يقول المولى سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (سورة محمد -4) . يقول الطبري في تفسير هذه الآية : (حتى إذا غلبتموهم وقهرتم من لم تضربوا رقبته منهم, فصاروا في أيديكم أسرى ( فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ) يقول: فشدّوهم في الوثاق كيلا يقتلوكم, فيهربوا منكم. وقوله ( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ) يقول: فإذا أسرتموهم بعد الإثخان, فإما أن تمنوا عليهم بعد ذلك بإطلاقكم إياهم من الأسر, وتحرروهم بغير عوض ولا فدية, وإما أن يفادوكم فداء بأن يعطوكم من أنفسهم عوضا حتى تطلقوهم, وتخلوا لهم السبيل. ) . وأورد القرطبي تفسير هذه الآية على هذا النحو : يقول تعالى مرشدا للمؤمنين إلى ما يعتمدونه في حروبهم مع المشركين : ( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ) أي : إذا واجهتموهم فاحصدوهم حصدا بالسيوف ، ( حتى إذا أثخنتموهم فشدوا ) أي : أهلكتموهم قتلا ) فشدوا ) [ وثاق ] الأسارى الذين تأسرونهم ، ثم أنتم بعد انقضاء الحرب وانفصال المعركة مخيرون في أمرهم ، إن شئتم مننتم عليهم فأطلقتم أساراهم مجانا ، وإن شئتم فاديتموهم بمال تأخذونه منهم وتشاطرونهم عليه . والظاهر أن هذه الآية نزلت بعد وقعة بدر ، فإن الله ، سبحانه ، عاتب المؤمنين على الاستكثار من الأسارى يومئذ ليأخذوا منهم الفداء
أما تفسير السعدي فقد أورد تفسير هذه الآية على هذا النحو : ( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا في الحرب والقتال، فاصدقوهم القتال، واضربوا منهم الأعناق، حَتَّى تثخنوهم وتكسروا شوكتهم وتبطلوا شرتهم، فإذا فعلتم ذلك، ورأيتم الأسر أولى وأصلح، { فَشُدُّوا الْوَثَاقَ } أي: الرباط، وهذا احتياط لأسرهم لئلا يهربوا، فإذا شد منهم الوثاق اطمأن المسلمون من هربهم ومن شرهم، فإذا كانوا تحت أسركم، فأنتم بالخيار بين المن عليهم، وإطلاقهم بلا مال ولا فداء، وإما أن تفدوهم بأن لا تطلقوهم حتى يشتروا أنفسهم، أو يشتريهم أصحابهم بمال، أو بأسير مسلم عندهم.) أما القرطبي فقد فسر الآية على هذا النحو : ( . وإنما أمر بشد الوثاق لئلا يفلتوا .فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً . " فإما منا " عليهم بالإطلاق من غير فدية " وإما فداء " ) . أما البغوي فيقول في تفسير هذه الآية : ( حتى إذا أثخنتموهم ) بالغتم في القتل وقهرتموهم ( فشدوا الوثاق ) يعني في الأسر حتى لا يفلتوا منكم ( فإما منا بعد وإما فداء ) يعني : بعد أن تأسروهم فإما أن تمنوا عليهم منا بإطلاقهم من غير عوض ، وإما أن تفادوهم فداء .)
( سوق رقيق حقيقي في مكة المكرمة في ستينيات القرن الماضي - المصدر أرشيف شركة آرامكوا السعودية )
فهذا هو ما قرره القرآن الكريم مع الأسرى من غير المسلمين في الحروب الشرعية التي يشنها المسلمون، فالتعامل مع المحاربين من غير المسلمين يكون بالقتال وقتلهم حتي تتأكد هزيمتهم، وبعد أن تتأكد الهزيمة ويقعون في الأسر فإما المن عليهم بالحرية أو إطلاقهم مقابل الفدية . وهذا ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم مع أسرى بدر بعد أن أطلق الأسرى مقابل الفدية بالمال، ومن لم يكن له مال كان يعلم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة . فمن أين جاء المسلمون بحكم استرقاق الأسرى وسبي النساء والأطفال بعد قتل الرجال ؟ الشاهد أن كل نصوص القرآن الكريم وضعت قيودا على الرق وفتح أبوابا للعتق تؤدي تنحسر هذه الظاهرة بالتدريج . لكن المسلمون فعلوا العكس تماما، بأن فتحوا أبوابا للرق لم ترد في القرآن الكريم وإن كانت موجودة في شرائع من كان قبلهم، فكانت الفتوحات الإسلامية التي لم تتوقف حتي منتصف القرن الثامن عشر مصدرا لا ينضب لاسترقاق أعداد هائلة من غير المسلمين، بل المفارقة أن حتى بعض المسلمين وقعوا في الرق من جانب المسلمين لأسباب لا أصل لها في الشريعة الإسلامية من قرآن أو سنة ، أنه مع ازدهار حركة الفتوحات الإسلامية في الفترة التالية للنبوة، بدأ الأسرى الذين استرقوا يساقون في جماعات حاشدة إلى أسواق الرق للبيع. وقد تم تأسيس أسواق الرق في المناطق السكنية. وبسبب كثرة الرقيق في الأسواق انخفض ثمنهم وأصبحت الأسر متوسطة الدخل تستطيع شراء العبيد واستخدامهم في الخدمات العائلية. وتزايد عدد العبيد يوما بعد يوم، بدلا من أن ينشأ مجتمع خالٍ من العبودية كما كان في العهد النبوي والخلفاء الراشدين. وأخذت العبودية تشكل تدريجيا العنصر الأساسي في القطاعات الصناعية والخدمات، فأصبحت العبودية حالة طبيعية في المجتمع الإسلامي، وانتشرت بمرور الأيام، وحتى الشرط الوحيد لأن يكون السبي في معركة جهاد شرعية لم يعد له محل، حيث فرض سلاطين الدولة العثمانية على كثير من البلدان الأوربية مثل نظام الخمس في الأطفال، وكان يأخذون من كل بلد أوربي يخضع لهم خمس الأطفال عبيد وجواري، وهو نظام لم يرد له أي أصل شرعي في نظام الجزية التي تفرض على غير المسلمين وخضع لهذا النظام البلغار والألبان والصرب والإغريق.
