لا تزال خيوط المأساة التي حلت في بيروت لم تتكشف كلها، بانتظار كشف التحقيقات الرسمية الجارية كامل الرواية لذلك اليوم المشؤوم، الذي هبط على بيروت حاصدا عشرات القتلى وآلاف الجرحى، وفي انتظار توضح الرؤية كاملة، حيث تسربت بعض تفاصيل ما جرى وفجر مرفأ المدينة وشوارعها، حيث حل الركام ورائحة الدم في أرجائها.
فبعد كارثة بيروت الناتجة عن سوء تخزين مادة نترات الأمونيوم، سلطت وكالات أنباء غربية المزيد من الضوء على استخدام ميليشيا حزب الله لتلك المادة، مذكرة بأنه سبق للميليشيا أن خزنت 3 أطنان من مادة نترات الأمونيوم المتفجرة في مخزن بالعاصمة البريطانية لندن، كانت قد عثرت عليها عناصر الاستخبارات البريطانية وشرطة لندن في عام 2015 وتمت مصادرتها.
أدلة جديدة تثبت تورط حزب الله في تفجيرات بيروت
وحول حادثة لندن، ووفقاً لتقرير نُشر في 'ذي تلجراف' العام الماضي، كشفت مصادر أن إرهابيين تابعين لحزب الله، المدعوم من إيران، قاموا بتخزين المتفجرات في آلاف من أكياس الثلج في 4 مواقع في شمال غرب لندن، وفق ما نقلت العربية.ونُقل عن مصدر في 'تلجراف' قوله إنّ نترات الأمونيوم كانت ستُستخدم في 'الإرهاب المنظم بعناية'، وإنها يمكن أن تتسبب في 'الكثير من الضرر'، حينها، اعتقل جهاز الاستخبارات البريطانية رجلاً في الأربعينيات من عمره بتهمة التخطيط لهجمات إرهابية، إلا أنها لم تعثر على دليل على أن الإرهابيين كانوا يخططون لهجوم في المملكة المتحدة.
وبحسب ما ورد من معلومات، فإن حكومة أجنبية كانت قد أخبرت الاستخبارات البريطانية بمكان إخفاء مخزون المتفجرات، وأضاف مصدر استخباراتي في تصريح لـ'ذي تلغراف' قائلًا: 'عملت الاستخبارات البريطانية M I5 بشكل مستقل ووثيق مع شركاء دوليين للتصدّي لخطر تهديدات خبيثة النوايا من إيران ووكلائها في بريطانيا'.
وكانت بريطانيا قد حظرت حزب الله في عام 2019، ممّا جعل دعم التنظيم أو الانضمام إليه جريمة جنائية، عقوبتها السجن لمدة تصل إلى 10 أعوام.
بدوره، أفاد وزير الداخلية حينها سافيد جافيد، بأن الجماعة الإرهابية اللبنانية ما زالت تواصل محاولاتها لزعزعة استقرار الشرق الأوسط، ولم يعد من الممكن التمييز بين جناحها العسكري المحظور بالفعل، والحزب السياسي، لهذا السبب، اتخذت قراراً بحظر حزب الله بالكامل.
فيما أعرب عدد من البرلمانيين البريطانيين الأسبوع الماضي، وهم ينتمون إلى أحزاب مختلفة، عن مخاوفهم من أنّ المملكة المتحدة لم تطبق الحظر بشكل فعّال على حزب الله.
وجاء ذلك في رسالة تم توجيهها إلى وزير الأمن البريطاني جيمس بروكنشاير، بعد أن قال، رداً على سؤال في البرلمان: إن الحكومة لم تجمع بيانات عن عدد الأشخاص في بريطانيا الذين تمّ التحقيق معهم أو اتهامهم بدعم حزب الله.
كما دعا البرلمانيون البريطانيون وكالات الاستخبارات ووزارة الداخلية إلى جمع ومراجعة الإحصاءات بانتظام عن العناصر التي قامت برفع علم حزب الله، أو مارسوا رموز الدعم الأخرى، وإطلاع مجلس العموم على هذه الأعداد، من أجل تقييم فعالية الحظر.
وفي السياق، أفادت التقارير أنّ سلطات الأمن الألمانية تمكّنت في وقت سابق من العام الجاري من ضبط بضع مئات من الكيلو غرامات من المادة الكيميائية المتفجرة نفسها، قام حزب الله بتخزينها على أراضيها أيضاً.
