كان حريق سنترال رمسيس، الذي اندلع في 7 يوليو 2025، اختبارًا صعبًا للبنية التحتية الرقمية في مصر. باعتباره ، أحد أهم مراكز الاتصالات في البلاد، حيث يُعالج حوالي 40% من حركة الاتصالات المحلية والدولية، ويربط بين كابلات الألياف الضوئية الأرضية والبحرية، ويضم مراكز بيانات حيوية ونقاط ربط بينية لشركات الاتصالات.
الحريق تسبب في اضطرابات غير مسبوقة، شملت انقطاع خدمات الإنترنت، والاتصالات الأرضية والمحمولة، والدفع الإلكتروني، وبعض خدمات الطوارئ، مما كشف عن نقاط ضعف بنيوية في الشبكة.
أسباب صعوبة الاختبار:
كشف الحريق عن مشكلة 'نقطة الفشل الواحدة' (Single Point of Failure)، حيث تعتمد نسبة كبيرة من خدمات الاتصالات على سنترال رمسيس، مما جعل تعطله يؤثر على قطاعات متعددة مثل البنوك، الطيران، والتداول بالبورصة.
كما امتدت تداعيات الحريق إلى خدمات حيوية، مثل تعطل أجهزة الصراف الآلي، تطبيقات الدفع مثل إنستاباي، وحتى أرقام الطوارئ (الشرطة والإسعاف)، بسبب تعطل بروتوكولات SS7 وSIP.
أظهر الحادث أن تصميم الشبكة المصرية، القائم على بنية شبه مركزية (Hierarchical Star)، يعاني من قصور في المسارات البديلة ذات السعة الكافية مما أدى إلى تأخر استعادة الخدمات.
وأدى تلف كابلات الألياف الضوئية ووحدات ODF وOptical Transceivers إلى وفاة 4 موظفين وإصابة 27 آخرين، إلى جانب أضرار مادية كبيرة
أكد الدكتور إسلام نصر الله، خبير التحول الرقمي والمستثمر في قطاع التكنولوجيا، أن الاستجابة السريعة والاحترافية من الحكومة والشركة المصرية للاتصالات لحادث حريق سنترال رمسيس تُبرز مستوى متقدمًا من الجاهزية التقنية.
ووصف الحادث بأنه 'اختبار حقيقي' للبنية التحتية الرقمية التي طورتها مصر على مدار السنوات الماضية، مؤكدًا أن نجاح الاستجابة يعكس كفاءة الكوادر المصرية وقدرتها على إدارة الأزمات بمعايير عالمية.
استجابة فورية وخطة بديلة فعّالة أوضح نصر الله أن فرق الطوارئ تحركت بسرعة فائقة لتفعيل خطة بديلة، حيث تم تحويل الخدمات والخطوط إلى سنترال منيل الروضة، مما قلل من تداعيات الحريق.
ورغم تأخر استعادة الخدمة الكاملة نسبيًا بسبب ضخامة الحادث، أشار إلى أن سنترال رمسيس يُعد شريانًا حيويًا لشبكة الاتصالات الوطنية، ويضم أحد أكبر مراكز حفظ البيانات (Data Centers) في مصر. واعتبر استعادة التشغيل خلال ساعات قليلة إنجازًا تقنيًا يستحق الإشادة، قائلاً: 'التعامل مع حريق بهذا الحجم في مركز رئيسي بمثل هذه الكفاءة يعكس مرونة ومتانة البنية التحتية الرقمية.'إدارة أزمة بمعايير عالمية
أضاف نصر الله أن نجاح فرق الطوارئ في تحويل الخدمات إلى سنترال آخر خلال وقت قياسي يُظهر القدرات الفنية العالية والتجهيزات المتقدمة التي تتطلبها مثل هذه العمليات.
وأكد أن هذا الإنجاز يعكس التطور الكبير الذي شهدته البنية التحتية الرقمية في مصر، مشيرًا إلى أن انقطاعات بسيطة في الماضي كانت تُسبب اضطرابات كبيرة، بينما استطاعت الشبكة اليوم تحمل أزمة بحجم حريق سنترال رمسيس دون توقف كامل للخدمات. مما يراها إجراءات احترازية ذكية.
