افتتح الدكتور أحمد زايد؛ مدير مكتبة الإسكندرية مؤتمرًا علميًّا ومعرضاً بعنوان "الهيروغليفية في القرن الواحد والعشرين"، بمناسبة الاحتفال بمرور مائتي عام على فك رموز حجر رشيد، بحضور الدكتور لورون كولون، مدير المعهد الفرنسي للآثار الشرقية، والسيد محمد نهاض؛ قنصل عام فرنسا بالإسكندرية، وعدد من الشخصيات العامة، ويستمر خلال الفترة من 10 إلى 13 أكتوبر 2022.
في بداية حديثه رحب الدكتور أحمد زايد بالحضور واعتزاز مكتبة الإسكندرية باستضافة الفعالية بالتعاون مع المعهد الفرنسي للآثار الشرقية ومتحف شامبليون في فيجاك بفرنسا، مؤكدًا أن الحضارة الإنسانية شهدت علامات مضيئة نجحت في تسجيل جوانبها، حتى جاء الإعلان عن النجاح في فك رموز حجر رشيد عام ١٨٨٢، وهو الحدث الذي غير وجه الحضارة الإنسانية عندما نجح في صبغ أغوار الحضارة المصرية.
وأضاف "زايد" أن مكتبة الإسكندرية تعد نافذة العالم على مصر والعكس، كما أنها تضم مركزاً للخطوط وهو ما جعلها الوجهة البحثية الأولى التي تهتم بالكتابة، كما أن اعتبار عام ٢٠٢٢ عاماً لعلم المصريات والذي يتزامن مع مرور ٢٠٠ عام على فك رموز حجر رشيد، كان الدافع وراء تنظيم هذه الفعالية.
وعبر "زايد" عن اعتزاز المكتبة بتاريخ مصر واهتمامها بالفعاليات التي يشهدها العالم أجمع هذا العالم، لا سيما وأن فرنسا تربطها علاقات قوية ومتميزة مع مصر، مشيراً إلى اكتشاف حجر رشيد وكتاب وصف مصر- الذي تحتفظ مكتبة الإسكندرية بنسخة أصلية منه- بالإضافة إلى البعثات العلمية، كان لها مردود على الجانب الثقافي بين الجانبين.
وأوضح "زايد" إن المكتبة والمعهد الفرنسي حرصوا على دعوة الباحثين الفرنسيين والمصريين، لمناقشة على مدار ثلاث أيام مدى تأثير الكشف على الحضارة المصري وعلى العلماء المصريين، معلناً تنظيم مؤتمر بعنوان "من الحجر إلى الكتابة.. ومن الكتابة إلى الرقمنة" بالتعاون مع جامعة سنجور الشهر المقبل.
وشدد "زايد" علي أن العلماء المصريين أجادوا بحث تاريخ حضارتهم وفهم آثار أجدادهم، ومن بينهم رائد علم الآثار أحمد كمال باشا، الذي وضع قاموس اللغة المصرية القديمة "الهيروغليفية" مترجم إلى اللغة الفرنسية، والذي استغرق منه ٢٠ عامًا عمل، وجاء في ٢٢ مجلد، وهو من الزخائر التي تقترب من كتاب وصف مصر.
وأختتم "زايد" كلمته؛ أن الحضارة المصرية مازالت مستمرة في إبهار العالم في ضوء ما يتوصل إليه الباحثين من ثراء وإعجاز في مختلف المجالات.
فيما قال الدكتور هاني خميس، ممثلًا عن الدكتور عبد العزيز قنصوة، رئيس جامعة الإسكندرية، أن حدث اكتشاف حجر رشيد يستحق الحفاوة، فقبل ذلك الاكتشاف كانت الكتابات المكتوبة على المعابد تعد من الطلاسم الذي لا معنى لها، ولكن فك الرموز فتح الباب أمام سيل هائل من كنوز الحضارة المصرية في كافة العلوم وإلقاء مزيد من الضوء على أسرارها.
وأشاد "خميس" بالجلسات العلمية المقامة على هامش المؤتمر التي ستفيد الباحثين المصريين والفرنسيين، مؤكداً على عمق العلاقات بين البلدين على المستوى العلمي، من إعداد الكوادر المصرية بالعصر الحديث منذ عهد محمد علي وحتى الآن.
وأشاد الدكتور هشام الليثي؛ مدير عام مركز تسجيل الآثار المصرية، ممثلاً عن أحمد عيسى؛ وزير السياحة والآثار، بدور مكتبة الإسكندرية التي تعد ملاذاً لكل طالب علم، مشيراً إلى أن أسرار الحضارة المصرية كانت مجهولة لقرون حتى تم فك رموز حجر رشيد، فكانت البداية لكشف جوانب مبهرة من الحضارة المصرية، ثم تأسيس علم المصريات الذي يدرس في العديد من جامعات العالم.
