أجابت دار الإفتاء المصرية عن سؤال يقول فيه صاحبه: “هل يجبُ الحجُّ بمجرد وجود الاستطاعة، أم يجوزُ التأجيل؟ وما حكمُ من مات غنيًّا ولم يؤدِّ فريضةَ الحج؟”.
وأكدت دار الإفتاء أنه يستحب للقادر على الحجّ ماليًّا وبدنيًّا المبادرةُ والتعجيلُ بأداء الفريضة، ويجوز له تأخيرُه إن غلب على ظنِّه السَّلامةُ والاستطاعةُ بعد ذلك، فإن غلب على ظنه الموت بظهور المرض أو الهرم فعليه أداء الفريضة على الفور.
وتابعت الإفتاء: أما من كان مستطيعًا أداء الفريضة فماتَ قبل أدائها: فلا يخلو من أن يكونَ قد مات عن وصيَّةٍ وله ترِكَةٌ؛ فيُحَجُّ عنه وجوبًا من ثُلُث ماله على ما ذهب إليه الحنفيَّة والمالكيَّة، ومن جميعِ ماله على ما ذهب إليه الشافعيَّةُ والحنابلةُ.
أو يكون قد مات من غير وصيَّةٍ وكان له ترِكَةٌ؛ فلا يلْزَمُ ورثَتَه الحجُّ عنه، بل يستحبُّ؛ خروجًا من الخلاف، ومثله من مات ولم يكن له تركَةٌ ولم يوصِ.
ضَبَطَ الفقهاءُ الاستطاعةَ بقوَّةِ البدنِ وتحمُّلِه، وبأن يملكَ الحاجُّ الزادَ له ولمن يعولُ حتى يرجعَ، وأن يملكَ الرَّاحلة، ويأمنَ الطريقَ، ويُمكِّنه الوقتُ من أداء الحج، وهذا عامٌّ في الرجال والنساء، وتزيد المرأة بخصلتين أُخرَيين؛ حيث يُشترط لها ألا تكونَ معْتدَّةً عن طلاقٍ أو وفاةٍ في الميقات الزماني للحج، وأن تكونَ في صُحبةٍ آمنةٍ؛ كوجود زوج أو رفقة مأمونة، وتحصل -على المفتى به- بأن تطمئن على الأمان في دينها ونفسها وعِرْضها في سفرها وإقامتها.
قال العلامة بدر الدين العيني الحنفي في "منحة السلوك في شرح تحفة الملوك" (ص: 284-285، ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية) [قوله: (فرض على كل مكلَّف)، أي: حر عاقل بالغ.. (صحيح) احتراز عن المريض، والمقعد، والمفلوج، ومقطوع الرجلين، والزَّمِن الذي لا يستطيع الثبوت على الراحلة بنفسه، (قادر على زاد وراحلة)؛ لأنه عليه السلام فسَّرَ الاستطاعةَ به. قوله: (غير عقبة) صفة لقوله: (راحلة) قيد بها؛ لأنها إذا كانت عقبة لا يجب عليه الحج. والعقبة: أن يكتري رجلان بعيرًا واحدًا يتعاقبان في الركوب، يركبُ كلُّ واحدٍ منهما مرحلة ويمشِي مرحلة. قوله: (ونفقة ذهابه ورجوعه)، أي: قادرًا على نفقة ذهابه إلى مكة ورجوعه منها. قوله: (فاضلًا)، أي: حالَ كونِ الزَّادِ والراحلةِ ونفقةِ الذهاب والرجوعِ فاضلًا (عما لا بد منه لعياله إلى وقت رجوعه)، (بشرط أمن الطريق)؛ لأن الحجَّ لا يتأتَّى بدونه، فأشبه الزاد والراحلة.. (والمحرم أو الزوج شرط في المرأة إذا كان سفرًا) وهو: مسيرة ثلاثة أيام فصاعدًا؛ لقوله عليه السلام: «لا يحِلُّ لامرأةٍ تؤمِنُ بالله واليومِ الآخرِ أن تسافِرَ سفرًا يكونُ ثلاثةَ أيامٍ فصاعدًا إلا ومعها أبوها أو ابنُها أو زوجُها أو أخوها أو ذو محرَمٍ منها» رواه مسلم وأبو داود.
وهذا حُجَّةٌ على الشافعي؛ حيث يجوزُ لها الخروجُ مع النساء الأمينات. قوله: (ونفقة المحرم عليها) أي على المرأة؛ لأنها لا تتمكَّن من الحج إلا بالمحرم، كما لا تتمكَّن إلا بالزاد والراحلة] اهـ.
وقال العلامة العمراني الشافعي في "البيان في مذهب الإمام الشافعي" (4/ 25-26، ط. دار المنهاج): [مسألة شروط الاستطاعة: وأما غير المستطيع: فلا يجبُ عليه الحجُّ والعمرةُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97]. والمستطيع اثنان: مستطيعٌ ببدنه، ومستطيعٌ بغيره: فأما المستطيع ببدنه فله شروط:
أحدها: أن يكونَ صحيحَ البدنِ.
الثاني: أن يكونَ واجدًا للزَّاد والماء بثمن المثل، في المواضعِ التي جرت العادَةُ بوجوده فيها.
الثالث: أن يكونَ واجدًا لراحلة تصلحُ لمثله، إن كان بينه وبين مكَّةَ مسافةٌ تُقصرُ فيها الصلاة.
الرابع: أن يكونَ الطريق آمنًا.
الخامس: أن تجتمعَ هذه الشروط وقد بقي من الوقت ما يتمكَّنُ فيه من الوصولِ إلى الحج، فإن كان مريضًا تلحقُهُ مشقَّةٌ غيرُ معتادةٍ في الركوب.. لم يلزمه الحج؛ لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «من لم يمنَعْهُ من الحَجِّ حاجَةٌ ظاهرةٌ، أو مرَضٌ حابِسٌ، أو سُلطانٌ جائِرٌ، فمَاتَ ولم يحُجَّ.. فليمُتْ إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا»] اهـ.