44 عامًا على حرب أكتوبر، ورائحة الانتصار لازالت تتصاعد من كل بقعة من بقاع أرض مصر الغالية، على رأسها أرض سيناء، التي رويت بالدماء التي تحمل كل قطرة منها حبًا للوطن وتضحية من أجله، وخلال حرب 1973 التي شارك فيها العديد من أبناء مصر، رأى المقاتلين المصريين العديد من المشاهد التي جسدت مدى ضعف أسلحة القوات الإسرائيلية بالرغم من حدثتها أمام عزيمة ورغبة الشعب المصري في تحرير بلاده من يد العدو.
بعد انتهاء الحرب وعودة سيناء إلى مصر ماعدا طابا، ظلت حكايات الأبطال المشاركين في الحرب تتناقل بين أفراد المجتمع، وفي الدول العربية بشكلًا عام، ولشدة الحرب التي دارت بين مصر وإسرائيل، والموت الذي عاشه المقاتلين المصريين في كل ثانية بهذه الحرب، ولضخامة الحرب ورغبة المصريين في معرفة كل تفاصيلها، قرر عدد من المشاركين في حرب أكتوبر 1973 كتابة مذكراتهم حول كا ما دار في الحرب، ونشرها في كتب، منهم الفريق سعد الدين الشاذلى، والمشير عبد الغني الجمسي.
وفي مذكرات المشير عبد الغني، حاول أن يجسد كل ما حدث في حرب أكتوبر، عاكسًا رغبة الجيش المصري من تلك الحرب، فقال: "كانت مصر تهدف من هذه الحرب إصابة آلة الحرب الإسرائيلية في سيناء، بقدر مؤثر من الدمار في الأسلحة والمعدات والتحصينات، فضلًا عن خسائر الأفراد، يكون كافيًا لأقناع إسرائيل بأن بقاءها في الأرض العربية المحتلة سوف يكلفها ثمنًا غاليًا"، مضيفًا: "ليس فقط في حجم الخسائر التي ستتكبدها وما لذلك من آثار نفسية سيئة على القوات المسلحة الإسرائيلية وعلى الشعب الإسرائيلي، ولكن كذلك في حجم القوات التي ستضطر إلى الاحتفاظ بها في سيناء وما يتطلبه ذلك من تعبئة لفترات طويلة وآثار اقتصادية ضارة على إسرائيل".
في كل عام يتوجه رئيس جمهورية مصر إلى زيارة قبر الجندي المجهول، ويذكر عبد الغني في مذكراته: "بعد انتهاء حرب أكتوبر 1973 كنت أعمل رئيسًا للأركان واقترح الجهاز الإداري المختص إطلاق (يوم الشهيد) على أحد أيام حرب أكتوبر"، مضيفًا: "رفضت هذا الاقتراح على أن تفتتح احتفالات أكتوبر بزيارة قبر الجندي المجهول رمزًا لكل شهيد".
وفي مذكرات سعد الدين الشاذلي، يروي أن تجهيز الجيش المصري وتطويره لم يتوقف منذ هزيمة 1967 إلى أن تم تجهيز الجيش عام 1973، ويذكر حول خطة التعبئة: "خطة التعبئة العامة في مصر حتى منتصف 1972 كانت تعتبر من أسوأ الخطط في العالم، وكان ذلك لعدة أسباب: (عدم توافر السلاح، حيث لم يكن يكفي احتياجات القوات العاملة، والسبب الثاني فهو اضطرار الجيش إلى الاحتفاظ بقوات أرضية كبيرة في الجيش العامل، لحماية أهدفنا في العمق ضد العدو المنقولة جوًا وبحرًا، نتيجة السيطرة الجوية للعدو".وبحلول منتصف 1972، أمر الرئيس الراحل أنور السادات بسحب الوحدات السوفيتية من قوات الدفاع الجوي، ويقول الشاذلي في مذكراته: "في منتصف عام 1972 كان من الممكن القول أن الدفاع الجوي قد وصل إلى مستوى مقبول ولكن فجأة أمر السادات بسحب القوات السوفيتيه الموجودة في مصر، حيث كانت الوحدات الروسية في مصر تقوم بواجب الدفاع الجوي، وتشغيل 30% من الطائرات ميج 21 وتشغيل 20% من كتائب صواريخ (أرض جوsam)".
وتابع الشاذلي في مذكراته: "كانت القوات السوفيتية تقوم بتشغيل الغالبية العظمى من الوحدات الإلكترونية، التي كانت ملكًا لهم، ولم توافق القوات أن تبيع تلك الوحدات إلى مصر نظرًا لأنها عالية السرية، وبعد ذلك استطاعت قوات الدفاع الجوي أن تدرب قواتها على استخدام كتائب الصواريخ التي كان يقوم الروس بتشغيلها، لتحل مشكلة أخرى وهي قلة عدد الطيارين مقابل الطائرات، ولذلك قامت مصر بطلب طيارين من كوريا الشمالية مدربين على قيادة (الميج 21)، فاستجابت وأرسلت 20 طيارًا وصلوا مصر في يوليو عام 1973".
ويروي الشاذلي قصة تطوير قوات الدفاع الجوية بعد هزيمة 1967، فيقول: "بدأنا بناء القوات المسلحة المصرية بعد هزيمة 1967 بحماس شديد ولما وصلنا 1968 كانت قوتنا البرية وصلت لمستوى يسمح ليها أنها تعدي الوجود الإسرائيلي شرق القناة".
وقبيل قيام حرب السادس من أكتوبر قامت هيئات وإدارات القوات المسلحة بالعديد من الأبحاث التي تعالج خطط هجوم الجيش المصري على العدو الإسرائيلي، ويقول: "كل هيئات القوات المسلحة كانت بتهدف لحمل مشكلات الهجوم ومعركة العبور، وكانت تلك الأبحاث متعلقة بالتنظيم والتسليح والمعدات الفنية والإدارية، وملابس الجندي المصري ومعداته ومهامه، وطعامه الذي يعينه على تحمل المعركة"، مضيفًا: "مجموع الأبحاث وصل إلى أكثر من 100 بحثًا بين عام 1971 وعام 1973، وقد نجح جزء كبير من تلك الأبحاث في الحرب".
وكان الساتر الترابي (خط بارليف)، مشكلة أمام تقدم القوات المصرية في القناة، ويقول الشاذلي في مذكراته: "كانت المشكلة الأولى والرئيسية هي فتح ثغرات في السد الترابي، حتى يمكن من خلالها عبور الدبابات والأسلحة الثقيلة الخاصة بالقوات المصرية، وتلخصت خطة فتح ثغرات في خط باريف مكونة من عدة خطوات".
وتابع الشاذلي في مذكراته حول خطة الثغرات في خط بارليف: "تتلخص الخطوة الأولى في عبور المهندسون في قوارب مطاطية بمجرد أن تتمكن موجات المشاة من تحقيق الحد الأدنى من الوقاية، والخطوة الثانية هي شق حفرة داخل السد الترابي باستخدام أدوات حفر يدوية ثم تملأ بالمتفجرات، ومن ثم تأتي الخطوة الثالثة التي تتلخص في تجهيز مطلع البولدوزر لنقله على معدية يدوية وميكانيكية".كانت طريقة الحفر اليدوي في الساتر الترابي لها خسائر في الأفراد والمعدات، حيث كان يحتاج إلى 60 فرد وبلدوزر و200 كغم من المتفجرات، و6 ساعات عمل متواصل، وتم تدميره بالفعل".