حكايات الملوك والمشاهير في الحمامات الشعبية.. نظيف زار "حمام عوكل" قبل زفافه بومين.. "أم السعد" حبيبة العرائس وعدوة الحكومة

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

"الحمامات الشعبية".. هى مراكز التجميل النسائية فى الماضى، تراجع الإقبال عليها بعدما كانت المكان الوحيد الذى تستعد فيه العروس لزفافها، وكذلك صديقاتها، وعلى الرغم من معمارها المُشبع بالتراث ومكوناتها التقليدية البسيطة، إلا أنها لن تعد مقصدًا للعرائس المقبلات على الزواج، والنساء الراغبات فى الحفاظ على جمالهن، فضلًا عمن يبحثون عن علاج لآلام العظام.

وارتبطت الحمامات الشعبية منذ بداية ظهورها بتجهيز العرائس، سواء الرجال أو النساء استعدادًا ليوم الزفاف، حيث تختص هذه الحمامات بما يطلق عليه صنفرة الجسد والبشرة، لتصبح براقة وأقرب إلى بشرة الأطفال، يميزها النعومة والحمرة التى تنبع من نظافة قوية ومؤثرة، بالإضافة لتعطير الجسم عن طريق مسحوق الترمس الشهير.

وكانت تقرع الدفوف عند خروج العروس أو العريس من الحمام، دليل اقتراب موعد الزفاف ودخول القفص الذهبى، ويشارك فى هذه الزفة الشعبية أصدقاء الطرفين، بالإضافة للأهل والأقارب، ولكن تلاشت هذه الظواهر، ولم تعد كما كانت فى الماضى بسبب ظهور مراكز التجميل والجراحات ومعطرات الجسد المستوردة.

فى العصر الحديث تبدل حال الحمامات وتحولت لأماكن مشبوهة، حتى أصبح معظم القائمين عليها من المسجلين خطر والخارجين عن القانون.

- حمام "أم السعد" .. قصة إمرأة "حبيبة العرائس" وعدوة الحكومة

أشهر حمام فى الحمامات الشعبية القليلة الموجودة فى القاهرة هو حمام باب الشعرية، الذى يقع فى زقاق يتسع بالكاد لدخول عربات الكارو أو سيارة لا يخشى صاحبها أن تصاب بمكروه، والحمام يتميز بمعمار قديم ويتبع وزارة الآثار على حد تصريح "أم السعد" التى تدير المكان، بعدما انفصلت عن زوجها، الذى مات لاحقًا فى خناقة بينه وبين بلطجى شهير بالمنطقة.

"أم السعد" لديها من الفتيات 4، بالإضافة لفتاة ترعاها هى ابنة أخت غير شقيقة لها رحلت وتركتها "لحمة حمرا"، وكلهن يعملن فى الحمام، ولم يتلقين التعليم عدا فتاة واحدة حصلت على الشهادة الإعدادية، وهى المتعلمة الوحيدة فى أسرة حمام "أم السعد"، وهى "تفك الخط" وتقرأ إيصالات الكهرباء فى البيت والمياه، حيث إن الحمام لا يسدد أى من هذه الاشياء، لأنه مفترض أن تتم إزالته، ولكنها وقفت فى وجه "لودر" الحكومة فمنعتهم من إزالته، وهو السبب الذى تم القبض عليها بسببه، فأصبحت مجرمة ولها سجل "تم تلفيقه" على حد قولها.

وعن الجرائم الموجودة فى السجل الملفق - كما تزعم - قالت إنها مخدرات وتسهيل دعارة، وهى لا تهتم وكذلك زبائنها، لأنهم عدد قليل، ولكن من طبقات عالية يأتون بغرض النظافة التى لا توفرها مراكز التجميل الحديثة بكل عطورهم ومرطبات البشرة التى تساوى آلاف، لأنها ستظل هى أصل النظافة، وأن السيدة أو الفتاة التى لا تمر بحمامها كل شهر على الأكثر تكون غير صالحة للزواج، حسب قولها.

