لم تكن شيريهان، الفتاة صاحبة العشرين عامًا، تعلم وهى تسير داخل ذلك المستشفى أنها تخطو خطواتها الأخيرة فى الحياة، فحلم التخلص من مشكلتها الأكبر، والحصول على وزن مثالى، كالفنانات وعارضات الأزياء، أصبح لديها هوسًا، مثلها مثل غيرها من فتيات الجيل اللاتى أغرتهن إعلانات التلفاز ومسلسلاته التى تظهر فيها الفتاة مثالية، فتجذب القلوب والعقول، فالتحقت بطوابير الانتظار أمام عيادة الطبيب الشهير، منتظرة دورها فى العملية، إلا أن حلمها اصطدم بواقع الموت، فتوقف وتوقف معه قلبها للنهاية، ولم تكن الضحية الوحيدة لهذه العمليات.
انتشرت موضة السعى وراء عمليات تدبيس المعدة والتخسيس، بشكل مبالغ فيه، بدأ منذ أكثر من عقد ونصف، ولم تنتهِ بعد، فجنون الحصول على مظهر لائق يشبه أبطال الشاشات، سيطر على الكثيرين، منهم من أراد أن يصبح مثل نجمه المفضل، ومنهم من أراد أن يتخلص فعليًا من وزن زائد، ليكمل حياته دون معوقات، وتحتل مصر مركزًا متقدمًا ضمن أكثر دول العالم تعرضًا للسمنة المفرطة، فحسبما كشفت مناقشات المؤتمر الثالث عشر للجمعية المصرية لجراحات منظار البطن، فإن السمنة فى مصر تنتشر بنسبة 55% بين النساء و 35% بين الرجال، كما تحتل مصر المركز الثالث بعد الإمارات والكويت فى نسبة مرضى السمنة المفرطة، على مستوى الدول العربية، وكلما زادت نسبة السمنة فى مصر زاد ضحايا عمليات التخسيس، فى ظل عدم الرقابة من المسؤولين بنقابة الأطباء ووزارة الصحة.
- ملف الموت
تفتح "أهل مصر" ملف ضحايا عمليات التخسيس بمختلف مراحلها، من تدبيس للمعدة أو قص لبعض السنتيمترات منها أو حتى عملية تحويل المسار، حيث وقعت تحت إيدينا شهادات لضحايا كثر، رغبوا فى الحياة فكاد عزرائيل أن يخطف أعمارهم فى عيادات جراحى التجميل والتخسيس.
والبداية جاءت مع شكاوى متكررة من الدكتور "ع. ع. ا"، أستاذ الجراحة بمستشفى أحمد ماهر، والذى تكرر إجراؤه لعمليات تدبيس المعدة واستغلاله للمستشفى الحكومى، فى أغراض خاصة، حسبما ذكر كثير من الشهادات التى عرضت.
ميرفت سعيد ، قصت أن والدتها، إحدى ضحايا الدكتور "ع. ع"، المتخصص فى أمرض السمنة والتخسيس، حيث أقنعتها جارتها بالتعامل معه، لأنه "ممتاز" وثمن العملية لا يكلف أكثر من خمسة وعشرين ألف جنيه، فذهبت إليه واتفق معها على إجراء عملية جراحية فى مستشفى أحمد ماهر التعليمى، منذ خمس سنوات، وأجرتها بالفعل، إلا أنها تعرضت لمضاعفات خطيرة، فاحتبست المياه داخل معدتها، ولم تتقبل المعدة الطعام، فأصيبت بحالة مستمرة من القىء.
وتتابع: "أرسلنا للطبيب المذكور ليستقدمنا إلى عيادته ويجرى لها منظارًا، لم يأتِ بأية نتائج، فأرسلها لمستشفى أحمد ماهر لإجراء منظار آخر، بعد رفضه إجراء العملية الثانية داخل مستشفاه، وسحبه جميع أوراق العملية بحجة مراجعتها، وتسجيل الحالة بمستشفى أحمد ماهر.
