي، وهناك أوقات كرهت فيها شكل (الكاب)، الجديد الذي كنت مجبرا على أن أرتديه لأغطي تساقط شعري، وكثيرا ما كنت أنام وأحلم بأنني أمشط شعر رأسي بيدي، وأستيقظ على كابوس، وأنا أضع يدي على رأسي لأجدها صلعاء، شعور بالألم، وبيوجع القلب، هناك صورًا عندما أراها أستغربها، والحمد لله اهتميت بنفسي حتى تمر تلك المرحلة الصعبة من حياتي لدرجة أن هناك من لم يشعر بمرضي ولم يتخيل أحدا التعب والوجع الجسدي والنفسي اللذان أمرّ بهما'.
2008 أول مرحلة للمرض
ويشير محمود، لـ'أهل مصر'،: 'اكتشفت المرض وأنا بالصف الثالث الابتدائي، وكان صدفة عندما بدا وزني يقل على غير العادة ومجهودي أصبح ضعيف جدا، وأعاني من ضعف في الشهية، بشكل غير ملحوظ وظهور ورم صغير في رقبتي، اتجهت إلى الطبيب أنا وأبي الذي شخّصَ حالتي أنها ورم في الغدة اللمفاوية، ومن هنا بدأت رحلة من الألم تحديدًا في شهر أبريل، 2008، كنت في هذا الوقت طفل في الصف الثالث الابتدائي، الآن ذهبت إلى مستشفى 57357، وعندما وصلت إلى المستشفى، طلبوا أن أقوم بعمل تحاليل وأشعة رنين، واتضح أني عندي سرطان في الغدة، وكانت الصدمة كبيرة لوالدي ووالدتي وأخواتي، وطلب الطبيب المشرف على حالتي بزل من الظَهر، لتحديد نوع العلاج، وبعد أسبوع ظهرت نتيجة البزل، وتم تحديد نوع العلاج إسمه (الكيماوي)، 16 جرعة كيماوي، على 8 شهور'.
رحلته مع 'الكيماوي'
واستطرد قاهر السرطان،: 'بدأت الكيماوي، وكانت الجرعة الأولى صعبة جدا، شعر رأسي بدأ يتساقط، والطعام مذاقه مرارة، وبدأت أشعر بتعب في جسدي وشعرت بالاكتئاب، وأصبحت طفل حزين على نفسي ولم أستطع الذهاب إلى المدرسة، ولا اللعب مع أصدقائي، ودائما كان والدي يشجعني ويصبرني بأنها فترة وسوف تمر وتنتهي، وبالفعل استمريت في العلاج إلى أن أخبرني والدي بأنني شُفيت، وقال لي (إنت خفّيت يا محمود)، وكانت فرحتي كبيرة جدا لأنني سأعود إلى مدرستي وألعب مع أصدقائي.
المرحلة الثانية للمرض 2010
وأكمل،: 'بعد فترة وبالتحديد في شهر ديسمبر 2010 كنت أقوم بعمل متابعة شهرية، وعملت إشاعة رنين على جسدي، وعندما ذهبت لأتابع النتيجة ظهر ورم للمرة الثانية، من هنا بدأت رحلة علاجي للمرة الثانية لكن بصورة أصعب، لأنني كنت أحتاج إلى زرع نخاع، وكانت هذه الفترة أصعب أيام حياتي، لكن الأمل ما زال يراودني، وأعيش به دائما وأدرك بأنني سوف أنتصر على ذلك المرض اللعين، وبالفعل تم تحديد إجراء العملية في شهر مارس 2011.
وأضاف 'محمود'،: سافرت مع والدي ووالدتي لإجراء العملية وبدأت تتم عملية تجهيزي لزرع النخاع، وتحديد جرعتين كيماوي مكثف على شهر ومن هنا تم فصل النخاع، وتنقيته من المرض وكانت عملية الزرع أصعب أيام حياتي أو كأنني كنت فى سجن انفرادي، جلست شهر أنا ووالدتي في العزل في وحدات الزرع، وبعد الشهر خرجت إلى الغرفة العادية 20 يومًا، وعُدت إلى منزلنا وأنا سعيد لأنني سوف أرى إخواتي مرة أخرى، وبدأت متابعات في وحدة الزرع لمدة ستنين، وانتصرت مرة ثانية على ذلك المرض اللعين، وكنت أقوم بعملية متابعة كل 4 أشهر، وعدت إلى المدرسة بالصف الأول الإعدادي، وبدأت أعيش حياتي بشكل طبيعي.
وأردف،: 'كانت لدي مشكلة أن جسدي ضعيف، وكنت أذهب إلى المستشفى كل 4 أشهر متابعات، وأصبحت حياتي عادية، وفي إحدى الأيام شعرت بارتفاع في درجة حرارتي، فسافرت إلى المستشفى بسرعة لعمل تحاليل وأشعة ظهر المرض في بطني مرة ثالثة، وقرر الطبيب أخذ 16 إشعاع على 4 أشهر، فحزنت جدًا لأننى سأعود إلى العزلة'، متابعًا: 'في كل مرة ربنا بيوقف بجواري وبيقويني وبيجعلني أنتصر على المرض، والحمد لله اتعلمت الصبر، والإيمان والقوة فى وقت الضعف، واتعلمت أن أتخلص من جميع مشاكلي، فمهما كانت المشاكل فلن تكون أصعب من مرض السرطان، والحمد لله انتصرت على المرض مرتين، وما زلت استكمل عملية انتصاراتي في كل مرة يعود ويدق على بابي'.
وأضاف: في إحدى الأيام ارتفعت درجة حرارتي، فأخذت مسكن أسبوع متواصل لارتفاع الحرارة مع ألم شديد ساخن في بطني، ولم أستطيع المشي وذهبت للمستشفى لعمل تحاليل ليظهر ورم في بطني، وكان أصعب شىء لأن المرض انتصر عليّ، وظهر للمرة الثالثة في شهر أغسطس، عام 2019، ورغم حزني إلا أني استمديت الصبر من ربي واستكملت قوتي، لأوجه بها وانتصرت عليه للمرة الثالثة، إلا أنه داهمني وبقوة في شهر يوليو 2021، للمرة الرابعة'.
واختتم 'محمود'، حديثه قائلًا: 'لا تيأس من صعوبة الطريق، فالصراط المستقيم على ظهر جهنم، ولكنه طريق إلى الجنة لمحاربي السرطان.. سوف أنتصر للمرة الرابعة، عليه فهو مجرد ضيف ولن أضعف.. أنا أقوى من السرطان وسوف أُكمل مشواري لأنني لديّ أحلام فأنا مع الله لذا فأنا الأقوى، (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)'، مضيفًا: 'أنا أتذكّر دائمًا أن الله، إذا أحب عبدًا ابتلاه، وأن هناك جنان للصابرين، وأعلم أن كل ألم يصيبك أنت مثاب عليه بإذن الله، لا تيأس أنا أقوى من السرطان'.