في علم اللغة فإن أهم ما بدرس الآن بالنسبة الاستخدام اللغة، هو اتصال الكلمات بالعقل، وهذا الاتصال هو الذي يعطي التأثير الفكري للكلمة في ذهن الإنسان، أي أن المعنى يكون موجودا أصلا في الذهن، وتأتي الكلمة لتبرز صورة هذا المعنى إلى العقل، فإذا قلنا (منزل) مثلا، فإن له معنى معينا في عقولنا، هو مكان يقيم فيه الناس، مكون من عدة حجرات، إلى آخر ذلك، ومن هنا فإنه إذا ذكرت الكلمة قفز المعنى الموجود أصلا في العقل، لتكون مقبولة، أما إذا قلت كلمة بلا معنى لم يلحظها العقل، ولم يعرف وجودها جيدا، كأن تأتي لرجل عاش في أرض سهلة لم ير جبلا في حياته، ثم تقول له كلمة (جبل)، إنه لا يستطيع أن يتصور ما معنى جبل، ولا يفهم شيئا، ذلك أنه لم يعقل هذا الشئ الذي يتحدث عنه أو تقوله له، ومن هنا فهو لا يفهمه، ولا يعرفه؛ لأنه لم يدخل إلى عقله أولا، ولكنك إذا قلت كلمة (الله)، فإن العقول كلها تفهمها
قوة قاهرة علمتنا أن الله موجود
على أنها تلك القوة القادرة ، القاهرة، التي خلقت الدنيا كلها، ولكننا لم نر الله. فكيف نفهم هذه الكلمة؟ لو أن الله غير موجود فينا بالفطرة، وغير موجود في عقولنا ونفوسنا لما فهمناها أبدا، ولما أخذت هذا المعنى العالمي الذي ينسجم مع النفس البشرية، إن يقيننا بوجود الله هو الذي يجعلنا نفهم هذه الكلمة، ووجود الله فينا بالفطرة هو الذي يجعلها تدخل إلى عقولنا؛ لأن أي كلمة لا يمكن أن تكون مفهومة إلا إذا كان معناها ومدلولها موجودين في العقل البشري أو لا، بل إن وجود هذا المعنى يجب أن يسبق الكلمة نفسها، فأنت لا تستطيع أن تحدث أحدا بكلمة جبل، ويفهم ما تقول، أو بكلمة «قوی» ويفهم ما تقول، إلا إذا كان المعنى موجودا أولا في عقله، قبل أن تنطق بالكلمة، فالمعنى يوجد أولا، في عقله، قبل أن تنطق بالكلمة، فالمعني يوجد أولا، ثم بعد ذلك توجد الكلمات الدالة عليه، وإذا راجعنا قواميس اللغة في جميع أنحاء العالم نجد أن الكلمات الموجودة فيها هي الأشياء موجودة أصلا، وأن هذه القواميس تراجع كل عام لإضافة أسماء الأشياء وجدت، ولم تكن موجودة في العام الذي قبله، وذلك يعني أن الشئ يوجد أولا ثم بعد ذلك يعطى تسمية، بل إن هذا في حياتنا اليومية ملحوظ في كل شئ، فهناك أسماء كثيرة في اللغة، تضاف إلى القواميس كل عام، وهناك علماء متخصصون يجتمعون في مجمع اللغة ليضعوا الأسماء لمعان أو لأشياء وجدت، ولم تكن موجودة، إذن فالأصل أن يوجد الشئ أولا، ثم يضع الإنسان له الاسم، ووجود اسم الله - سبحانه وتعالى - في جميع لغات الأرض، وبمعنی موحد في جميع أذهان البشر، دليل على أن الله - سبحانه وتعالی د موجود قبل أن توجد البشرية نفسها، وقبل أن ينطق لسان بأي لغة. وبهذا نكون قد وصلنا إلى حقيقتين هامتين، الحقيقة الأولى: أن نفي الشئ لايمكن أن يكون مطروحا إلا إذا كان الشئ نفسه موجودا، والثاني: أن معنى أي شئ يجب أن يكون سابقا لاسمه. الحقيقة الثالثة التي وصلنا إليها: أننا إذا أردنا أن نعرف شيئا عن الله سبحانه وتعالى - فإننا يجب أن نصل إلى العلم الصحيح عن طريق ما أعطاه الله لنا.