المسلخ

يتكون الحمام من مسلخ، وهو مكان يتصاعد منه البخار من مغطس مائى مستدير إلى أعلى، حيث توجد فوهة للتهوية، وفيه يتصاعد بخار الماء بغرض تعريض الجسد له، ليضعف ما يتعلق بالجلد من طبقات للجلد الميت، وهو مكان يحيط به مقاعد رخامية قديمة التصميم.

وبجوارها تقع غرف التكييس، وهى غرف بها مقاعد عريضة رخامية وخشبية لتدليك الجسم بالمواد، التى تزيل الجلد الميت بطبقاته وتزيل الأوساخ العميقة، ويتم هذا باستخدام زيوت ومواد خشنة بعض الشىء.

وأخيرًا غرف الاستراحة، وهى من أجل وضع الماسكات المختلفة على الجسم والماسكات تريح البشرة وتجعل لونها ورديًا، وفيها يرتاح الشخص من مجهود التعرض للبخار والتدليك وفرك جسده بالكامل، وكأنها جلسة مساج كاملة، بالإضافة إلى الماسكات الخاصة بالجسم.

- حمام الملاطيلى.. حلم الملطى باشا الذى سكنه الشواذ

تؤكد أم السعد أن "حمام الملاطيلى"، الذى يقع بجوارها أطلق عليه ذلك الاسم، لأنه كان مكان تصوير الفيلم الشهير الذى اتخذ من اسمه عنوانًا لفيلم عربى مصرى شهير فى فترة السبعينيات، ألقى الضوء على ظاهرة الشذوذ، لكن التسمية الحقيقية ترجع إلى الملطى باشا، أحد رواد الحمام.

والحمام الشهير عبارة عن بناء قديم من العصر العثمانى، يمتاز بجدران ضخمة عالية وفتحات تهوية على طراز معمارى منظم، ولا يخلو من أشكال هندسية أينما ذهبت داخله.

الأسعار.. حسب الطلب

أما عن الأسعار، فالعروسان لهما أسعار خاصة، وبالتالى خدمة مختلفة، حيث تدفع العروس من 200 إلى 250 جنيه للاهتمام بها وببشرتها قبل الزفاف، ويتم استخدام ماسكات الترمس وماء الورد وحمامات مغربية من صناعة اليد، ولا يوجد أى مواد كيماوية تستخدم داخل الحمام الشعبى، بينما يتكلف العريس ما بين 150 و250 جنيه، ويتم الاهتمام ببشرته وجسده ووضع ماسكات خاصة بنعومة البشرة والشعر وتصفيف لشعر الجسم والرأس وحتى الحواجب.

أما من يرتاد الحمام للنظافة فقط فهو يدفع بين 60 و 80 جنيهًا، حسب المطلوب، ولكن الحد الأدنى هنا 60 جنيهًا، بالإضافة للإكراميات التى تدفعها السيدات حسب درجة رضاهن عن الخدمة والنتيجة التى تخرج بها، وإن كانت الإكرامية أو البقشيش هنا إجباريًا، وهو ما تحاول الفتيات العاملات بالداخل، لأن توصله لرواد المكان فى رسائل دائمة طوال خدمتهن، حتى لا يتعرضن للمشكلات عند الخروج.

- شويكار ومديحة كامل ..أشهر الزبائن

تؤكد "أم السعد" أنها صادفت كثيرًا من النجوم والمشاهير فى حمامها حين كانت أصغر بالعمر، فكانت شويكار من ضمن زبائنها فى الماضى، وكانت جميلة وكريمة وتحب الضحك، وفقا لقولها، وإن كانت لم ترها تدخن من قبل، لأن التدخين داخل المكان بمثابة اختناق رسمى، لأن التهوية قليلة بسبب البخار المنبعث من المغطس، ولكنها كانت تشاهدها تدخن فى الأفلام.

كما كانت مديحة كامل ومديحة يسرى من زبائنها، وكذلك كثير من الراقصات اللاتى اعتزلن حاليًا، مثل هندية وزيزى مصطفى، لافتة أن هذا الحمام فى الأصل كان يتبع الملك وكل زبائنه كانت الحاشية الخاصة بالملك، ولكن الزمن أصبح مختلفًا.

