فتاة تبلغ من العمر 24 عاما، تشعر بالوحدة والاغتراب رغم حب الوالدين، وإغداقهما الحنان عليها فهى الابنة الأكبر، وبالرغم من أن والدها صديقا لها، وتقضى الوقت معه فى سعادة، قابلتها فى أحد الأيام فهى قريبة لإحدى الصديقات، وجدت على وجهها الوجوم ولا تشاركنا الحديث وكأنها تحيا فى عالم خاص، وانتهزت فرصة وجودنا بمفردنا بعض الوقت، حتى سألتها عن شرودها.
قالت" أنا تعبانة ومش قادرة أتكلم مع حد ولو الانتحار مش حرام كنت.."، وانهمرت فى البكاء فحاولت تهدئتها واستخراج الكلمات عما إذا كان هناك شئ بين علاقتها وأفراد أسرتها، فأنا أعرف أن علاقتها جيدة بهم وليست علاقة أبوة فقط بل صداقة، فاستكملت حديثها" بالعكس ماما دايما مشغولة عليا، وبتحاول تخرجنى من اللى أنا فيه، وبابا كمان بيحاول يفتح كلام معايا، بس أنا مش عارفة بحب أدخل أوضتى وأقعد أعيط لحد ما أنام، ومليش رغبة إنى أكلم حد".
فسألتها عن علاقتها بصديقاتها "أنا مليش غير اتنين صحاب بعزهم قوى، وهما اللى بقدر أتكلم معاهم، ومنهم واحدة اتجوزت من كام شهر، هى دى اللى كنت بترمى فى حضنها ومن غير ما أشعر ألاقينى باتكلم وأفضفض، كانت بتسأل عليا وتعرف اللى جوايا قبل ما أتكلم، ومن ساعة ما اتجوزت مش عارفة أشوفها بسبب جوزها كل ما نتفق على معاد ياخد هو إجازة ويقعد وميخلهاش تخرج معايا".
عندها أدركت أن أزمة تلك الفتاة تكمن فى فقد صديقتها، وعندها طلبت تفسيرا من دكتورة نهلة محمود استشارى الطب النفسى، لتعلق على تلك الحالة بقولها "هناك العديد من تلك الحالات تصادفنا دائما ونقف عندها بالتحليل، عندما تكون هناك مجموعة من الصديقات وتنشغل كل واحدة بحياتها الجديدة وتبقى واحدة من بين تلك "الشلة" وحيدة، فتجد أن لكل واحدة منهن حياة أخرى غير التى تعودت عليها بصحبة صديقتها، فالبيت والزوج والأولاد يملآن حياتهن، أما هى فما زالت تدور فى فلك الأسرة والعمل اللذان يصيبانها بالملل، فمهما كان دور الأهل فى ملء جزء كبير من حياة الأبناء يظل دور الصديقة التى كانت تشعر معها بالراحة والطمأنينة، وانطلاق الفتيات والحكى عن الغراميات، جزء لا يغنى عنه شئ.
وتابعت الدكتورة نهلة: بالإضافة إلى أن هذا النوع من الفتيات يكون حساس جدا ومرهف الحس على عكس ما يبدو منه فى إخفاء مشاعره، وعدم شغل الصديقة بحواديتها كما كانت تفعل سابقا، كما أن هناك نقطة نهمس بها فى أذن الزوج الذى يتحكم بزوجته ويفصلها عن صديقاتها، فليس هذا عدلا فله أصدقاءه الذين يقضى معهم الوقت ويفرج عن نفسه، فلماذا يمنع صديقات زوجته من الاتصال بها، وعادة ذلك الزوج يكون راسخا فى ذهنه أن الصديقات سيفسدن زوجته عليه.
ولذلك يجب احتواء تلك الفتاة بشكل مختلف بعيدا عن الإصرار فى إخراج الكلام منها، فتغيير الأجواء المحيطة بها داخل المنزل "بفسحة حلوة، ورحلة لمكان مفتوح"، قد يجعلها أكثر قدرة على الحكى، وإبلاغ الأم بأن فقد ابنتها لصديقتها قد يكون العامل الرئيسى فى حالتها النفسية علها تستطيع أن تشغل هذا الفراغ أو تقرب بينهما من جديد.