يصطف الفرنسيون مجددًا الأحد في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، ليحسموا الاختيار بين الشاب القادم من خارج الأحزاب التقليدية إيمانويل ماكرون والسيدة اليمينية مارين لوبان.
وبدأت اليوم فترة الصمت الانتخابي التي تستمر حتى إغلاق مراكز الاقتراع مساء الأحد، وتشير آخر استطلاعات الرأي إلى أن ماكرون يتفوق على منافسته لوبان بنحو 20 نقطة على الأقل.
وتجري الانتخابات وسط حالة الطوارئ المعلنة في البلاد، وقد جرت الجولة الأولى بعد ثلاثة أيام من مقتل شرطي في الشانزليزيه في قلب باريس.
وسينشر نحو 50 ألف شرطي في عموم البلاد إلى جانب 7000 من عناصر الجيش المشاركين في عملية مكافحة الإرهاب التي بدأت بعد هجمات باريس في يناير 2017، بحسب وسائل الإعلام الفرنسية.
وستضح نتائج جولة الانتخابات الثانية مساء الأحد، لكنها ستعلن رسميًا من المجلس الدستوري الفرنسي في يوم الخميس 11 مايو.
وستنتهي فترة رئاسة الرئيس الحالي، فرانسوا هولاند، الأحد 14 من مايو، وهو آخر موعد ممكن لتسليم السلطة إلى خلفه وتنصيبه رسميًا كرئيس لفرنسا.
وجاء ماكرون ولوبان في مقدمة المرشحين الـ11 الذين شاركوا في الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة في فرنسا في 23 أبريل، في معركة تشبه في أوجه عديدة منها تلك التي اندلعت في واشنطن وأسفرت عن فوز دونالد ترامب.
واستعارت الانتخابات الفرنسية هذا العام مشاهد عديدة من الانتخابات الأمريكية يمكن إجمالها في عدة نقاط:
منافسة غير شريفة
تابع الفرنسيون بشغف وإثارة الانتخابات الأمريكية التي كانت الأعنف سياسيًا على الإطلاق، حيث تبادل الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية هيلاري كلينتون الاتهامات التي لو ثبت أي منها لكان أودى بصاحبه إلى السجن.
لكن لم يدرك الفرنسيون أنهم سيشهدون "أعنف شجار سياسي" خلال مناظرة جرت الأربعاء بين ماكرون ولوبان قبيل 3 أيام من الجولة الحاسمة.
وانتقدت مرشحة اليمين المتطرف ماكرون لدعمه "العولمة المتوحشة" في حين اتهمها المرشح الوسطي المؤيد لأوروبا بـ"الكذب" ونشر "الكراهية".
وقال كزافييه برويه، في صحيفة "ريبوبليكان لوران"، إن المناظرة لم ينقصها سوى "قفازات الملاكمة".
القرصنة
مثلما أثير خلال الانتخابات الأميركية، من اتهام لروسيا بقرصنة البريد الإلكتروني للمرشحة هيلاري كلينتون من أجل التأثير على شعبيتها، لصالح دونالد ترامب، فقد تعرض ماكرون لهجوم إلكتروني كبير ومنسق حسبما قال فريق حملته الانتخابية في وقت متأخر يوم الجمعة.
وقال فريقه في بيان، إنه تم تسريب وثائق يوم الجمعة كان تم الحصول عليها قبل عدة أسابيع عن طريق القرصنة على رسائل بريد إلكتروني خاصة بمسؤولين في حزبه "إلى الأمام".
وأوضحت الحملة أنه تم خلط هذه الرسائل مع وثائق مزورة من أجل "زرع الشك والتضليل"، مضيفة أنها محاولة "لزعزعة استقرار الانتخابات الرئاسية الفرنسية" على غرار ما حدث في الولايات المتحدة.
وكانت مخاوف أثيرت قبيل الانتخابات من تدخل روسي عبر القرصنة للتأثير على أحد المرشحين ودعم آخر.
ونفت موسكو أي تدخل لها في الانتخابات الفرنسية والانتخابات الأميركية.