سوق عبيد في مكة المكرمة ويظهر في الثانية 47 رجل بزي الإحرام يضرب عبده حتي يسقط العبد على الأرض ثم يقوم ليتبع سيده الممسك بسوط
ويصف محمد بن صالح بن محمد عسكر في كتابه: (علاقة القبائل العربية المقيمة حول المدينة بالدولة الإسلامية في عهد الرسول، ١-١١ ھ/٦٢٢-٦٣٢ م ) ما فعله خالد بن الوليد أثناء هجومه على خزاعة: "فهزمناهم وقتلناهم قتلا ذريعا ولم ندع لهم فارسا إلا قتلناه، ثم طلبنا البيوت فنهبناها، وسبينا، فلما هدأ القتال والنهب، أمرت أصحابي بجمع السبايا، فمن أين جاء خالد بن الوليد بهذا الحكم. وبصفة عامة فقد لقي السبي المعاملة القاسية من جيوش المسلمين، جاء في تاريخ الطبري وتحت باب : ( سنة ست وتسعين ... ذكر الأحداث التي كانت فيها) ، فكان يتم ختم أعناقهم، فذكر أبو مخنف عن أبيه: أن قتيبة بن مسلم بعث كثير بن فلان إلى كشاغر، فسبى منها سبيا، فختم أعناقهم، ولبس الجند ثياب السبي المحصّل من خوارزم فماتوا من البرد وسمع دوي عظيم، وبكاء شديد، من سبي قنسرين، لربطهم بالحبال بقسوة.
تاجر رقيق في القاهرة في القرن التاسع عشر - صورة حقيقية
أما ما يدمي القلب هو أن أشهر واقعة لسبي مصريين أحرار في تاريخ مصر القديم والوسيط كانت على يد جنود الخليفة المأمون في سنة 831 م، عندما ثار أهالي منطقة البشرود الساحلية بين فرعي النيل دمياط ورشيد ضد ظلم ولاة المأمون، الذين أسرفوا في جمع الضرائب، بخلاف الجزية، فكان أن أخمد جنود المأمون ثورة الفلاحين بكل قسوة وقام جيش الحامية بسبي كل نساء وأطفال المحتجين ضد الظلم، وهى واقعة إن طبقت عليها القواعد الشرعية فهو استرقاق باطل، لأن من وقعوا في الرق هنا ليس جيش محارب بل ذرية ذميين يخضعون للدولة الإسلامية، وما ارتكبوه هو الثورة ضد الظلم والتعسف، فليسوا محاربين وليسوا في دار حرب، بل هم ذميين وقع عليهم العسف والجور، فكان جزاؤهم السبي والاسترقاق. هذه الوقائع وغيرها تستوجب من كل من يشعر بالغيرة على الدين الإسلامي أن يبحث كيف يمكن أن يعتذر المسلمون عن جريمة الرق غير الإنسانية التي وقع ضحيتها ما يقرب من ثلثي البشرية على مدار تاريخها قبل وبعد ظهور الإسلام، ولن يعيب الإسلام أن يعتذر المسلمون عن خطأ ارتكبوها خاصة بعد أن اعتذرت أكثر من كنيسة حول العالم، وخاصة الكنيسة إنجلتر عن صمتها لقرون طويلة على الفتك بلحوم وأعراض مئات الملايين أو حتي مليارات البشر عبر التاريخ ممكن أطلق عليهم الرقيق أو الأرقاء أو العبيد، فالمسلمون مثل غيرهم من أتباع الديانات الأخرى سماوية وأرضية شاركوا بالفعل أو حتى بالصمت علىه ذبح واستغلال ما يقرب من ثلثي البشر الذين وصموا بالرق في تاريخ الإنسانية، وكان من الممكن للمسلمين كما غير الإسلام الإله المعبود نفسه في كل البلدان التي فتحوها من آلهة وثنية أو حتى عبادة البشر إلى عبادة الإله الواحد القهار أن يغيروا النظام الاجتماعي بإسقاط الرق فورا خاصة وأن قرار مثل هذا لن يكون أصعب من قرار تغيير الإله.