ولفت نصر الله إلى تعطل بعض تطبيقات البنوك والمحافظ الإلكترونية خلال الساعات الأولى من الحادث، موضحًا أن هذا الإجراء الاحترازي جاء لتأمين حسابات العملاء وحمايتها من أي مخاطر سيبرانية قد تنجم عن ضعف الاتصالات. وضرب مثالا بهذا النهج كأفضل الممارسات العالمية في إدارة الأمن السيبراني، مؤكدًا أن هذه الخطوة تعكس وعيًا متقدمًا لدى القطاع المصرفي المصري بأهمية حماية بيانات العملاء وسلامة معاملاتهم الرقمية.
أشار نصر الله إلى أن مصر حققت تقدمًا ملحوظًا في تعزيز بنيتها التحتية الرقمية، من خلال تحديث مراكز البيانات، تطوير الشبكات الأرضية واللاسلكية، والتوسع في الألياف الضوئية، متابعا أن هذه الجهود، التي تأتي في إطار رؤية مصر 2030، عززت مرونة الشبكة وقدرتها على مواجهة التحديات، مما يضمن استمرارية الخدمات حتى في ظل الأزمات الكبرى.
طالب نصر الله إلى مواصلة الاستثمار في تأمين المنشآت الحيوية للاتصالات، وتعزيز الجاهزية للتعامل مع الطوارئ باستخدام تقنيات متطورة مثل الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالأعطال، مؤكداً أن هذه الخطوات ستعزز الأمن الرقمي وتحمي الاقتصاد الوطني من المخاطر المحتملة، مما يرسخ مكانة مصر كمركز إقليمي للتحول الرقمي.
ويعتبر سنترال رمسيس العمود الفقري للبنية التحتية الرقمية والاتصالات في مصر، ويعود تاريخ تأسيسه وافتتاح المبنى الخاصة به إلى 25 مايو 1927 على يد الملك فؤاد الأول، والذي أجرى أول مكالمة هاتفية من سماعة فضية بمناسبة الافتتاح.
ويقع سنترال رمسيس في وسط القاهرة بشارع رمسيس، بجوار محطة سكك حديد رمسيس، مما يجعله نقطة حيوية تربط الخطوط الأرضية بالقاهرة الكبرى ومحافظات مصر.
ويعد النقطة المحورية لشبكة الهاتف الثابت بمصر، حيث تمر من خلاله أكثر من 40% من حركة الاتصالات المحلية والدولية، بحسب بيانات مركز معلومات مجلس الوزراء.
ويحتوي سنترال رمسيس على غرف ربط بيني تستضيف شركات الاتصالات الكبرى مثل “فودافون” و”أورانج”، كما يمر عبره عدد من كوابل الألياف البصرية الإقليمية والدولية، كما يضم مركز بيانات وخدمات استضافة تُستخدم من قبل الجهات الحكومية والخاصة.
ويخضع السنترال لإجراءات حماية مشددة كونه عنصر أساسيا في شبكة اتصالات مصر الوطنية والدولية.
وبحسب تقرير صادر عن شركة أوكلا العالمية Ookla المتخصصة فى مجال قياس وتقييم سرعات الإنترنت؛ تصدرت مصر ترتيب سرعة الإنترنت الثابت على مستوى القارة الإفريقية في .2024
يساهم قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر بشكل كبير في الاقتصاد الوطني، حيث يعتبر من أسرع القطاعات نموًا في عام 2023/2024، وبلغت نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي 5.8%، ومن المستهدف الوصول إلى 8% بحلول عام 2030. وحقق القطاع إيرادات بلغت 315 مليار جنيه في العام المالي 2022/2023، بنسبة نمو حوالي 75% مقارنة بالعام السابق، بحسب بيانات صادرة عن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
أفادت منظمة “نت بلوكس” بأن مستوى الاتصال بالإنترنت في مصر انخفض إلى 44% من معدله الطبيعي خلال ساعات الحريق، ما يعكس حجم التأثير على البنية التحتية للاتصالات