«عمر الشقي بقي، شوفنا الويل في الحرب، والواحد مكنش متوقع يرجع لأهله حيا من شدة الأهوال اللي كنا نشوفها فى الحرب، بهذه الكلمات يروي، عبدالمنعم حسنين محمد».
«عبدالمنعم الرغيب» بطل أكتوبر من الأقصر
وشهرته عبد المنعم الرغيب، من قرية الحميدات شرق التابعة لمركز ومدينة إسنا جنوب محافظة الأقصر، وأحد أبطال حرب إكتوبر،والذي كان دوره قيادة الدبابات لـ أهل مصر، كواليس الحرب وكيفية تحرير سيناء.
عبدالمنعم الرغيب بطل اكتوبر
«عبدالمنعم الرغيب» بطل أكتوبر من الأقصر
ويقول «الرغيب»: «مكناش مصدقين إننا هنقدر نعبر القناة لإن هذا يتطلب قنبلة ذريه تهدمه، وكنا نسمع شائعات كثيرة بأن إسرائيل لديها مكونات قوية، تحطم احلامنا، ولكننا تلقينا خبر الحرب بفرحة عارمة، حينما أتى إلينا الأمر بأننا سنحارب العدو الإسرائيلي الساعة الـ 2 ظهرا ، والمدفعية تدق فى الثانية والنصف، لكي يعود الطيران، شعرنا وقتها كأننا استيقظنا من النوم، وأغلبنا كان يريد القصاص لزملائنا الذين استشهدوا في 63 لذلك شعرنا بأن الفرصة اتتنا للمرة الأولى لكي نثأر لأصحابنا، واطلقنا حينها على قرار الحرب فى ذلك الوقت اسم «الفرج» كـ المسجون الذي تم الإفراج عنه، فكان شيء بداخلنا هو الذي يحركنا وهو تمنى الإنتقام والثأر لمن استشهدوا».
وتابع: «كان نصيبي فى معبر سربيوم، الفرقة اللواء 112 عبرنا قناة السويس باللانشات العائمة، بعد تدريب شاق ومرير، وكانت أيام المعركة يوم سبعة، وثمانية، وتسعة بالنسبة لنا فرحا، لمجيء الفرصة إلينا لـ نثأر لأرواح زملائنا الذين استشهدوا فى المعركة الأولى، وأيضا لكي نستعيد كرامتنا، مؤكدا أن المعركة مع العدو بالنسبة له ولزملاؤه كانت أيسر من التدريب 100 مرة، والطيران الإسرائيلي كان فوقنا ونحن مثل الجراد بالرغم من كثرة صوارخهم، ومع ذلك كنا نصتطاد منهم طايرين يتساقطوا بالبرشوت فكنا نقتلهم أو نأخذهم أسرى».
وأوضح أنه أصيب أثناء الحرب بطلقة في اليد اليمنى، وأيضا إصابة بالنبلم، «بودرة حارقة» فكانت يده اليمنى محروقة ومصابة برصاصة ويده اليسرى تحارب العدو، قائلا:' دخلنا على دبابة فدمرناها بالنبلم، لإن وقتها كل تفكيرنا كان حارب علشان ارضك وعرضك، ودينك، وطنك، أرضك مغتصبة، يهودي على أرضك غصب عنك، لذلك كنا نقاتل بكل حماسة ونأمل فى النصر، فقاتلنا بكل قوتنا وكنا بيننا رابط قوي نحن وأخواتنا الأقباط، وهو حب الوطن لذلك استحلفنا بالنصر.
