في تطور دبلوماسي كبير، طالبت مصر خلال جلسة مجلس الأمن الأخيرة فجر اليوم بإلغاء حق النقض 'الفيتو' الذي تستخدمه أمريكا، وذلك على خلفية استخدامها المتكرر له لحماية إسرائيل من الإدانة في العدوان المستمر على قطاع غزة.
هذه الدعوة المصرية تعكس موقفًا سياسيًا حادًا يحمل في طياته دلالات قانونية وأخلاقية عميقة، كما يعيد إلى الواجهة قضية إصلاح هيكل مجلس الأمن التي ظلت معلقة لعقود.
ما هو حق الفيتو؟
حق الفيتو هو الامتياز الذي تتمتع به الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، والذي يسمح لأي منها بإفشال أي قرار حتى لو وافقت عليه الأغلبية الساحقة من الدول الأعضاء.
وقد استخدمت واشنطن هذا الحق مرارًا لعرقلة أي تحرك دولي يدين إسرائيل أو يفرض عليها عقوبات أو يطالب بوقف إطلاق النار، وهو ما أثار موجات غضب دولية واتهامات بازدواجية المعايير.
الموقف المصري من حق الفيتو
الموقف المصري جاء ليعكس استياء متصاعدًا من تسييس مجلس الأمن وتحويله إلى أداة تستخدمها القوى الكبرى لحماية حلفائها، بصرف النظر عن حجم الانتهاكات.
كما يمثل هذا التصريح إشارة واضحة إلى رغبة مصر في استعادة التوازن داخل المنظومة الأممية، ورفضها لاستمرار الحصانة السياسية والدبلوماسية التي تحظى بها إسرائيل بدعم أمريكي مطلق.
هل يمكن إلغاء حق الفيتو؟
واقع المنظومة الأممية يجعل من مطلب إلغاء الفيتو شبه مستحيل، إذ ينص ميثاق الأمم المتحدة على أن أي تعديل في صلاحيات مجلس الأمن يتطلب موافقة ثلثي الدول الأعضاء، بما في ذلك موافقة الدول دائمة العضوية ذاتها، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة لا يمكن أن توافق على التخلي عن هذا الامتياز.
ومع ذلك، هناك عدة أنواع من الضغوط التي يمكن أن تضعف من شرعية استخدام الفيتو أو تحاصر أمريكا أخلاقيًا وسياسيًا.
أول هذه الضغوط يتمثل في تحرك جماعي من غالبية الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة،فإذا تشكل تحالف دولي واسع يطالب بإصلاح شامل لمجلس الأمن، بما في ذلك تقييد استخدام الفيتو، يمكن أن يُعزل الموقف الأمريكي دوليًا ويضعه في موضع حرج.
صحيح أن الجمعية العامة لا تمتلك سلطة تنفيذية، إلا أن قراراتها الرمزية والمبدئية تملك وزنًا أخلاقيًا وسياسيًا يمكن استثماره في معركة الرأي العام العالمي.
ثانيًا، يمكن أن تلجأ الدول المتضررة من الفيتو إلى تفعيل أدوات القانون الدولي، والدفع نحو تبني مبدأ 'الفيتو الإنساني'، وهو مبدأ يدعو إلى منع استخدام الفيتو في القضايا التي تنطوي على جرائم حرب أو انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وقد ظهرت خلال السنوات الماضية مبادرات دولية تدعو إلى تقنين هذا المفهوم داخل مجلس الأمن، رغم معارضة القوى الكبرى.
ثالثًا، قد تؤثر التحولات الداخلية داخل الولايات المتحدة نفسها على مستقبل الفيتو.
في حال تغيّر المزاج السياسي الأمريكي، أو تعرضت الإدارات المتعاقبة لضغط شعبي واسع بسبب التورط في دعم حروب أو جرائم دولية، فقد تُجبر واشنطن على إعادة النظر في الطريقة التي تستخدم بها هذا الحق، حتى لو لم تتخلَّ عنه رسميًا.
رابعًا، يرتبط مستقبل الفيتو بشكل وثيق بتوازنات القوى العالمية. إذا تراجعت الهيمنة الأمريكية في مقابل صعود قوى كبرى أخرى كالصين والهند وروسيا، فقد تواجه واشنطن ضغوطًا متزايدة للحفاظ على شرعيتها الدولية، وقد يكون ذلك مقابل قبول إصلاحات جزئية في صلاحيات مجلس الأمن، بما في ذلك آلية الفيتو
ولذلك، فإن هذه الدعوة تُعد من الناحية الإجرائية غير قابلة للتحقيق في الظروف الحالية، لكنها تحمل ثقلًا سياسيًا ورسالة أخلاقية قوية.
من الناحية العملية، لن تؤدي المطالبة المصرية إلى تغيير فوري في هيكل مجلس الأمن، لكنها قد تساهم في تعزيز الأصوات الدولية المطالبة بإصلاحات عميقة، خاصة فيما يتعلق بتقييد استخدام الفيتو في قضايا الإبادة الجماعية والعدوان على المدنيين. كما أن هذه الخطوة من شأنها أن تكسب مصر دعمًا شعبيًا واسعًا داخل العالم العربي والإسلامي، وتمنحها موقعًا متقدمًا في الدفاع عن القضايا الإنسانية والحقوقية في المنطقة.
في السياق نفسه، يشير مراقبون إلى أن هذا التحرك المصري لا يستهدف الولايات المتحدة كدولة، بل يسلط الضوء على الخلل المزمن في عمل مجلس الأمن، وضرورة إيجاد آليات تضمن عدم تعطيل العدالة الدولية عندما يتعلق الأمر بجرائم ضد الإنسانية أو انتهاكات جسيمة للقانون الدولي.
لذا فإن كلمة مصر في مجلس الأمن ومطالبتها بإلغاء الفيتو الأمريكي تمثل تصعيدًا دبلوماسيًا محسوبًا، يعكس استياءً من ازدواجية المعايير الدولية، ويعيد طرح مسألة إصلاح مجلس الأمن كضرورة أخلاقية وليست مجرد مطلب سياسي. وبينما يبقى تحقيق هذا المطلب صعبًا في المدى القريب، فإن إثارته على هذا النحو تفتح الباب لنقاش عالمي أوسع حول مستقبل النظام الدولي وشرعيته.