الفخ الأمريكي للسعودية والمواجهة المحتملة

   خطوة هي الأولى من نوعها في فترة عهد أوباما تمكن فيها أعضاء الكونجرس الأمريكي من تمرير قانون "العدالة ضد الإرهاب – جاستا" والذي بدأ من خلاله بالفعل أهالي ضحايا 11سبتمبر في رفع دعاوى ضد السعودية للحصول على تعويضات بالمليارات، ومن المذهل أن التصويت على القانون تجاوز الفيتو الرئاسي بمجلسيه الشيوخ والنواب، حيث صوت مجلس الشيوخ بـ 97 صوتا من أصل 100، فيما صوت مجلس النواب بـ 348 مقابل اعتراض 77 صوتا فقط، وهو الأمر الذي يشكل خطورة كبيرة في الأيام المقبلة على العلاقات السعودية الأمريكية خاصة وأن الأخيرة قد أكدت عبر هذا التصويت على أنها ستتعامل مع السعودية على أنها دولة راعية للإرهاب وهو أمر اعتقد أنه لم يكن اعتباطا من الجانب الأمريكي أو محل صدفة أو أمر طرأ فجأة في الأذهان فقرروا سن هذا القانون، إلا أنه يمكن اعتباره بداية مرحلة جديدة لتوتر العلاقات الأمريكية السعودية تمهيدا لعدة مراحل تهدف جميعها إلى إسقاط منطقة الخليج فيما سقطت فيه سوريا واليمن وليبيا.

الأحداث التي تجري في المنطقة بالكامل لا يمكن فصل أي حدث منها عن الآخر ولعل مماطلة الولايات المتحدة في حل الملف السوري وتعقيده ومد المعارضة بالأسلحة في البداية كان الهدف منه تزايد أطراف الصراع في المنطقة وبالفعل دخلت معظم دول المنطقة في الصراع الدائر في سوريا وأصبحت الحرب هناك بين السعودية وتركيا ودول الخليج من جانب وإيران وحزب الله والنظام السوري من جانب آخر، وأصبح السوريين مجبرين على تنفيذ الأهداف الخارجية لتلك الدول، وبهذا الشكل باتت كافة هذه الدول هدف للإرهاب وقابلة للانفجار من الداخل، وهي المرحلة التي وصلنا إليها الآن ووصلت مرحلة العداء بين السعودية وإيران إلى اقتراب شن حرب مباشرة بين الدولتين، وهنا على ما يبدو قرر صناع القرار في الولايات المتحدة تعكير العلاقات شيئا فشيئا والانسحاب التدريجي حتى تكون خيانة مشروعة لا تفتضح معها السياسة الأمريكية إثر هذه الطعنة الغادرة في ظهر دولة حليفة على مستويات عدة أهمها المستوى الاقتصادي وكذلك محاربة الإرهاب، خاصة وان الاستثمار السعودي في الولايات المتحدة يبلغ نحو تريليون دولار يصعب معها الاقدام على خطوة فاصلة أو سحب الاستثمار من هناك لأنها ستؤثر بشكل كارثي على السعودية ذاتها لكونها تربط عملتها بالدولار، فيما يبقى الشق الثاني وهو الملف السوري الذي يبدو أن الولايات المتحدة ستنسحب جزئيا منه لعدة أهداف أولها أن يصبح الروس في مواجهة السعودية الداعمة للمعارضة هناك، وهي الخطوة التي يريد بها الأمريكان الحد من عودة الروس إلى المنطقة خاصة بعد العلاقات القوية التي بدأت تترسخ مع مصر وعدد من الدول الأخرى بما فيهم السعودية، أما الأمر الثاني وهو بمثابة الضوء الأخضر لإيران لمواجهة السعودية بشكل أكثر فعالية على الاراضي اليمنية والتي ستراها إيران فرصة سانحة للانتقام للحلفاء في سوريا وفي اليمن وإشعال الداخل السعودي أملا في انهيار المملكة إزاء عدم قدرتها على الحرب في جبهات ثلاث هي اليمن وسوريا والداخل، فضلا عن النزاعات القضائية مع أهالي الضحايا الذي سيرسخون لصورة ذهنية بأن السعودية دولة راعية للإرهاب وهو الانعكاس الخطير على السياسة الأمريكية مع دول الخليج بأكملها والتي يبدو انها كانت ضمن حسابات الأمريكان، خاصة وان هذه الدول ستتكاتف مع السعودية ضد اي مواجهات إيرانية محتملة.

أمر أخر أشار له بعض الساسة الأمريكيون على أن هذا القرار يمكن تعديله عقب الانتخابات الرئاسية وأن الهدف من وراءه حصد الأصوات داخل الكونجرس الأمريكي، خاصة وأن إشارة زعيم الاغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ ميتش ماكونيل تبدو واضحة في قوله بأن القانون يستحق المزيد من المناقشة للتخفيف من العواقب، وهو ما يبدو محاولة لتمييع الأمر لا أكثر خاصة أن عدد من المحامين شرعوا في رفع القضايا فعليا ضد السعودية.

إذا فإن الهدف الأمريكي من وراء القانون قد بدا جليا وهو الدفع بالسعودية إلى مسرح عمليات أكثر شراسة وتقليب الداخل، وإن كانت الايام المقبلة ستؤكده إلا أن المعطيات الحالية تشير إلى أن الفخ الذي أعدته الولايات المتحدة للسعودية أصبح جاهزا للوقوع فيه بعد أن دفعتها إلى التورط في أكثر من جبهة، ولكن سيبقى تساؤل آخر وهو إمكانية مقاضاة الولايات المتحدة بنفس القانون حال تشريعه داخل الدول التي دمرها إرهاب الادارة الامريكية، وهل فات الأمر على الكونجرس الأمريكي؟! أعتقد أنهم ليسوا بتلك السذاجة وأن الهدف كما أكدت لم يكن الحصول على الأموال بل هي مرحلة الدفع السريع بكافة الأطراف إلى المواجهة المباشرة التي لن تفسح المجال للعراق أو افغانستان أو بعض الدول لمقاضاة الأمريكان

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
البنك المركزي يقرر تثبيت أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض.. للمرة الخامسة على التوالي