يقول المولى سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : وقوله : ( وكذلك فتنا بعضهم ببعض ) أي : ابتلينا واختبرنا وامتحنا بعضهم ببعض ( ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ) وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان غالب من اتبعه في أول البعثة ، ضعفاء الناس من الرجال والنساء والعبيد والإماء ، ولم يتبعه من الأشراف إلا قليل ، كما قال قوم نوح لنوح : ( وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي ) ، وكما قال هرقل ملك الروم لأبي سفيان حين سأله عن تلك المسائل ، فقال له : فهل اتبعه ضعفاء الناس أو أشرافهم؟ قال : بل ضعفاؤهم . فقال : هم أتباع الرسل.
اقرأ أيضا .. الحمد لله رب العالمين .. ما معنى أن يحمد الله نفسه
ويقول السعدي في تفسير هذه الآية : : هذا من ابتلاء الله لعباده، حيث جعل بعضهم غنيا؛ وبعضهم فقيرا، وبعضهم شريفا، وبعضهم وضيعا، فإذا مَنَّ الله بالإيمان على الفقير أو الوضيع؛. كان ذلك محل محنة للغني والشريف فإن كان قصده الحق واتباعه، آمن وأسلم، ولم يمنعه من ذلك مشاركه الذي يراه دونه بالغنى أو الشرف، وإن لم يكن صادقا في طلب الحق، كانت هذه عقبة ترده عن اتباع الحق. وقالوا محتقرين لمن يرونهم دونهم: { أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا } فمنعهم هذا من اتباع الحق، لعدم زكائهم، قال الله مجيبا لكلامهم المتضمن الاعتراض على الله في هداية هؤلاء، وعدم هدايتهم هم. { أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ } الذين يعرفون النعمة، ويقرون بها، ويقومون بما تقتضيه من العمل الصالح، فيضع فضله ومنته عليهم، دون من ليس بشاكر، فإن الله تعالى حكيم، لا يضع فضله عند من ليس له بأهل، وهؤلاء المعترضون بهذا الوصف، بخلاف من مَنَّ الله عليهم بالإيمان، من الفقراء وغيرهم فإنهم هم الشاكرون