يوافق اليوم 24 أبريل من عام 1907 ذكرى تأسيس القلعة الحمراء، حيث يحتفل اليوم جماهير ومحبي الأهلي في كل أرجاء العالم بالذكرى رقم 114 لهذا الصرح العظيم الذي لا يعرف سوى التتويج بالبطولات والإنجازات وترسيخ المباديء والأخلاق قبل أي شيء.
وعلى هامش هذه الذكرى العظيمة لابد أن نسلط الضوء على واحدا من أهم لاعبي وأساطير الأهلي التي بقيت خالدة حتى اللحظة، بل واحدا ممن سطروا تاريخا حافلا في حب الكيان الأحمر وعشقه لوطنه أيضا.
سر لقب "التتش"
حديثي عن محمود مختار رفاعي والشهير بلقب "التتش " صاحب مدرسة المبادئ والقيم والأخلاق في النادي الأهلي، والذي ولد عام 1906 في مدينة الإسكندرية، واشتهر “بالتتش” بسبب قصر قامته الذي لم يمنعه من القفز عاليا بخفة حركة غير مسبوقة، فأصبح التتش تيمنا باللقب الذي كان يطلق على بهلوان إنجليزي كانت مهمته صناعة الفرحة والبهجة على قلوب ضيوف الأسرة الملكية في قصر باكنجهام في لندن، وهو اللقب الذي أطلقه عليه اللورد لويد، المندوب السامي البريطاني، حيث تطلق كلمة "تتش" في إنجلترا على لاعب السيرك سريع الحركة وقوي البنية.
بداية "التتش" مع الساحرة المستديرة
بداية مختار التتش في المدرسة الإبتدائية، والتي انضم لفريقها وحصل معها على لقب كأس المدارس، ثم انتقل إلى فريق مدرسة السعيدية الثانوية، حتى لمحه كشافي الأهلي وضموه للفريق عام 1922، ليصبح أحد الأعمدة الرئيسية لجيل من الأجيال الذهبية داخل جدران المارد الأحمر على مر التاريخ.
أرقام "التتش" بقميص الأهلي والمنتخب الوطني
نال مختار التتش مع الأهلي ألقاب عديدة من الفترة 1924 حتى 1940، إستطاع اللاعب خلالها تحقيق 7 بطولات كأس مصر، ومثلهما كأس السلطان و دوري منطقة القاهرة.
وعلى الصعيد الدولي، شارك التتش مع المنتخب الوطني في ثلاث دورات أوليمبية، باريس 1924 وأمستردام 1928 وبرلين 1936.
وفي أولمبياد هولندا، خاض التتش أروع مبارياته، وكانت ضد البرتغال، وقاد مصر وقتها للفوز بهدفين مقابل هدف، محرزا هدفي الفراعنة، ما دعى صحف أوروبا للإشادة به ووصفهوه بأفضل جناح أيسر في العالم.
ليس هذا فقط ،بل تم اختيار اللاعب عقب نهاية الأولمبياد ضمن تشكيلة منتخب العالم الذي واجه منتخب أوروبا وديا، بعد أن قاد مصر لاحتلال المركز الرابع في الأولمبياد.
أما في أولمبياد ألمانيا، قدم التتش مستوى متميز جعله ضمن أفضل 12 لاعبا في العالم، وأفضل أربعة مهاجمين أيضا على مستوى العالم.
"مختار التتش" رمز الوطنية
لم يكتفي التتش فقط بدوره الكروي مع الأهلي ومنتخب مصر، بل تحمل عواقب حبه لبلده في أحد المواقف الشهيرة التي جعلت منه أسطورة ورمزا للوطنية.
بدأت القصة عندما تلقى الأهلي دعوة عام 1943 من أندية فلسطين، بهدف تعزيز موقفها أمام الأندية الصهيونية التي بدأت تتوغل في الأرض المحتلة عقب هبوط اليهود عليها تنفيذا لوعد بلفور.
ورفض اتحاد الكرة برئاسة محمد حيدر باشا سفر بعثة الأهلي إلى فلسطين بأوامر من السلطات البريطانية، إلا أن التتش جمع الفريق وسافر بصورة غير رسمية ليلبى الدعوة، مخالفا قرار اتحاد الكرة.
سفر التتش وبعثة الفريق أثارت غضب الكيان الصهيوني والسلطات البريطانية، ليتخذ حيدر باشا قرارا بشطب الأهلي وحرمانه من المشاركة محليا.
وقرر اتحاد الكرة العفو عن الأهلي بعد عدة أشهر، بشرط أن يتوجه لاعبو الفريق بالكامل إلى مقر اتحاد الكرة، والتوقيع على اعتذار رسمي عن السفر إلى فلسطين دون موافقة اتحاد الكرة.
وأعطى التتش تعليماته للاعبين بالذهاب لاتحاد الكرة، خوفا على مستقبلهم، وبالفعل ذهب الفريق كله باستثناء محمود مختار التتش فقط.
وقام التتش بإرسال برقية إلى رئيس اتحاد الكرة محمد حيدر باشا، كتب فيها كلمات دونها التاريخ بحروف من ذهب “لقد ذهبنا إلى فلسطين في مهمة وطنية. وهو موقف من العار الاعتذار عنه. وبناء عليه فإنه لا يشرفني الانتماء لاتحاد كرة يترأسه أمثالك”.
وأصيب حيدر باشا بصدمة، ليقوم بشطب مختار التتش، دون أن يعلم أنه بذلك القرار أتم صناعة أسطورة التتش، التي يتغنى بها الأهلاوية إلى الأن.
نهاية الرحلة
مع حلول عام 1940، قرر مختار التتش اعتزاله الساحرة المستديرة وهو في أتم لياقة الفنية والبدنية ،الأمر الي تسبب في حزن ملايين من الجماهير المصرية لما قدمه اللاعب من ثوابت حقيقية ملموسة جمعت بين الأخلاق والقيم والوطنية.
طالبه الكثيرون بالبقاء والاستمرار، ولجأ أصدقاؤه إلى سيدة الغناء العربي أم كلثوم لتثنيه عن قراره ، لصلتها القوية به، وما بينهما من ود واحترام.
ولكن التتش تمكن من إقناع الجميع بوجهة نظره، ورغبته في الاعتزال وهو في أعلى فترات مجده وإسمه يتردد هتافا على ألسنة الجماهير.
رحل الجسد ومازال العطاء مستمر
في عام 1965 تعرض مختار التتش لوعكة صحية توفى على اثرها في الحال، تاركا وراءه ارثا كبيرا من الأخلاق والمباديء والوطنية، رحل جسد التتش وبقيت أفعاله ومواقفه راسخة في عقل كل من اتخذ الأهلي وطنا يعيش فيه.