«جبناء ولا ينتمون إلى دين، فهم بلا ملة، لا يظهرون وجها لوجه، تربصوا لابني، وأعدوا ذخيرة وأسلحة كأنهم يواجهون كتيبة بأكملها وليس ضابطا أعزل، لو كان معه طبنجة واحدة لتخلص من معظمهم، لأنه كان بطل رماية».. هكذا بدأ يروي اللواء يحيى جاويش والد الشهيد الملازم مصطفى أصغر شهيد شرطة ابن محافظة بورسعيد لـ 'أهل مصر' ذكرى استشهاد نجله بالعريش.
الأول على دفعته فى الرماية
قال والد الشهيد، فخور بابني وبأنه استشهد في سبيل الوطن، مصطفى نزل من المنزل دون سلاح، آمن، وبعد أن أدى صلاة الجمعة، استقل سيارته، وكان متجها لمنطقة المساعيد، ولم يتوقع الغدر وأنهم منتظرون بجوار المنزل، يراقبونه، ولم تمر دقائق وبدأوا في تصفيته بكمية رصاصات وأسلحة آلية يحاربون بها كتيبة بأكملها، وليس ضابطا واحدا أعزل من السلاح، لو كان معه طبنجة لتخلص من معظمهم، فهو كان الأول على دفعته في الرماية، جبناء لا يواجهون.
طلب العمل بالعريش
وأضاف الأب كانت الأسرة مقيمة معي بالعريش نظرا لطبيعة عملي هناك 'حكمدار' وحصل على جميع مراحل تعليمه من هناك، لذا فضل الخدمة في المنطقة التي تربى فيها وأحبها، وأهالي العريش كانوا يعشقونه، فخور بإبني واحتسبه عند الله شهيدًا.
رائحة المسك و العنبر تنبعث من القبر
ومن جانبها قالت الدكتورة سمية التابعي والدة الشهيد مصطفى جاويش، أنه بعد مرور ٩سنوات و٩ أشهر على استشهاد فلذة كبدي، توفى شقيقي منذ ٤ أشهر، وأثناء دفنه بالقبر الذي دفن فيه مصطفى، والذي لم يفتح منذ وفاته، كانت رائحة المسك والعنبر تنبعث من القبر، وشاهدت المفرش الملفوف فيه جثة ابني الشهيد كما هي، أصيبت بانهيار، لأنني كنت أريد أن أدخل القبر، فيه رائحة ابني، ولكنهم منعوني وأبعدوني بصعوبة.
مشروع شهيد
وتُضيف الأم: 'نجلى الصغير مصطفى كان دائما يردد لي «أنا مشروع شهيد»، وخاصة بعد التحاقه بكلية الشرطة عام 2009 بمجموع 95,5 %، وكانت أمنيته أن يتسلم عمله بعد التخرج في مدينة العريش، لارتباطه بها وانتمائه إليها، رغم أنه من مواليد محافظة بورسعيد'.'انتقلنا من بورسعيد إلى مدينة العريش عام 2001 لطبيعة عمل زوجي (لواء شرطة)، وعشنا فيها لسنوات، وهناك حصل مصطفى على شهادات الابتدائية والإعدادية والثانوية، وبالتالي تعلق بها وانتمى لها، وعندما تخرج من كلية الشرطة كان من الأوائل وتم توزيعه أمن مركزى وعندما ذهب للتوزيع في محافظة الإسماعيلية كان يصر على استلام عمله بالعريش'.
وتابعت 'ولكن يشاء القدر أن يعتذر أحد زملائه عن ذهابه للعريش ليتم استبدال التوزيع ويذهب ابني إلى العريش وبالفعل جاء إلينا، كنا مازلنا نعيش هناك، وتخرج يوم 27-7-2013 ووصل العريش 25-9-2013، وكان يوم جمعة فاستيقظ من نومه وكان يتحدث مع أحد زملائه على موقع 'فيس بوك'، وسأله زميله: «روحت فين يا كبير، قال له: روحت شهيد العريش».
