الإمساكية سجل تاريخي ابتكرته مصر وقلدتها دول العالم
تطورت من الطبعة الورقية إلى النسخة الإلكترونية التفاعلية
وأنا أتصفح صور شهر رمضان القديمة في العديد من المواقع على شبكة الإنترنت وجدت مجموعة من الصور القديمة لامساكية رمضان الشهيرة ، و لاحظت كما لاحظ غيري أن مصر تعد أول دولة في العالم تستخدم ما يعرف ب ” إمساكية شهر رمضان “، وكان ذلك في عهد محمد علي في النصف الأول من القرن التاسع عشر عقب إنشاءه مطبعة بولاق والتي كانت من أوائل المطابع الورقية في العالم العربي والإسلامي .
ومع مرور السنوات وانتشار الامساكية كل عام وإقبال الكثيرين عليها ، بدأت الدول العربية والإسلامية الاقتداء بمصر وتقليدها بإصدار كل دولة إمساكية خاصة بها وفق موعد بدء شهر رمضان و مواعيد الصلاة بها ومواعيد الإفطار والامساك والتي تختلف من دولة إلى اخرى .
وفي ظل التطور التكنولوجي الذي شهده العالم وظهور مواقع ووسائل التواصل الاجتماعي ، وبعد ان كانت الإمساكية تطبع ورقياً فقط ، ظهرت في صورة الكترونية ويتم إرسالها وتبادلها عبر البريد الالكتروني وعبر الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي .
البداية
بداية ظهور إمساكية رمضان حسب ما اتفقت عليه المصادر كان في عهد محمد علي الذي أمر بإعداد الإمساكية التي باتت تعرف باسم ( إمساكية ولي النعم) وكانت عبارة عن جدول في ورقة واحدة محدد فيه مواقيت الصلاة يوميا طوال شهر رمضان ؛ لمعرفه مواعيد الإفطار والإمساك يوميًا ومعرفة موعد صلاة عيد الفطر وكانت الامساكية تطبع في مطبعة بولاق.
وتم توزيع إمساكية رمضان على معسكرات الجيش والمدارس الحربية والعلمية والدواوين الحكومية واستمر ذلك في عهد أولاد محمد علي الذين حكموا مصر من بعده.
وراجت فكرة إمساكية رمضان وتطورت وأصبحت وسيلة للدعاية التجارية للشركات التي تقوم بطباعة الامساكية وعليها اسم الشركة وعنوانها وأرقام هواتفها ويتم توزيع الامساكية مجانا على الناس .
تطورها
وشهدت الإمساكية تطورا ليس في شكلها وورق طباعتها فقط بل في مضمونها أيضا ، فمنذ الثلاثينيات و الأربعينيات من القرن العشرين لم تعد الإمساكية مجرد ورقة واحدة بها مواعيد الإفطار وإلامساك في رمضان ، بل أصبحت مثل الكتيب الصغير ( إمساكية متعددة الأوراق).وأصبحت الإمساكية تتضمن الى جانب مواقيت الصلاة ، بعض قصار سور القرآن الكريم اضافة إلى أحكام الصيام والافطار و وليلة القدر وأحكام زكاة الفطر واحكام صلاة العيد وأذكار الصباح والمساء ، إضافة الى جدول بمواعيد الإفطار والإمساك ومواقيت الصلاة طوال أيام شهر رمضان وموعد صلاة عيد الفطر .
الاستغلال السياسي والتجاري
وتم استغلال الإمساكية سواء ذات الورقة الواحدة او المتعددة الأوراق في أغراض مختلفة منها الدعاية التجارية للشركات فكل شركة تطبع اسمها ونشاطها وعنوانها وبياناتها في الإمساكية.وكانت الشركات التجارية تطبع الإمساكية في صورة كتيب صغير وعليه اسم الشركة وبياناتها سواء في الغلاف الاول أ وفي الغلاف الأخير وكذلك في الأوراق الداخلية للإمساكية ، وفي عهد الملكية كانت تطبع صورة الملك في الإمساكية كنوع من التقرب من القصر وأعوانه.
وكانت الشركات توزع الإمساكية مجانا على الناس سواء امام المساجد او في الأماكن العامة .
وتم استغلال الإمساكية في الدعاية الانتخابية و السياسية في أوقات الانتخابات البرلمانية أو المحلية وحتى الانتخابات الطلابية في الجامعة ، وكذلك الأحزاب السياسية والجماعات الدينية كانت تطبع الإمساكية للدعاية وكان يكتب عليها اسم الحزب او الجماعة الدينية وبعض الشعارات التي تدل على كل تيار سياسي او ديني .
وهناك من كان يستخدم إمساكية رمضان وطباعتها وتوزيعها كصدقة جارية على روح المتوفي ويتم تسجيل ذلك في صفحة من صفحات الإمساكية مع طلب قراءة الفاتحة على روح المرحوم .