وقال مراقبون إن روسيا التي أبدى رئيسها إعجابا بدونالد ترامب خلال حملة الأخير الانتخابية، ترغب في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غرب أوروبا حيث تتقاطع مصالحها مع موسكو في بعض الملفات المهمة.
سيدة تسير على نهج ترامب
جرى السباق الرئاسي الفرنسي تحت هيمنة "ظاهرة ترامب"، فالرئيس الأميركي، اتخذ من التمرد على المؤسسات السياسية القائمة في واشنطن نهجا لحملته وهاجم وسائل الإعلام والنخبة المثقفة، وأبدى شكوكا في استمرار التعاون مع حلف الأطلسي.
ولوبان التي أظهرت إعجابها بترامب، سارت تقريبا على نفس النهج، حيث دخلت في صراع مع وسائل الإعلام وشككت في استمرار فرنسا بالاتحاد الأوروبي، وتريد سحب بلادها من حلف الأطلسي، وتخشى النخبة الفرنسية من تكرار السيناريو الأميركي.
فزاعة المهاجرين
مثلت قضية المهاجرين لب الحملات الانتخابية في واشنطن وباريس، فبينما كان ترامب يلقي باللوم على سياسيات الهجرة في انتشار الإرهاب والبطالة، تدعو لوبان لمنع المهاجرين خاصة من أصول مسلمة وحذرت في مناسبات عدة من استقبال فرنسا للاجئين حيث ترى ذلك خطرا على الثقافة الفرنسية وأمن البلاد.
وناشد ساسة فرنسيون على اختلاف انتماءاتهم الشعب بعدم التصويت للوبان، محذرين من انهيار القيم الفرنسية القائمة على الحرية والتعددية.
خارج الأحزاب التقليدية
يأتي ماكرون ولوبان من خارج الحزبين التقليديين وهما حزب الجمهوريين والحزب الاشتراكي، حيث يرأس الأول حزب "إلى الأمام" الوسطي، وترأس الثانية حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف.
ورغم مجيء الرئيس الأميركي الحالي من رحم الحزب الجمهوري، فإن الكثيرين يعتبرونه وافدًا على الحزب، كونه رجل أعمال لم يشارك في أي انتخابات، يجعله خارج الساحة السياسية التقليدية.
سيدة مرشحة
السباق الفرنسي يشبه سابقه الأميركي في وجود سيدة مرشحة تطمح في الرئاسة، فعلى غرار هيلاري كلينتون التي كانت تطمح في دخول التاريخ كأول رئيسة للولايات المتحدة، تريد لوبان أن تحقق الإنجاز الذي فشلت فيه كلينتون، وأن تتربع على عرش الإليزيه كأول رئيسة للجمهورية الفرنسية.
العائلة تحت الضوء
بينما كانت زوجة الرئيس الأميركي ميلانيا ترامب وابنته إيفانكا حديث وسائل الإعلام الأميركية، تحتل بريجيت ماكرون عناوين الصحف والأخبار كونها المعلمة التي تزوجت تلميذها الذي يصغرها بأربعة وعشرين عاما.
استطلاعات الرأي
بالرغم من أن استطلاعات الرأي هي مؤشر تقليدي مهم في الانتخابات، فإن انهيار مصداقية الاستطلاعات في الولايات المتحدة بعدما أعطت كلينتون الأفضلية بينما فاز ترامب بالسباق، أرخت ظلالا من الشكوك في باريس تجاه استطلاعات آراء الفرنسيين قبل موعد الجولة الحاسمة.
وبناء على المناظرة التليفزيونية بين ماكرون ولوبان، ذهبت الاستطلاعات في صف ماكرون حيث رأى غالبية المستطلع آرائهم أن ماكرون كان أكثر إقناعا.
لكن التجربة الأميركية تقول إن الخطاب الشعبوي يجد حظوة بين كثيرين لا تشملهم عادة الاستطلاعات ويفضلون الإدلاء برأيهم في الصناديق فقط، وهو ما يجعل من انتخابات الإليزيه حابسة للأنفاس هذه المرة.