استهدفوا جسده بـ ٣٦ رصاصة
واستكملت والدة الشهيد: 'خرج مصطفى يوم الجمعة يوم استشهاده، وقبل استلامه العمل بيوم واحد، قال لي يا سميّة ها تشوفي خير عمرك ما شوفتيه، وقبل نزوله من المنزل ضحك مع شقيقه، وقال: انت هاتاخد مائة ألف جنيه وتبلغ على الإرهابيين وابتسم، وقبلها بيوم كان في أحد الأفراح ومن هنا تم استهدافه، وخاصة أنه كان الأول على دفعته في الرماية، حيث استقل سيارته وذهب بها وبعد ربع ساعة تم استهدافه وتم ضربه من ناحية الشمال وبعدها أطلقوا عليه الرصاص من جميع الجهات وتم استهداف جسده بـ ٣٦ رصاصة'.
جنازة أشبه بحفل زفاف
وعن خبر استشهاده، تقول الأم: 'لم يخبروني بوفاة ابني بل أخبرني والده وشقيقه بأنه مصاب وذهبت إلى المستشفى ولم أودع ابني لأنهم منعوني، ورجعنا بجثمانه إلى محافظة بورسعيد ليتم دفنه فى مقابر مدينته وكانت جنازته أشبه بحفل زفاف كبير، وحمل نعشه زملاؤه وطافوا به في شوارع بورسعيد سيرًا على الأقدام وكأنه كان يودع بلده'.
وتذكرت الأم كلمات ومواقف كانت بينها وبين نجلها، قائلة: 'عندما تزوجت شقيقته قال لي كلهم ها يمشوا وأنا مَن سيظل معك يا ماما'، متابعة: وعندما استُشهد مصطفى قلت له انت «ضحكت عليّ» وقلت لي بأنك ستظل معي ولكنك من ذهب يا مصطفى.
شبع منى وتركنى وأنا لم أشبع منه".
واستطردت باكية: 'قبل وفاته بأيام كان مرتبط بي وكأنه كان يودعني ويذهب معي في كل مكان، كان يشعر بأنه سوف يموت فكان يشبع مني وتركني وأنا لم أشبع منه'.
وأكملت الأم: 'عندما توفي مأمور قسم كرداسة ورآني وأنا أبكي من أجله قال لي: وفرى بكائك لوقت آخر وكأنه كان يشعر بشهادته، مردفة: '٩ سنوات و٤ أشهر مروا على استشهاده وأنا أحلم به في كل وقت وخاصة في وقت الشدة، عندما سافرت للحج بعد وفاته بحوالي 10 أيام، وعندما أنهيت مناسك الحج وذهبت إلى الفندق وغفّلت عيني رأيته يلبس ملابس الإحرام وحوله الحمام وهو يقوم بوضع الطعام له.
أول رمضان بعد استشهاده عزمت أصدقاءه على الإفطار، وكنت أشعر أنه موجود بيننا ودائمًا أشم رائحة المسك على باب غرفته، وعندما منعوا الذهاب إلى المقابر بسبب فيروس كورونا حزنت كثيرًا ولكنه زارني في المنام وقال لي لا تحزني يا ماما فأنا جئت إليك بنفسي'.
واختتمت الأم حديثها: 'استُشهد ابني وعمره ٢٠ عامًا و٩ أشهر، أصغر شهيد شرطة لأنه استشهد قبل استلامه العمل بيوم واحد ولكن كان دائمًا يذكرني بأنه مشروع شهيد وأنا لم أتخيل يومًا ما أنها سوف تكون الحقيقة، أتمنى من الله سبحانه وتعالى أن يجعلني دائمًا من الصابرين الحامدين الشاكرين حتى أقابل مصطفى في الجنة'.