وحرصت الصحف والمجلات في مصر والدول العربية على طباعة إمساكية رمضان سنويًا كهدية سواء داخل الصحيفة أول المجلة او طباعة الإمساكية منفصلة على ورق فاخر ومصقول .
وفي الغالب كان يتم توزيع امساكية رمضان بصفة شخصية بين الأصدقاء والأقارب وزملاء العمل وأمام المساجد، وكان يتم توزيعها مع الصحف والمجلات برعاية شركات تجارية حيث يتم كتابة اسم الشركة ونشاطها التجاري وجميع بياناتها في الإمساكية.
الإمساكية الالكترونية.
وتطورت الإمساكية الورقية وظهرت الإمساكية الالكترونية في ظل التطور التكنولوجي الذي شهده العالم منذ ظهور الكمبيوتر و الانترنت ” شبكة المعلومات الدولية ” وتطور الهواتف الذكية وظهور مواقع ووسائل التواصل الاجتماعي .
فبعد ان كانت الإمساكية تطبع ورقياً فقط ، ظهرت في صورة الكترونية ويتم إرسالها وتبادلها عبر البريد الالكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي .
وكانت في البداية عبارة عن صورة لجدول الإمساكية مع اسم مرسلها او اسم الشركة الراغبة في الترويج التجاري ويتم تداولها عبر وسائل التواصل الالكترونية .
ثم تطورت لتصبح امساكية متعددة الصفحات الالكترونية " إمساكية تفاعلية " .
وتقوم الشركات والبنوك او الأشخاص ، بإعدادها بصيغة بي دي اف او الباور بوينت او مقاطع الفيديو ، وبلمسة واحدة على شاشة الهاتف الذكي يتم تقليب الإمساكية صفحة صفحة كل يوم من أيام رمضان لمعرفة مواقيت الصلاة ومواعيد الإفطار والإمساك .
وتتضمن الإمساكية الالكترونية التفاعلية أيضا مجموعة من الادعية الدينية والأغاني المرتبطة بشهر رمضان .
وراجت الإمساكية الإلكترونية بصورة واسعة وملحوظة عاما بعد عام ، مع استمرار وجود الإمساكية الورقية أيضا ؛ لأغراض الدعاية التجارية والسياسية ولأغراض دينية أخرى.
إمساكية رمضان في زمن كورونا
ومع ظهور وباء كورونا وانتشاره في العالم ، وقدوم شهر رمضان في ظل استمرار حظر التجوال لعدد من الساعات في معظم دول العالم ومنها الدول العربية والإسلامية ، فقد أصبح الإقبال على الإمساكية الإلكترونية التفاعلية أكثر من الإمساكية الورقية .
وساعد على رواج الإمساكية الالكترونية التفاعلية أن عددا كبيرا جدا من الناس اضطروا إلى التباعد الاجتماعي والبقاء في بيوتهم بسبب حظر التجوال في كل دول العالم العربي والإسلامي .
و اصبح الهاتف الذكي والكمبيوتر لا غنى عنهما ولا يفارقان الإنسان لعدد كبير من الساعات المتواصلة اثناء البقاء في البيوت ، وزادت أهميتهما كوسيلة لتواصل الإنسان مع العالم و الاطلاع على أحدث الأخبار والبحث والترفيه .
وبالتالي ، في عصر كورونا، أصبحت الإصدارات الإلكترونية سواء من الصحف أو الكتب او حتى إمساكية شهر رمضان هي الأكثر أمانا من الإصدارات الورقية التي يخشى أن تنقل الفيروس.
أهمية الإمساكية
وتعد الطبعات القديمة والمختلفة من إمساكية رمضان كل سنة من الطرق الطريفة لكل باحث ، لمعرفة تقاليد وعادات الشعوب في كل دولة فضلا عن معرفة تطور ارقام التليفونات وما طرأ عليها من إضافات فضلا عن اسماء الشوارع وما طرأ عليها من تغيير بتغير الأنظمة وبمرور السنوات والعقود .
وكذلك تعد إمساكية رمضان مصدرًا لمعرفة اسماء الشركات ونشاطها وهل استمرت ام لا ، وكذلك معرفة تطور فنون الطباعة فضلا عن تطور اسلوب كتابة الامساكية وصور الملوك التي كانت تطبع عليها ، وتطور طريقة تنفيذ الإمساكية من الطريقة الورقية وصولًا الى الإمساكية الالكترونية .
والكثير منا يحمل ذكريات جميلة مع إمساكية رمضان التي كنا نحرص على اقتنائها قبيل قدوم شهر رمضان و الاحتفاظ بها طوال الشهر الكريم لمعرفة مواعيد الإفطار والإمساك والصلوات الخمس يوميًا وموعد صلاة العيد .
وتحولت إمساكية شهر رمضان إلى ما يشبه السجل التاريخي الذي يحتفظ على اوراق كل إمساكية رمضانية بذكريات تاريخية ، فضلا عن الذكريات الشخصية القديمة والجميلة التي مرت بحياتنا جميعًا.
تابعوا آخر أهل مصر على Google News
