تحمل الطفولة صندوقا من الذكريات السعيدة وأخرى الحزينة، إلا أن تلك التي كنا نتقارب فيها ونمرح دون أن يعكر صفونا شيئ، هي التي نفتقدها، وكان يزين مرحلة الطفولة المرح واللعب والعروض التي كنا نتسابق من أجل المشاركة بها ورؤيتها، والتي حُرم منها، الجيل الحالي، ونرصد لكم أبرزها في سطور.
1-البيانولا: يجوب رجلا بسيطا الشوارع والميادين يحمل صندوقا خشبيا ضخما على ظهره ينادي بصوت عالي "اتفرج يا سلام عالدنيا يا سلام"، فيتجمع الأطفال، ويجلسهم على "دكة" خشبية، ثم يضعون رؤوسهم في الصندوق لمناوبة المشاهدة يحوي رسومات لشخصيات كارتونية، به أكثر من فتحة، ومغطى بقطعة من القماش الأسود، ويوجد بداخله عدسة مكبرة يدور خلفها شريط مصور عليه بعض الصور لحكايات تراثية، مثل حكايات عنترة والزناتي وعاشور الناجي، وللصندوق "مانفيلا" في الجانب الأيمن لتدوير الصور، كما توجد رافعة على الجانب الأيسر لتشغيل الموسيقى.
وتغنى الشعراء بالبيانولا وعلى رأسهم صلاح جاهين حينما قال: "بيانولا وألابندا وحركات.. اطلعي بقى يا نصاص يا فرنكات.. أنا عازمك يا حبيبي لما الاقيك.. على فسحة في جميع الطرقات.. نتنطط نتعفرت نترقص كدهوه.. كدهوه كدهوه كدهوه".
والمدهش ما كشفه أحد المواقع الاليكترونية المهتمة بتتبع التراث المصري أنه في 30 يوليو 1952، أصدر وزير المالية قرارًا بتشكيل لجان لجرد محتويات السرايا والقصور الملكية، وذلك في أعقاب ثورة الضباط الأحرار، ومع بدء جرد الممتلكات الملكية عثرت اللجنة المختصة على آلة بيانولا في قصر الطاهرة، وتعجبت لجان الجرد من العثور على "البيانولا"، وهو ما دفعهم للبحث عن سر وجود الآلة الموسيقية بالقصر.
وعند سؤالهم للشماشرجي الخاص بالملك، محمد إدريس أجاب بأن فاروق الأول كان يرتدي بدلة ممزقة وبها رقع كثيرة، وبرنيطة، ويُحضر بناته الأميرات فريال وفوزية وفادية إلى الحديقة ويعزف أمامهن عليها وكان الملك في أعقاب انتهائه من العزف يخلع البرنيطة، ثم يستجدي الأميرات لإعطائه القروش، وهو ما كان يدفع بناته إلى الضحك.
2-القرداتي: ومن منا لم يشاهد عرضا واحدا أو أكثر، لرجل بجلابية أو ملابس ممزقة يمسك في يده طبلة وفي الأخرى سلسلة لقرد يقفز على أقدامه على أنغام طبلة القرداتي وكان القرداتي يجوب الشوارع حتى يلتقي جمع، فيطلب إلى قرده أن يؤدي بعض الحركات البهلوانية أمامهم، ومنها "عجين الفلاحة" و"نوم العازب"، ويحرص القرداتي على تعليم القرد بعض التصرفات المشهورة، مثل تحية الناس والغناء على الناي والعزف على العود.
"القرداتي" مهنة كانت متواجدة فى الماضي وكان في الأغلب يسمي القرداتى القرد "ميمون" فيقول ياميمون نام نوم العازب..ياميمون نام إعمل عجين الفلاحة.. وكان يضفى البسمة على وجوه الحاضرين بعدها يطوف على الحاضرين بالدف ويقلبه ليجمع فيه التبرعات لمن يريد أن يدفع وليس إجبارا. فكان يجمع ما يسد رمقه هو والقرد ميمون.
3-الأراجوز: اشتهرت هذه المهنة في مصر منذ أواخر العصر المملوكى (1250- 1517)، وكانت وسيلة للتسلية تستهدف الصغار والكبار في المناطق الريفية والشعبية، واستخدم للتعبير عن مشاكل المصريين الاجتماعية، ومن أشهر فناني الأراجوز في العصر الحديث الفنان محمود شكوكو ويرجح انتقال فن الأراجوز من مصر لتركيا عن طريق العثمانيين.
ويغير الأراجوزاتي، وهو الشخص الذي يحرك العرائس من الأسفل، صوته ويضع في فمه أداة يطلق عليها البعض "زمارة الأراجوز" يضعها فوق اللسان وتحديدًا في منتصف الحلق فيخرج منها صوت الأراجوز، ويختبئ اللاعب تحت مائدة أو وراء لوح من الخشب به مستطيل مفتوح لتحريك عرائسه.
أراجوز أو القراقوز وهناك من يسميها دمى متحركة هي كلمة ذات اصل تركي لكلمة "قره قوز" والتي تتكون من مقطعين هما "قره" بمعنى سوداء و" قوز " بمعنى عين، وبذلك يصبح المعنى العام لكلمة "قره قوز" هو "ذو العين السوداء" وذلك دلالة علي سوداوية النظر علي الحياة.
يتم التحكم في تحريك الدمية "الأراجوز"، عن طريق اليد حيث يستطيع اللاعب أن يحرك رأسه باصبع السبابة. وتختفى يد اللاعب كاملة داخل جلباب الأراجوز الأحمر. وهذه هي آلية تحريك دمية الأراجوز.
تقف عربة علي أربع عجلات وهي متنقلة بين الأحياء الشعبية حسب الموالد والأعياد وتكون النصوص الدرامية الخاصة بمسرح الأراجوز إما نصية أو ارتجالية، ويتناول الأراجوز موفقا دراميا أساسيا في معظم عروضه التمثيلية، وهو موقف غالبا ما يكون بسيطا ومتمثلا في أن الأراجوز يكون في حالة من السعادة والنشوة يعبر عنهما عن طريق القفشات والغناء مع صديقه "ويكون المساعد غالبا" ولكن لا يدوم هذا الحال ويلا، حيث يصطدم بشخصية مدعية في أغلب الأحوار تعكر صفوه.
نماذج الشخصيات في مسرح الأراجوز مثل "الاراجوز، زوجته، ابنه، الشحات، البربري، الحانوتي، الشاويش، الحرامي وغيرهم".