مجموعة من الصناع المهرة، تحمل ملامحهم عبارات عديدة تروي، قصص عن مهنة أشاد بها الجميع، حملت تاريخ أبناء دمياط حتى أصبحوا يمتلكون أسطول صيد ضخم، ينافس الأساطيل في العديد من الدول المتقدمة.
بناء السفن صناعة جعلت أبنائها في دمياط يتصدرون المراكز الأولى بين دول الشرق الأوسط وحوض النيل ليذاع صيتهم، كأمهر الصناع في المجال، بينما هي "المهنة" تلفظ أنفاسها الأخيرة كواحدة من الصناعات المهددة بالاندثار إذا بقي الحال على ما هو عليه.
منذ شروق الشمس يتوجه عمال صناعة السفن بمحافظة دمياط إلى منطقة "الطابية" بمدينة عزبة البرج لتبدأ رحلتهم اليومية مع رسائل البحر التي اعتادوا قراءتها كل يوم.. "أهل مصر" تجولت بين صناع تلك السفن، لمعرفة أسرار الصناعة وما يهددها..
يبدأ عبده صاحب الـ13 عامًا في تحضير الخامات، استعدادًا لبدء العمل، في الوقت الذي يقوم فيه الأسطى "كبير العمال" بتقسيم الأدوار على العاملين وتحديد المهام، فيما يتوجه "محمد الفنان" شاب فى العقد الثانى من العمر حاملًا السلالم الخشبية، وألونه ليبدأ عمله فى وضع المسات الأخيرة على السفن المصنعة.
"على بركة الله".. جملة بدأ بها الفنان عمله على متن إحدى السفن، والتي من المقرر أن تتجه إلى قبرص خلال أيام عقب الانتهاء من أعمال النحت الخاصة بها.
" بقالي 40 سنة بشتغل الشغلانة دي رغم إني محامي وهاورثها لابني من بعدي".. بهذه العبارة بدأ الحاج سيد أبو المعاطى أحد العاملين بصناعة بناء السفن بمدينة عزبة البرج حديثه مع "أهل مصر"، ساردا مدى حبه لتلك المهنة، مشيرا إلى أنه امتهن تلك المهنة عن أجداده مفضلا إياها عن المحاماة التي درسها بجامعة المنصورة.
وأضاف أبو المعاطي: "قدرنا من خلال حبنا للصناعة دي أننا نحتل مراكز متقدمة بين الدول"، مؤكدا أنه رغم التحديات التي تواجه تلك الصناعة إلا أنها مازالت محتفظة برونقها.
رغم كبر سنه، لازال أبو المعاطي يتذكر ''نرفانا''.. "كان أول يخت ليا"، موضحًا أنها صنعت لرجل أعمال أسباني، وتعد تحفة معمارية، فبرغم صناعته الفرنسية إلا أن أبناء دمياط استطاعوا أن يصنعوه مرة أخرى.
لحظات من الصمت سادت، قبل أن يستكمل "أبوالمعاطي حديثه: "تلك الصناعة في طريقها إلى الاندثار بسبب ما تعانى منه من إهمال، وعدم تطوير"، لافتًا إلى أنها لم تعد مثلما كانت قبلة شباب المدينة، الذين انصرفوا عنها بسبب فقر الموارد وقلة العمل وضعف اليوميات."بنتشغل 8 ساعات في اليوم وأحيانا 10 واللى حلمنا بيه حققناه".. كانت هذه كلمات أحد أصحاب ورش صناعة بناء السفن بدمياط، "أحمد الأتربي"، والذي واصل حديثه لـ"أهل مصر": "المهنة دى عندى أهم من أي حاجة تانية، وكلنا ليها بالفطرة فهي صناعة نادرة وقليل اللى بيشتغل فيها رغم أنها تضم أكثر من 20 حرفة أخرى مثل عمال الدهانات والحداثة والكهرباء"، مضيفا أن العامل الدمياطي تمكن من إثبات نفسه و"ده اللي حلمنا بيه".
وتابع الأتربي حديثه: "الآن بنتعامل مع قبرص واليونان وكافة الدول العربية والثقة دى جاية من جودة شغلنا".
''ديمترى'' قصة يخت يوناني بأيدي دمياطية.. كانت هذه هي الطريقة التى أعلن بها الأتربي عن أحد أعماله، والتي يستعد إلى إرسالها لليونان قائلا: ''نقدر نعمل تصميمات أحسن من أي مهندس ونحافظ فيها على الاتزان وده ميزنا كتير عن غيرنا".