اقرأ أيضاً: حكومة وحدة و استثمارات في مرفأ بيروت.. ماهو الجانب المخفي من زيارة "ماكرون" إلى لبنان؟
وجاءت عمليات مداهمة واقتحام مساجد ومحل إقامة عناصر تابعة لحزب الله في جميع أنحاء ألمانيا في شهر أبريل بالتزامن مع حظر أنشطة حزب الله في ألمانيا.
يذكر أن وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، قد حذّر الجمعة، من استمرار زعزعة استقرار لبنان، بعد الانفجار المروع، قائلاً في تصريحات لصحيفة 'زاربروكر تسايتونج' الألمانية: 'نريد تقوية لبنان، لأنّ هذه الأزمة لا يجب استغلالها لفتح باب أمام نفوذ أجنبي هناك'.
كما أكد أن الكارثة تنطوي على مخاطر كبيرة لمزيد من زعزعة الاستقرار في لبنان، منوها إلى أنه من السديد التفكير حالياً في عقد مؤتمر مانحين دولي قريباً لصالح البلد المنكوب.
تفاصيل 19 ساعة قبل خطاب نصرالله
أطل الأمين العام لميليشيا حزب الله اللبنانية، حسن نصرالله، الجمعة، على أنصاره الذين احتفلوا بظهوره بكثير من الرصاص على أنقاض وركام العاصمة بيروت، التي دمّر جزءاً واسعاً منها، الثلاثاء الماضي، انفجارٌ هزّ العالم بأسره.
فعندما كان نصرالله يستعد لإلقاء كلمته مساء الجمعة عن انفجار مرفأ بيروت، كان الجيش الإلكتروني للحزب ينفذ عملية استطلاع على تويتر تمهد للكلمة وتختبر رد الفعل.
وخلال ظهوره على شاشات القنوات الإخبارية كان الجيش الإلكتروني يشن عمليته الأساسية، حيث أمطر تويتر بوابل مكثف من التغريدات تدعم نصرالله وكلمته، أما فور انتهاء الخطاب فلم ينسحب الجيش الإلكتروني تكتيكيا وإنما استمر في الاشتباك.
حزب الله
وقبل 19 ساعة من موعد كلمة نصرالله احتل الهاشتاج المركز الثالث في قائمة 'التريند' عند تويتر في لبنان، فيما كان هدف الهاشتاج التمهيد واستطلاع رد الفعل، وعندما لم تجد الحملة معارضة تذكر أو هاشتاغ آخر ينتقد حزب الله أو زعيمه، وجد الجيش الإلكتروني أنه لا طائل من الاستثمار فيه خصوصا مع حلول مساء الخميس، فتراجع خلال ساعتين إلى المركز الخامس، وقبل 14 ساعة من الكلمة تلاشى الهاشتاغ من القائمة.
وقد كان أداء الحملة ضعيفاً، فحتى مساء الجمعة قبيل إذاعة خطاب نصر الله لم يكن هناك حساب موثق واحد شارك في نشر الهاشتاج، فقد أظهر البحث عبر برنامج Tweetdeck الفارق عندما بين الحسابات الموثقة التي كان وجودها صفراً، أما الحسابات العادية فلها كثير من التغريدات.
هاشتاج نصر الله
بيد أن غياب الحسابات الموثقة عن التغريد يضفي شكوكا حول مصداقية تلك الحملة، ويتطلب مزيدا من البحث حول تاريخ الحسابات المشاركة، فلاحظت أن كثيرا من تلك الحسابات تشترك في بعض الممارسات، فهي لا تنشر صور مستخدميها، وتتابع عددا كبيرا من الحسابات يتجاوز بكثير عدد جمهورها، وهذا التصرف دائما يلجأ إليه الحساب الذي يهدف إلى الاستفادة من رد المتابعة فيزداد عدد متابعيه وترتفع مصداقيته بصرف النظر عن نشاط الحساب أو قيمة تغريداته، كما أن كثيراً من الحسابات المشاركة في الحملة تسخدم أسماء طويلة تخلط بين الأرقام والحروف ولا تقدم أسماء حقيقية، وهو أسلوب الحسابات الوهمية.
اقرأ أيضاً: من هو المتورط في تفجيرات بيروت؟.. ثلاثة متهمين وراء "فاجعة" لبنان
استخدمت تلك الحملة اثنين من الأساليب المعروفة لعمليات البروباجندا، الأول هو التركيز على جزء من الصورة، فهي تقدم حزب الله بصفته مقدما لعمليات إغاثة وبالطبع لا تأتي الحملة على ذكر الانتقادات الموجهة لحزب الله في أزمات لبنان المتلاحقة، والأسلوب الثاني هو تقديم مؤيدي حزب الله كمتضررين من الانفجار مثلهم كمثل كل اللبنانيين، وحاولت الحملة أن تنفي عن حزب الله الاتهام الذي يواجهه دائما بأنه دولة داخل الدولة اللبنانية.