ولفت «الرغيب» إلى أنه شاهد زملائه يستشهدون أمام ناظريه بطرق مختلفة مما جعلهم يقاتلون العدو بكل قوتهم وبكل الطرق التي بعضها كان بطرق وحشية والتي ظل أحدها معلقا بذاكرته حتى اليوم من كثرة بشاعة الموقف، وهو حينما قاموا بإطلاق النيران على طيارات العدو تساقط طيارين من الفانتوم أحدهما قام زميلنا حسين عبد الهادي من الصاعقة بشق صدر هذا الطيار بخنجر وأكل جزء من كبدته، بينما قام زميلنا 'حمدي طه ابراهيم' بخلع عين الطيار الثاني باستخدام الخنجر، موضحا أنهم كانوا تسع مقاتلين فى ذلك الوقت فى منطقة 'دُشمة' بلكاب وعادوا ثلاثة فقط بعد استشهاد زملائهم الستة، ولكنهم عادوا بعد قضائهم على دُشمة بما فيها، لإنهم لم يكونوا عساكر ولكن وصفهم بكونهم وحوش فى المعركة.
وأضاف: «كان نصيبي أن سيارة جيب أمامي يصاب كوتشها بالتعطيل أعلى الكوبري، وذلك سيتسبب فى تعطيل القوات المتدفقة خلفي للدخول على سيناء، والكوبري اتجاه واحد فقط فلم يكن به طريق للعودة فقمت بالتفكير سريعا فى خطة، وقلت لزملائي ثبتوا فى المدفع كويس علشان أنا هموت يا ولاد، وإلا ما ورائي سيقف جميعا، فدخلت يمين ثم قمت بالدخول يسار فى نفس اللحظة دفعتهم بالقناه، والمهندسين ضربوا قنبلة دخان فطلعت الدفة الشرقية وجدت زميل يحضنني ويقول يا بطل يا بطل اطلع ،وأنا معرفوش مين فى هذه اللحظة، فخرجت ونظرت على الأخضر وجدته ممتداً، وتقدمنا شرق الساتر الترابي وكان فرحاً، وكان العسكري الإسرائيلي فور سماعه لقولنا الله أكبر بعد النصر يترك دبابته وسلاحه ويفر هاربا».
وأضاف «عبدالمنعم»: «من أصعب المواقف التي تركت أثرا فى ذاكرتي من حرب أكتوبر حتى اليوم «تبة الشجرة» التي كانت محصنة تحصين جيد جدا، يطلع طيران يضرب عليها بعد الطيران ما يمشي التِبة تخرج نار، كان معانا عقيد قلنا سندخل على هؤلاء الأعداء مترجليين بمعنى أننا نذهب إليهم بأرجلنا وذهبوا إليهم فى الخَبَاثةُ والتفوا حولهم وجها لوجه وقضو عليهم، ده موقف لا استطيع نسيانه لإن وقتها استشهد بها حوالى 20 شخصا مننا، و7 عربيات منهم، تدمروا بدُشمة، ودُشمة هذه كانت قد تسببت فى تعطيل اللواء 112 ساعة ونصف، ولو كنا من الداخل، ولم نذهب إليهم مترجلين لم نكن نحقق هذا التقدم».
واستكمل: «توقعنا النصر عندما رأينا أن بيننا وبين القناه حوالى 20 كيلو، وازدادت قوتنا أكثر وأصرينا عند هذه النقطة ألا نعود إلا جثتثا إذا ما عادت إلينا أرضنا مرة أخرى، حتى إذا أتت جميع الدول تحاربنا فلن نتزحزح من هذه المنطقة إلا جثث هامدة حتى إذا انتهى بنا الأمر إلى محاربة العالم بأكمله فلن نستسلم إلا بأخذ أرضنا، وإبراهيم الرافعي_ رحمة الله عليه_لو عدت دبابة على أبو عطوة علينا قولوا إني أنا موت، ووقف أمام العدو الإسرائيلي هو وفرقته كتيبة الصاعقة وأخذوا يقاتلونهم، من فوق شجر المانجو الذي كان يختبأ تحت ظله الإسرائيليين حتى ديان أخرج مقولة وقتها حينما قال' مانجة أبو عاطة تطرح صاعقة».