- حمام عوكل.. استراحة العادلى وعادل إمام ونظيف زاره قبل الزاوج

يقع فى منطقة بولاق أبو العلا، تلك المنطقة التاريخية التى تكتظ بالسكان لكونها منطقة شعبية، على الرغم من أنها تقع على كورنيش النيل ومن حولها عدد من الفنادق العالمية.

عندما ذهبنا إلى مكان الحمام كنا نتوقع أن يكون المكان حالته رثة، لكن ما أثار دهشتنا هو الديكور الذى وجدنا عليه واجهته مبنى الحمام، فأنت لا يمكنك أن تعرف أن المبنى الذى تقف أمامه هذا حمام شعبى من روعة الديكور الذى صمم على بهو المكان، والذى أخذ الطراز الفاطمى وبعض من الرسومات الفرعونية، ولافتة كبيرة تحمل اسم حمام عوكل.

بعد العبور إلى المدخل الرئيسى للحمام، هبطنا أكثر من 20 درجة من السلالم الحجرية وكأننا نهبط إلى عالم آخر يعود بنا إلى أكثر من 2000 عام، فرائحة التاريخ وملامحة تجلت على كل شىء من حولك، الحوائط والسلالم بنيت من الحجر الجيرى العملاق، وما إن دلفنا إلى المكان تملكنا شعور غريب وكأنك تسير فى آلة الزمن، فكل شىء من حولك يحمل رائحة خاصة تدل على عبق التاريخ، وكانت هناك نافورة مياه تتوسط المكان ومن حولها عدد من المقاعد الحجرية خصصت لجلوس الزائرين.

وأثناء السير وقعت أعيننا على مكتب تجلس خلفه إمرأة كبيرة ترتسم على ملامحها علامات الزمان الذى أعطاها خبرة بالحديث، عرفنا أنها من تدير المكان، الحاجة "أم عمر" والتى قالت لنا: هذا الحمام ملك لأخى الحاج عوكل، وهو من قام باستئجاره من ورثته الذين توارثوه من أجدادهم، لم يكن هذا المكان على هذا الشكل قبل أن نستأجره من أصحابه، بل لم يكن حتى يصلح كمأوى للحيوانات.

وأوضحت "أم عمر" أن هذا الحمام لا يقتصرعلى السيدات فقط، فهو أيضًا للرجال، ويعمل على مدار 24 ساعة كاملة، تبدأ من الساعة 6 صباحًا حتى الساعة 6 مساء للسيدات، ويكون كل العاملين فى هذه الفترة سيدات فقط، ثم تبدأ الفترة الثانية من الساعة 6 مساء حتى الساعة 6 صباحًا للرجال، والعاملين بهذه الفترة رجال فقط، مستطردة: الأسعار هنا ليست مرتفعة، فالبرنامج العادى 60 جنيهًا و 120 جنيهًا للعروس، لأن لها برنامجًا خاصًا للاعتناء بها دون غيرها من السيدات الأخريات، وتكون غالبًا بالحجز قبل موعد زفافها بيومين على الأقل، ولا يقتصر الحمام فقط على غرض الاستحمام، بل يوجد كوافير للسيدات لعمل كل أشكال التجميل لها بعد الاستحمام، وكذلك رسم الحناء على الجسم، فتخرج السيدة من هنا و كأنها عروس.

وكشفت لنا العاملة أن جسد العروس يدهن بخلطة قديمة، تم اكتشافها من المخطوطات الفرعونية القديمة والخاصة بالتجميل، ثم بعدها تذهب السيدة لعمل حمام معطر للجسم يستخدم فيه عدد من الزيوت الطبيعية ذات الرائحة النفاذة.

ولفتت أم عمرو إلى أن حبيب العادلى وزير الداخلية الهارب وعادل أمام كانا من أشهر الزبائن، كما كشفت عن أن الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق زار الحمام قبيل الزواج.

- حمام بشتاك.. الصندوق الأسود لشارع السلاح

من الحمامات الشعبية التراثية القديمة التى شيدت فى العصر المملوكى البحرى، وبالتحديد فى 742هـ ـ 1341م.