وأضافت الابنة أن والدتها أجرت العملية الثانية، بالمستشفى، ولم تستمر على قيد الحياة بعدها سوى يوم واحد فقط، لتخرج شهادة الوفاة من المستشفى مبررة أنها بسبب "جلطة على الرئة"، بعدها توجهنا لمستشفى الطبيب الخاص، للاستفسار عن سبب الوفاة بعد إجراء العملية الأولى بشهر ونصف فقط، وحدثت مشادة بيننا، فهددنا بسلطته وبأنه سيتم استخراج الجثمان، وتشريحه، وهى إهانة لحرمة الميت، فرضخنا.
وأشارت الابنة إلى أن لقب "الجزار" مناسب له تمامًا، وأن شقيقتها أجرت مداخلة هاتفية على إحدى القنوات الفضائية هذا الأسبوع، لتفضح أفعال الطبيب، إلا أن المذيع عاملها بطريقة سيئة، قائلًا: "أنتم تروحوا تعملوا اللى تعملوه والآخر جايين تشتكوا".
وأشارت ابنة الضحية إلى عدم قدرتهم على رفع قضية حتى الآن، حيث إن جميع أوراق العملية تمت سرقتها منهم، ولم يتحصلوا سوى على شهادة الوفاة والتى خرجت بسبب غير سبب الوفاة، متهمة إدارة مستشفى أحمد ماهر بالتواطؤ مع الطبيب المذكور.
واختتمت: "لم ينج أحد ممن أجرى لهم الطبيب العملية، جميعهم موتى أو أصحاب إصابات دائمة، وأنصح من يفكر بألا يتجه إليه ثانية، وحسبنا الله فى كل مسؤول يترك مثل هؤلاء دون رقيب، فتكون الضحية حيوات ذوينا".
ولم تكن تلك الحالة الوحيدة التى صادفتنا تتحدث عن مخالفات الطبيب نفسه، فذكرت مى محمد، أنها أجرت عملية تدبيس المعدة على يد الدكتور "ع. ع."، منذ 13 عامًا فى بداية "هوجة" تلك العمليات فى مصر، مضيفة أنها كانت طفلة لم تتجاوز الثالثة عشر من عمرها وقتها، وكانت زائدة فى الوزن بشكل كبير، ما اضطر والدتها إلى توفير مبلغ خمسة آلاف جنيه، وإجراء العملية لدى الطبيب، والذى كان يجريها فى مستشفى أحمد ماهر، وقصت أنها يوم أن ذهبت لتجرى عمليتها فوجئت بتسع عشرة حالة أخرى، تصطف منتظرة دورها، بمعنى أن الطبيب أجرى عشرين عملية فى يوم واحد.
وأضافت الضحية أنه بعد إجرائها للعملية، ساءت حالتها بشكل كبير، فلم تكمل شهرًا وبدأ الجُرح بالمعدة فى النزيف، وحدث "فتق"، وتعرضت لمرض الصفراء، ولم تفق من مضاعفات العملية حتى يومنا هذا، حيث ذهبت إليه بعد العملية بشهر، فأخبرنا أنه لابد من إجراء عملية أخرى لإزالة حصوات المرارة ثم رد "الفتق"، وبعد كل تلك الإجراءات لم تخسر شيئًا من وزنها، فاستشارته فوصف لها نوعًا من العلاج، استمرت عليه مدة ثلاث سنوات، إلا أن له آثار سلبية سيئة أدت إلى إجرائى أربع عمليات أخرى، وما زلت أنتظر الخامسة.
وأشارت إلى أنها يتيمة ولم يكن معها سوى والدتها، لذا لم تقم بتقديم أى محضر أو قضية ضد الطبيب المذكور، كما أنه سرق جميع أوراق العملية من إيصال دفع، وأشعة وتحاليل وغيرها، فلم يعد لديهم إثبات لاتهامه.