واستطاع عبد المنعم الرغيب ابن الأقصر أن يقتل ثلاث عربيات من عربات العدو، حيث قام بانقلا عربية جيب أمريكية بداخلها أربعة أفراد اسرائلين عليها رصاص عوزي حينما دخل بيهم بالعربية الزل التي كان يقتادها ودمرهم حتى جعلهم مطبا، بالإضافة إلى ثلاث عربيات جيب غيرها جعل نهاية من بداخلهم مثل الأولى، وعربية آخرى كانت أعلى الكوبري، كما أنه قام برفقة زملائه بتشغيل مدفع دفاع جوي إلى دفاع أرضي من أنفسهم حينما وجدوا دبابات العدو تأتي فى اتجاهم، ولم توجد دبابات تحميهم وتأخر الطيران عليهم جعلهم يتصرفون بسرعة، واشتبكوا مع دبابات العدو فى الأرض، ولم تكن أعينهم ترى النوم لحظة ليلا ونهارا.
وذكر البطل المحارب أنه من ضمن الأحداث التي لا تستطيع الذاكرة نسيانها حتى الآن ما حدث معهم فى القنطرة شرق ، حينما أراد العدو استرداد القنطرة، بعد أسرهم لعساف ياجوري، عاد الهجوم عليهم من العدو مرة آخرى فظلوا يومين كاملين يقاتلوا العدو حتى قضوا على هذا اللواء وجميع دبابته، حتى لم تعد سيارة واحد سليمة للعدو بسبب تدميرهم من المقاتلين المصريين، واستشهد منهم عدد كبير من العساكر والقوات المصرية، والتي كان ابشعها حينما رأى زميله بجواره جسد بدون رأس، وزميل آخر حينما رأى عدو اسرائيلي سيقتله وضع لغم تحت صدره ونام عليه، لعلمه بأن الإسرائيلي يقتله بالجنزير ، وهذا ما حدث بالفعل تقدم عليه الإسرائيلي وفوره إنهاء حياة المصري بالجنزير دبابة العدو انفجرت، واستشهد ومسك سلك الهاتف بأسنانه حتى ينقذ زملائه رغما كونه مستشهدا إلا أنه لآخر نفس فيه كان يحارب مما جعل العدو يصفه بلغم بشري.
وأكد المحارب الأقصري أنه عندما يأتي يوم 6 أكتوبر يشعر بأنه كانوا نائمون واستيقظوا،
واعترف عبد المنعم، أنه عند مجئ 6 اكتوبر من كل عام وتحديدا الساعة الثانية ظهرا، حينما يجلس على التلفاز ويسمع فيلم الحرب، تدمع عيناه وتسيل منها الدموع، فرحا بالنصر حيث يظهر شريط قتالهم فى الحرب أمام عينيه بعد كل هذه الأعوام وكأنه حدث أمس وليس من سنين، وأيضا فرحا بعودته بطلا عقب اعتقاده بأنه يستحيل أن يعود بعد الحرب حيا ويعيش بين أهله حتى اليوم، لافتا إلى أنه بعد الحرب ولد طفلا كان يرغب فى تسميته حمدي يوم 6 اكتوبر ولكن وجد السجل أجازة لعطلة اكتوبر، وبعدها رزقه الله ببنتا أسماها انتصار لانتصاره هو وزملاؤه فى حرب اكتوبر.
واختتم البطل حديثه قائلا : رفعنا علم مصر على الضفة الشرقية عند الإنتصار، وهناك تبة تسمى بـ «تبة الطيلة» معروفة للجيش دمرناها بفضل من الله فى خلال ساعة ونصف، لم يكن هدفنا النجاة من العدو ولكن كان شعارنا «الشهادة أو الإنتصار أنسى نفسك»، لم نفكر فى طعام ولا شراب ولا أهل لحظات الحرب ولكن كل ما يعنينا كان تحرير أرضنا، والقضاء على العدو بكل شراسة والحمد لله وفقنا فى ذلك وحررنا ارض سيناء.