على ضفاف نيل يلتقي بالبحر، تقف رشيد شامخة بتاريخها العريق، بيوت عثمانية تتراص في أزقتها الضيقة، ومساجد مهيبة تروي حكايات المقاومة، وقلعة قايتباي التي صدت حملة فريزر عام 1807، مدينة صنعت بطولة نادرة في مواجهة الاحتلال الإنجليزي، لكنها اليوم تعيش عزلة مؤلمة، وكأنها خارج خريطة السياحة المصرية.
مدينة البطولات المنسية
رشيد لم تكن مجرد غ ساحلية؛ بل كانت ساحة مقاومة حقيقية، حيث تصدى الأهالي للجيش الإنجليزي، ليحفظوا كرامة وطن وأمانًا لمستقبل يستحق أن يُروى، وعلى مر العصور، ظلّت المدينة ترفد التاريخ بما لا تقدّمه مدن أخرى، ورغم ذلك تبدو غائبة عن المشهد السياحي المصري.
جولة في قلب التاريخ
داخل مسجد زغلول، يمتد صمت الأعمدة الرخامية في بهو شاهق، حاملة عبق التاريخ، أما قلعة قايتباي فواقفة نحو النيل بكل صلابة المشهد، شاهدة على ملحمة تاریخیة أوقفت الزحف الأجنبي.
ووسط الأزقة القديمة، تتناثر بيوت أثرية مثل بيت الأمصيلي وبيت عرب كلي، بجمال الإعمار العثماني والخشب المنحوت، بينما يمد كورنيش رشيد يده للسائح، حيث يلتقي النيل بالبحر في مشهد بسيط، لكنه مفعم بالعظمة.
الإحصاءات الرسمية
تُعد رشيد ثاني أغنى مدينة في مصر من حيث الآثار الإسلامية بعد القاهرة، فهي تضم 39 أثرًا إسلاميًا فريدًا، بينها 21 منزلًا أثريًا، 10 مساجد، وزاويتان فضلاً عن طاحونة وحمام أثريين .
ولا يقتصر الاهتمام على التراث فقط؛ إذ تُجرى حاليًا أعمال تطوير ضخمة بإجمالي أكثر من 2 مليار جنيه، تشمل ترميم المعالم، وتطوير كورنيش النيل، وإنشاء مراسٍ ومرافق سياحية، وتوفير بنية تحتية كاملة لتحويل رشيد إلى وجهة سياحية متكاملة.
الإهمال في مواجهة التاريخ
رغم هذا التراث الباهر والجهود المبذولة، تظل البنية التحتية السياحية متواضعة، لا فنادق راقية، لا مطاعم مميزة، ولا خدمات تدعم بقاء السائح، ومعظم البيوت الأثرية مغلقة أو تنتظر الترميم، بينما تغيب المدينة تدريجيًا عن اهتمامات السائحين والدولة.
رشيد مدينة لا ينقصها التاريخ ولا الجمال، بل هي بحاجة إلى رؤية حقيقية واهتمام ملموس، المدينة التي هزمت الإنجليز قبل أكثر من قرن، لا تستحق أن تهزم أمام فراغ الإهمال، بل تنتظر من يعيدها بقوة إلى خارطة الحضارة والسياحة المصرية.