أنشأه الأمير بشتاك الناصرى أحد أمراء الناصر محمد بن قلاوون، قرب قصره فى شارع سوق السلاح بمنطقة الدرب الأحمر، الواقعة بحى غرب القاهرة.

وتسبب الإهمال فى تحوله من مزار سياحى يقصده الأجانب للاستحمام والاستشفاء الطبى، إلى مرتع للمخلفات وملاذ للحيوانات الضالة، قضت على تاريخ طويل، حتى أعلن محافظ القاهرة فى يناير 2016 إدراجه ضمن العقارات ذات الطراز المعمارى المتميز لإعادة تأهيله وترميمه والحفاظ عليه، نظرًا لأهميته التاريخية والمعمارية.

-الحمام المؤيدى.. أطلال تنعى عصر الازدهار

لم ينل حمام السلطان المؤيد شيخ المحمودى من شهرة صاحبه، كالتى اكتسبها مسجد المؤيد، أحد مساجد القاهرة القديمة، إذ تهتم وزارتا الآثار والأوقاف بالمسجد القديم فى حين طمس الإهمال معالم الحمام بين شوارع الغوية بمنقطة الحسين.

أنشأ السلطان المؤيد شيخ المحمودى من المماليك الجراكسة (البرجيين)، حمامه عام 823هـ/1420م، فى حارة الجداوى من شارع المعز لدين الله، وهى الحقبة التى ازدهر فيها بناء الحمامات العامة فى مصر على الطراز المملوكى ، الذى يهتم بالقبب البارزة.

ولم يتبق من الحمام المتهالك سوى المسلخ الرخامى بعدما سقطت قبته على مدار السنوات الأخيرة، وأدرجته وزارة الآثار ضمن خطتها لتطوير الأثريات القديمة.

- حمام إينال.. "اللى اختشوا ماتوا"

يعد حمام السلطان الأشرف إينال الواقع بشارع المعز لدين الله، من أشهر الحمامات العثمانية التى بنيت قبل 700 عام، وتحديدًا عام 861 هجرية -1456م.

أغلقه قطاع الآثار الإسلامى، وتم تحويله إلى مزار سياحى ليخلد مظاهر حياة العثمانيين.

يتفرد "إينال" عن الحمامات الأخرى بأشهر قصص المصريين عن الحمامات الشعبية، فمنه خرج المثل الشعبى الشهير "اللى اختشوا ماتوا"، حين فرت الفتيات وهن عاريات بعد اندلاع حريق فى الحمام، حتى أصبح الحمام للسيدات فقط بعد أن كان للجنسين فى آن واحد.

- حمام السكرية.. جريمة وزارة الآثار المنسية

يقع بالقرب من حمام المؤيد شيخ، يقع حمام السكرية مجاورًا باب زويلة بنهاية شارع المعز، وهو الحمام الذى أنشأه القاضى الفاضل عبدالرحيم بن على البيسانى فى القرن 18.

لا يختلف حاله عن بقية الحمامات الأثرية القديمة التى احتلتها الحيوانات النافقة والكلاب الضالّة.

ولم تتحرك وزارة الآثار لإنقاذه من الهدم والبناء المخالف حوله فى المنطقة الشعبية بحى الجمالية.

-حمام الطمبلى.. قاهر التيفود

أقامته الأميرة نفيسة الطمبلى فى منتصف القرن الثانى عشر الهجرى، فى حى باب الشعرية، فى عهد السطان إينال اليوسفى، وكان الحمام مخصصاً للنساء فقط فى البداية ثم فتح أبوابه للجنسين.

وذكر بعض المؤرخين أن الحكومة استخدمت حمام الطمبلى من 1940 إلى 1945، للقضاء على مرض التيفوئيد، فكان العسكر يجبرون الناس على دخول الحمام والاستحمام والحصول على مطهر من المرض.

لم يسلم الحمام من مصير الإهمال الذى طال معظم الحمامات الأخرى، فانهارت طوابقه والبيوت المجاورة له فى غياب وزارة الآثار.

نقلا عن العدد الورقي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً