واقعة جديدة لفريق الإسعافية بمحافظة الإسماعيلية، حيث جرت كل فصولها في ليلة شتوية قارسة البرودة مصحوبة بضباب كثيف وشبورة مائية عاتية، ليلة سمتها الترقب والانتظار في حياة رجال الإسعاف لما تخبئه تلك الأجواء من مفاجآت على الطريق، ولكن -على غير العادة- حملت تلك الليلة بين ثناياها مفاجأة سعيدة.
مع نسمات الصباح الأولى وإعلان حالة التأهب بين صفوف الأطقم الإسعافية على الطرق والمحاور الرئيسية لاستقبال الشبورة المائية، ذلك الضيف الثقيل الذي يصاحب تلك الأجواء الشتوية، بدأ المسعف عادل فاروق غريب وزميله فني قيادة أحمد محمد الشحات في تجهيز سيارة الإسعاف كود 3288 والتي تقع بنطاق قرية الأبطال التابعة لمحافظة.
حيث استعداداً مشوباً بالقلق جراء تلك الشبورة المائية الكثيفة التي ألقت بظلالها القاتمة على الطريق لتجبر قائدي السيارات على إيقاف سيارتهم على جانب الطريق، أنهاه صوت صرير مكابح سيارة (ربع نقل) توقفت بشكل عنيف أمام نقطة الإسعاف التي يتمركز فيها الزميلان، -وبلا مقدمات- هرع الزميلان صوب السيارة لثقتهم بأن ذلك المشهد يحمل بين طياته حياة على المحك.
وكان مثالاً ليجداً رجلاً من أهل البادية وزوجته وقد داهمتها آلام المخاض، وبلا تردد سارع الزميلان بنقل السيدة صوب سيارة الإسعاف وسارع المسعف عادل فاروق لقياس العلامات الحيوية للسيدة عبر جهاز (Monitor)، وعلى الجانب الآخر تشبث المسعف أحمد محمد الشحات بمقود سيارة الإسعاف مطلقاً العنان لصوت سارينة الإسعاف مصحوبة بأنوار الفنار المميزة للسيارة وكأنه يجاهد لمحو تلك الشبورة الكثيفة التي تقف عائقاً أمامه للإسراع صوب المستشفى.
تفاصيل الواقعة
المشهد داخل كابينة السيارة كان يحمل عدة متناقضات زوج متوتر وأم على وشك وضع مولودها ومسعف في العقد الخامس من العمر خط الزمان في وجهه ملامح السكينة والهدوء والخبرة جراء مئات من المواقف والشدائد التي سطرها خلال حياته الوظيفية كرجل إسعاف، ولكن كلمة عفوية من الزوج وهو يراجع مع المسعف تاريخ زوجته الطبي كانت كفيلة بتغير ملامح المسعف تماماً 'المدام حامل في تؤام'.
كلمة أحالت المسعف الخمسيني إلى ماكينة بشرية فسارع بتجهيز كل الضمادات الطبية المتاحة لديه واستل القفازات الطبية وجهز الأوكسجين وبدأ في تلقين السيدة لإرشادات الولادة الطبيعية وعمل على تهدئتها، -وبالفعل- بدأت السيدة بولادة مولودها الأول ليسرع المسعف عادل فاروق بقطع الحبل السري للطفل، وتحفيزه وتجفيفه والتأكد من سلامة علاماته الحيوية، ليهدأ ويبدأ في التقاط أنفاسه، وقد علت وجهه ابتسامة اكتسبها من وجه ذلك الوافد الجديد، وهنا قطعت والدة الطفل تلك اللحظات التي اختلسها المسعف ليلتقط أنفاسه لتخبره بأنها على وشك وضع مولودها الآخر، ليعيد المسعف الكرّة مرة أخرى مع الطفل الثاني.
وتستمر التناقضات ما بين أب تهللت أساريره من قدوم طفليه للدنيا وبين صراخهم وعويلهم الذي ترددت أصداؤه لخارج سيارة الإسعاف، والتي طالت أذن الزميل أحمد محمد داخل كابينة القيادة ليمسك بجهاز اللاسلكي وكأنه يزف البشرى لغرف القيادة والتحكم وباقي زملائه بنجاح عملية ولادة طفلين توأم داخل سيارة الإسعاف، وهو يطلب منهم التواصل مع مستشفى القنطرة شرق لاستقبال الطفلين، -وبالفعل- تصل الأم وطفلاها وزوجها للمستشفى ليجداً أطباء وتمريض المستشفى في استقبالهم.