وأكد "الليثي" أن الاكتشافات الحديثة دليل على أن أرض مصر مازالت بكر ولم تبح بكل أسرارها، وهو ما يتطلب بذل المزيد من الجهد للكشف عن باقي هذه الحضارة العظيمة.
بينما عبرت جينا الفقي ممثلاً عن الدكتور محمود صقر؛ رئيس أكاديمية البحث العلمي، عن سعادتها بالتواجد في مكتبة الإسكندرية، فهي مصدر فخر وسعادة وتمتلك دائم كل جديد لتقدمه، واصفة حدث فك رموز اللغة المصرية القديمة بالهام، فهي ليست مجرد لغة وإنما وسيلة وأداة لحفظ التراث الفرعوني وهو ما تتبناه الأكاديمية.
وأكدت "الفقي" اهتمام الأكاديمية بتعريف الأطفال بهذه اللغة وربطها بالثقافة، كما تبنى مبادرة "حقوق حضارة وبناء حضارة" لحفظ حقوقنا في حضارتنا، مضيفة أن الحجر مصري واكتشفه عالم فرنسي إلا أنه موجود في متحف في بريطانيا.
وأشارت "الفقي" إلى أن نشاطات الأكاديمية ممتدة مع فرنسا في مجال البحث العلمي، في برنامج تحمل اسم "امنحتب" العماري الذي صمم هرم زوسر، وأسفر عن ٦٨ مشروع مصري فرنسي مشترك، و٩٠ بحث و٦ رسائل ماجستير ودكتوراه.
ومن جانبه؛ أكد الدكتور لورون كولون؛ مدير المعهد الفرنسي للآثار الشرقية، إنها مغامرة كبيرة تقودها مصر وفرنسا، إذ أن الاكتشاف الذي حدث إبان الحملة الفرنسية إلى مصر وفك رموز حجر رشيد، وهذا التعاون يخدم الثقافة المصرية، ومع إنشاء معهد الدراسات الشرقية في القاهرة، نحتفل بمرور ٢٠٠ عام على اكتشاف الحجر، كان هذا حافز للمعهد ومتحف شامبليون للاحتفال في الإسكندرية.
وأضاف "نحن ليس بصدد التعرف على الرموز ولكن هناك أفاق تتضح أمامنا، والإبحار الذي قام به شامبليون، وتخليه عن عوائق كثيرة، كشفت الكثير من المعلومات عن هذه الحضارة القديمة، وقد نشر المعهد كتابًا هامًا عن هذه الاحتفالية، ويتاح أمام الباحثين الراغبين في معرفة هذه الحضارة.
وأكد "كولون" إن هذا المؤتمر يهدف إلى ترسيخ المعرفة بعلم المصريات، للتعريف بتاريخ هذه الكتابات، حيث يقام المؤتمر ومعرض على هامشه.
وفي الختام؛ أكدت سيلين راميو، مدير متحف شامبليون بمدينة فيجاك الفرنسية، أن المتحف أقيم في منزل جان فرانسوا شامبليون، مضيفة "لنا الشرف أن نكون متواجدين في مكتبة الإسكندرية، رمز الثقافة والإشعاع الحضاري".
وأوضحت "راميو" إن "شامبليون" كان يقطن في مدينة فيجاك، والمتحف يستقبل مئات المهتمين بدراسة علم المصريات، فهي حضارة عريقة، متمنية أن يستمر التعاون بين المتحف ومكتبة الإسكندرية.
بدأت فعاليات المؤتمر بافتتاح المعرض بالقاعة الشرقية بمبنى مركز المؤتمرات بالمكتبة، وهو من إعداد المعرض المعهد الفرنسي للآثار الشرقية ومتحف شامبليون في فيجاك بفرنسا ومركز دراسات الخطوط بقطاع البحث الأكاديمي، وهو يحتوي على مجموعة من اللوحات عن فك رموز الكتابة، ولوحات عن تتبُع رحلة الكتابة في مصر.
ويُعرض لأول مرة في المعرض معجم أحمد باشا كمال المتخصص في اللغة المصرية القديمة، وهو أول قاموس هيروغليفي يتم ترجمته إلى الفرنسية والعربية، حيث أهدت عائلة أحمد باشا كمال المعجم لمكتبة الإسكندرية لحفظه وترميمه من خلال معمل الترميم بقطاع التواصل الثقافي، ومن ثمّ وعرضه للجمهور.
وفي ختام اليوم الأول ألقت عالمة الأثار الدكتورة فايزة هيكل محاضرة هامة، استعرضت فيها كيفية تأثر اللغة المصرية القديمة بالبيئة التي تطورت فيها، وكيف ساعد ذلك في إثراء لغة المصريين القدماء وقدرتهم على التعبير عن أنفسهم، كما قدمت المحاضرة شرحًا للارتباط الوثيق بين اللغة المصرية القديمة واللغة العربية.