«يبقى الإنسان حرًا عندما يكون عنده القدرة بأن يقول لا»، هذه الحكمة التى يؤمن بها كثير من المثقفين بل ويؤمن بها معظم الناس دون أن يشعروا بذلك، فالحرية تتمثل في وجه نظر كثير بأنها القدرة على الاعتراض، ولكن أحيانا يبقى الإنسان أسيرًا لفكرة إرضاء جميع الناس وهذا فشل لو تعلمون عظيم، فمن يقضى حياته في أن يرضى الناس أصبح كالذي يحرث في ماء لا فائدة ترجى من وراء عمله، رضا الناس غاية لا تدرك كما هو معروف، دعونا نتفق أن الإنسان هو من يعطي لنفسه الحرية وهو أيضا من يجعل نفسه مقيدة بالأغلال، لا رقيب على البشر سوى نفوسهم، لكنى هنا لا أتحدث أبدا عن الذين لا يستطيعون قول «لا» خوفا من أحد، ولكنى أقصد نوعًا آخر أظنه لا يجد مكانًا له في هذه الحياة وهو جماعة البشر الذين يخجلون من قول «لا»، يحاولون إرضاء الجميع ولو على حساب أنفسهم، يقدمون رضا الناس على رضاهم، وبعد ذلك يفاجئون بأن هذا يعتبر فخًا سقطوا فيه، نعم فخ هم من أسقطوا أنفسهم طواعية فيه عندما سمحوا لغيرهم أن يفكروا لهم، أو عندما سمحوا لغيرهم أن يأخذوا ما يريدون بسيف الحياء.
صديقي الذي أعرفه من ست سنوات، يحكي لي عن أخيه، الذي أراد أن يرضي الجميع ولا يخسر أحدًا، يحاول أن يجد له مكانًا في الحياة، يعافر من أجل الحلم الذي أراد الوصول إليه، يتشبث بكل الخيوط، يخجل حتى بينه وبين نفسه، يحلم ولا يريد أن يتحدث عن حلمه خجلًا وكأن الحلم صار عيبًا في هذا الزمان، فجأة وجد غيره يختار له عمله رغم أن كان يحلم بعمل آخر، ولكنه استجاب لرغبة هذا الشخص حبًا فيه، تخيل أنه ضحى بحلمه من أجل أن يرضي شخصًا آخر خوفًا من غضبه عليه.
عمل أخو صديقي عملًا لا يحبه من أجل إرضاء غيره، واستمر يتمادى في خجله الذي أوقعه في الهلاك، حتى تزوج من فتاة لا يحبها عرضها عليه هذا الشخص أيضًا وتحت سيف الحياء ارتضى بزيجة انقلبت نقمة عليه بعد ذلك، حتى فاجئته زوجته بأنه كانت لا تريد الزواج منه وأنها وافقت عليه رغما عنها، فاتفقا على الطلاق بشكل ودي، وتحول بعدها فجأة إلى شخص يجيد قول «لا» الذي حرم منها طيلة حياته.
أخو صديقي ظل يرفض الزواج، أحس أنه أخذ نصيبه من الدنيا، جلس في بيته مكتئبًا، كل محاولات إقناعه للرجوع إلى طبيعة الحياة كان يبادرها بقوله «لا»، ولكن مع مرور الوقت أحس أن «لا» من الخطأ الأكبر أن تستمر معه طيلة الحياة، وبعد محاولات عديدة عاد إلى الحياة مرة أخرى، ولكن بإنسان جديد.
في جلسة معه، قلت له أنك لديك القدرة على قول «لا»، ولكنك ليس لديك القدرة على اختيار توقيتها، فالإنسان الذكي هو من يتحين الفرصة لقول الكملة، الموازنة في الأمور شيء مطلوب، الذين قالوا «لا» في حياتهم على طول الخط خسروا، والذين قالو «نعم» خسروا أيضا، اختيار الوقت مطلوب، ولكن صديقى حتى الآن عاجز على اختيار وقت الإجابة بسبب ما أسماه الخجل والحياء وأسميه أنا «غباء».