في قلب مدينة العاشر من رمضان، حيث لا يُروى الأبطال في قصص فقط، بل يُصنعون على أرض الواقع، خط رجل بسيط اسمه خالد محمد شوقي عبد العال آخر فصول حياته بجسارة رجل، وبقلب أب كان يحمل بين ضلوعه شجاعة نادرة خرج في ذلك الصباح لا لشيء سوى أن يوفر آخر ما يستطيع من نقود لحفل زفاف ابنه، المقرر في 19 يونيو الجاري.
لم يكن خالد ثريًا، كان سائقًا لشاحنة وقود، رجل كادح، رب لأسرة بسيطة مكوّنة من ثلاث بنات وابن شاب، وكانت الفرحة تقترب أخيرًا، فابنه الأكبر بات على بعد أيام من دخول عش الزوجية، ارتبك قلب خالد بين الفرح والقلق، كيف يجمع باقي التكاليف؟ كيف يجعل من ليلة زفاف نجله ذكرى تليق برجل أفنى عمره لأجلهم؟ لذلك، ورغم حرارة الصيف ورغم التعب، لم يتوقف عن العمل.
وفي ظهيرة الثاني من يونيو، وبينما كان يقود شاحنة وقود وسط المجاورة 70 بمدينة العاشر من رمضان اشتعلت النيران فجأة في المركبة، بالقرب من محطة بنزين، داخل منطقة مأهولة بالسكان في تلك اللحظة، لم يفكر خالد في نفسه، لم يتردد لم يهرب بل اختار أن ينقذ الأرواح أولًا بكل بسالة حتى لو كان الثمن حياته.
قاد الشاحنة المشتعلة بعيدًا عن المحطة والمنازل، متجهًا بها نحو أرض فضاء، محاصرًا اللهب بجسده وبينما النار تقترب، وأنفاسه تكاد تختنق، كان قلبه مطمئنًا أن أبناء الحي نجوا من الكارثة.
لكن خالد لم ينجُ، الحريق التهم جسده الطيب، وأُسعف إلى مستشفى أهل مصر للحروق، وهناك بدأت معركة أصعب، قاوم الألم، قاوم الحروق، قاوم الأمل المتضائل، لكن جسده المُنهك لم يحتمل، أسلم روحه صباح اليوم، وارتقى شهيدًا للشهامة، شهيدًا للواجب، شهيدًا لأبٍ أراد أن يفرح ابنه فكان هو الفداء.
رحل خالد السائق البطل ولم يشهد ليلة الزفاف التي انتظرها طويلا وابنه يكبر أمام عينيه يوما تلو الآخر لكنه ترك له ما هو أعمق من كل الهدايا اسمه وقصة بطولته وفخر عائلته به إلى الأبد وترك لبناته قدوة ورمزًا، ورحل مرفوع الرأس، تاركًا خلفه مدينة بأكملها تردد اسمه، وتبكيه بحرقة، لكنها تفتخر بعمله البطولي الذي أنقذ أرواح المئات من سكان المدينة.
خالد عبد العال لم يمت، بل خُلد اسمه على أحد شوارع مدينة العاشر من رمضان حيث لا تنسي البطولات يوم خرجت تبحث عن لقمة شريفة، فرجعت شهيدًا محمولًا على أكتاف وطن بأسره.