أما يوم الجمعة وقبل 3 ساعات من إذاعة كلمة نصر الله فظهر هاشتاج #الأمين_ع_الوطن واحتل المرتبة الأولى بدون مقدمات، حيث بلغت عدد التغريدات التي استخدمت ذلك الهاشتاج 10 آلاف خلال ساعتين تقريبا، إلا أن تحليل عينة من الحسابات التي نشرت الهاشتاج يظهر أنها تمارس نفس تصرفات حسابات الحملة الأولى، فهناك حسابات وهمية وأخرى تفتقد المصداقية وتجمع متابعيها فقط عن طريق رد المتابعة.
كما لم تشمل التغريدات معلومات أو أخبار، واختارت الحملة من أساليب البروبجندا استخدام العبارات الرنانة وأفرطت في كيل المديح لنصر الله، وقالت إن خطاب نصر الله سينشر الطمأنينة، واشتركت حسابات كثيرة في نشر نفس المواد، خصوصا التصميمات الدعائية التي تحمل صورة نصر الله بالإضافة إلى الهاشتاج أو عبارات رنانة أخرى.
وقبل دقائق من بدء الكلمة أظهر البحث أن حسابين موثقين استخدما الهاشتاج مرة واحدة لكل منهما، ولكن أيا منهما لم يؤيد الحملة، فإحدى التغريدتين كانت بهدف دعم الرئيس ميشال عون، والأخرى قالت إن حملتي دعم نصرالله وميشال عون تقومان على تغريدات تلقائية باستخدام وسائل تكنولوجية وليس تغريدات مستخدمين حقيقيين.
اقرأ أيضاً: القصة الكاملة لانفجار بيروت.. هل اللحام السبب في فاجعة لبنان؟
كما أن كلمة نصر الله بدت متكاملة مع الحملتين، فهو أيضا ركز على اعتبار حزب الله جزءا من الدولة اللبنانية، وأن مؤيديه متضررون أيضا من الانفجار مثل كل اللبنانيين، نافياً أن تكون الشحنة المتفجرة مملوكة للحزب، محاولاً طمأنة أنصاره بأن الأزمة لن تؤثر عليهم.
وخلال إذاعة الكلمة كثفت الحملة النشر مستخدمة الهاشتاغ نفسه #الأمين_ع_الوطن ، الأمر الذي رفع عدد التغريدات التي تشمله من 15 ألفا إلى 35 ألفا خلال ساعة واحدة تخللتها الكلمة.
وبعد انتهاء الخطاب استمر أنصار نصر الله في التدوين مستخدمين الهاشتاج نفسه، ولكن أسلوب النشر بعد الخطاب ارتكز على تكرار عبارة ذكرها نصرالله تهدف إلى القول إن حزب الله لن يتأثر وإن أعداءه لن ينجحوا في استخدام الأزمة الحالية لإدانته، بالإضافة إلى التصدي لمعارضي حزب الله على تويتر.
يشار إلى أن إدارة حملة إلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي أمر ليس مستغربا على حزب الله، فهو لا يكتفي بإدارة الحملات وإنما يصدرها أيضا إلى حلفائه، فقد كشفت صحيفة ديلي تليغراف البريطانية قبل أيام أن حزب الله يدير مركزا لإعداد الجيوش الإلكترونية لحلفاء إيران في الشرق الأوسط.
وأوضحت الصحيفة أن حزب الله يدير ذلك المركز منذ عام 2012 على أقل تقدير، وأن آلاف المتدربين حضروا تلك الدورات قادمين من دول كثيرة، وأن الدورة تستغرق 10 أيام، ويخضع المتدرب خلالها لعدة إجراءات لضمان السرية، منها أنه يتخلى عن اسمه الحقيقي خلال فترة الدورة ويستخدم اسما مستعارا وتراقبه كاميرات.
إلى ذلك يعمل خريجو هذه الدورات في خلايا إدارة حسابات إلكترونية مسؤولة عن نشر أخبار مزيفة وإدارة حملات تشويه عبر وسائل التواصل الاجتماعي وقد يصل دورها إلى إشعال العنف أو التحريض على القتل.