هل لمس الكعبة يمحي الذنوب وما حكم الالتصاق بها.. الإفتاء تجيب

الكعبة
الكعبة

ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية يقول صاحبه هل لمس الكعبة يمحي الذنوب؟، وما حكم الالتصاق بالكعبة؟.

وأجابت دار الإفتاء على السؤال قائلة إن الكعبة في لغة العرب تأتي على أحد معنيين أو كليهما: المعنى الأول: أن الكعبة سميت كعبة؛ لأنها مربعة، فكل بيت مربع فهو عند العرب كعبة، بخلاف أكثر بيوت العرب فكانت مدورة. ينظر: "لسان العرب" (1/ 718، مادة: ك ع ب، ط. دار صادر).

قال الإمام ابن العربي في "أحكام القرآن" (2/ 206، ط. دار الكتب العلمية): [سميت كعبة لتربعها، قاله مجاهد وعكرمة] اهـ.

أما المعنى الثاني: أن الكعبة سميت بذلك لبروزها وارتفاعها حِسًّا ومعنى، فكل شيء علا وارتفع فهو كعب. ينظر: "أحكام القرآن" للإمام ابن العربي (2/ 206).

والحق أن كِلَا المعنيين في الكعبة ظاهر وواضح، فهي مربعة في الشكل ومرتفعة عن الأرض، وهي مشرفة ومرتفعة في المنزلة.

وبينت أن المراد بالكعبة شرعًا: بيت الله، والقبلة، والمسجد الحرام، وهي محلٌّ للإجلال والاحترام؛ لأن الله عز وجل جعلها بيتًا له؛ تشريفًا وتكريمًا لها؛ قال تعالى على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾ [إبراهيم: 37]، وقال عز وجل: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [الحج: 26]. وهي أول بيت وضع في الأرض لعبادة الله عز وجل؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 96].

وقد جعل الله ما حول مكة من جميع جهاتها الأربع حرمًا آمنًا، تكريمًا لبيته الحرام، وقد جعلها الله عز وجل قِبْلَةً للمسلمين يستقبلونها في صلاتهم خمس مرات، ولا يجوز لإنسان أن يستقبل غيرها، بل لو اتخذ قبلة غيرها عالمًا متعمدًا لا تقبل صلاته إلا في بعض الأحوال الاستثنائية؛ كما في صلاة الخوف مثلًا؛ قال تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة: 144]، وقد جعل الله عز وجل الطواف بمعناه الشرعي خاصًّا بالكعبة فقال تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29].

أما عن حكم التعلق باستار الكعبة فالمراد بالتعلُّق بأستار الكعبة: هو التشبث بها والالتصاق بأركانها وكسوتها. والكسوة: هي ما يُتَّخذ من الثياب للستر والحلية، وفي "المصباح المنير" للعلامة الفيومي (2/ 534، مادة: ك س ى): [الكسوة: اللباس، بالضم والكسر] اهـ.

وهذا التعلق فيه إشارة إلى الإلحاح في طلب المغفرة، وسؤال الأمان، كالمذنب المتعلق بثياب من أذنب إليه، المتضرع إليه في عفوه عنه، المظهر له أنه لا ملجأ له منه إلا إليه.

وذكر العلامة ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (6/ 352، ط. دار الفكر): [قال عبد الباري لأبي الفيض: ما معنى التعلق بأستار الكعبة؟ فقال: مَثلهُ مثل رجل بينه وبين صاحبه جناية، فهو يتعلق به ويستخذي له رجاء أن يهب له جرمه] اهـ.

وقد كان العرب قبل الإسلام إذا أراد أحد منهم أن يُؤَمِّن نفسه دخل الكعبة وتعلَّق بأستارها، والظاهر أن هذا مما ورثوه عن بقايا دين إبراهيم الخليل عليه السلام إذ استمر ذلك إلى عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فما بعده دون نكير، ومما يروى في هذا ما أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (8/ 52، ط. دار الرشد): [لما كان يوم فتح مكة أَمَّنَ النبي عليه الصلاة السلام الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، وقال: «اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ: عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ خَطَلٍ، وَمِقْيَسَ بْنَ صُبَابَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ»] اهـ.

WhatsApp
Telegram