وليس الطبيب "ع. ع" وحده، من أطلق عليه المرضى لقب "الجزار"، فهناك ضحايا اتهموا الدكتور "ى .ا"، والكائنة عيادته بميدان الجيش، بتعريض حياتهم للخطر، وذكرت شقيقة إحدى الضحايا - تعمل رقيبة بالتليفزيون المصرى- قصتها مع الطبيب، فقالت: إن الماسأة بدأت فى 2015، حينما قابلت الطبيب المذكور فى عزاء صديقة لها، وأقنعها بعملية تريحها نهائيًا من الوزن الزائد، وبالفعل اقتنعت وأجرت عملية "تحويل مسار"، فى يوم 19 يناير 2015، ودخلت فى حالة مرضية سيئة، لدرجة أن الأطباء عجزوا عن تفسير سببها، وتم تحويلها إلى مستشفى الجلاء العسكرى، مضيفة أن شقيقتها أصيبت بتهتك فى الأعصاب وعدم القدرة على الحركة، وعند عرضها على أطباء المستشفى العسكرى، أمروا بإخراجها مبررين أن الوحيد القادر على فهم حالتها هو الطبيب الذى أجرى العملية لها، بعدها حولوها إلى مستشفى آخر، لـ "فك خيط الجراحة"، لتجد أن مشكلة جديدة بدأت وهى حدوث "تسريب" فى المعدة من الجرح.
وأكملت: "وجدنا بعد ذلك زيادة غير طبيعية فى كمية السوائل التى تخرج من جسدها، ليرغم الطبيب على فتح الجرح لتنظيفه ويجد اللون الأخضر مسيطرًا داخل المعدة، بعدها بدأت حالة من التوهان والضعف، وارتفعت نسبة الأمونيا فى الدم، وأيضًا وظائف الكبد والكلى"، مضيفة أنه تم تحويلهم للدكتور عوض الكيال، أستاذ الجراحة العامة بجامعة عين شمس، وقتها، الذى شخّص الحالة بأنها حالة تسريب وجفاف شديدة، واكتشف أن الدكتور "الجزار" قام بتوصيل المعدة بالأمعاء بدلا من توصيل المعدة بالمعدة، واكتشف تهتكًا بالأمعاء ووجود صديد فى الدم، ليحاول إصلاح الموقف، لكن بدون فائدة.
وأضافت أنهم تقدموا بشكوى إلى نقابة الأطباء ومنطقة العلاج الحر برقم 1710 بتاريخ 22 مارس 2016، وكانت شكوى جماعية من 5 حالات أخرى حدثت معها المشكلة نفسها، منها اثنتان فى حالة سيئة و3 آخرين توفوا، وكل هذه الحالات حررت محاضر وشكاوى فى النيابة ونقابة الأطباء ولم نجد أى تحرك ضد هذا الطبيب وما زال المرضى يتوافدون عليه رغم كل ماحدث.
وردًا على ما سبق، قال الدكتور هانى مهنا، عضو مجلس نقابة الأطباء: إن الطبيب المخالف تتم محاسبته أمام الجهات القضائية، إضافة إلى حسابه الداخلى أمام لجنة آداب المهنة، إحدى لجان النقابة العامة لأطباء مصر، مضيفًا أن المتضرر يلجأ إليها بعد التعرض للمشكلة، فيقوم صاحب الحق بتقديم إفادة بالمشكلة أمام اللجنة فى مقر النقابة أو عبر البريد الإلكترونى، وما يثبت مخالفة الطبيب أو المستشفى أو العيادة، بعدها تبدأ النقابة بالتحقيق فى الموضوع، وترسل إلى كل الأطراف للاستجواب.
وأضاف "مهنا" أن العقوبات التى تقرها النقابة، متدرجة من الغرامة المالية، إلى لفت النظر، مرورًا بوقف القيد مدة 3 أشهر، فعام، وصولًا بشطب الطبيب من النقابة وهى العقوبة الأكبر والنهائية، وتعنى عدم ممارسة الطبيب للمهنة مرة أخرى، ورد عضو نقابة الأطباء على شهادات الحالات التى ذكرناها بالتحقيق، وشكاواهم من أكثر من طبيب، قائلًا: إنه وفى الفترة الأخيرة ظهرت شكاوى كثيرة، من شتى الأماكن المختلفة، معظمها "كيدية"، قائلًا: "أصبحنا لا نعتد بأى شكوى لا يأتى صاحبها بنفسه لتقديمها، مع تقديم مستندات تثبت صحة أقواله، وإن لم يتم ذلك فلن تتحرك النقابة، لأن الدليل والحجة ستكون غائبة، لذا سنعتبر الأمر كأن شيئًا لم يكن".
نقلا عن العدد الورقي.