بخطوات رشيقة تصعد "مي" الفتاة العشرينية، درجات سلم إحدى العمارات بمنطقة العبور، حاملة "شنطة العدة" لتصليح حوض لدى أحد زبائنها في الدور الثالث، وقد عرفتها من زبونة أخرى، بعدما ذاع صيت الاسطى مي جمال كـ«سباكة» ماهرة لا تغالي في مقابل عملها ماديا."عندما كان يذهب والدي إلى عمله، كنت أذهب معه وأنا في الثامنة من عمري، فكان هذا السبب الرئيسي لشغفي بمهنة السباكة»، هكذا استهلت مي حديثها، مضيفة لـ«أهل مصر» انه على الرغم من أن والدها في بداية الأمر عارض نزولها العمل معه، ومنعها من مزاولة هذه المهنة، إلا أنها أصرت أنها تكتسب الخبرة منه واحترفت فيها.واستطردت الاسطى مي: «لم أتعلم بعد بسبب ظروف سفري إلى ليبيا، ولكنني حاولت تطوير نفسي بنفسي، وبالفعل اتابع مع إخوتي دروسهم اليومية، وتعلمت عدة وظائف أخرى»، ولفتت الى أنها تتعامل مع عدة محلات للأدوات الصحية بمنطقة العبور، ويساعدونها في جلب الزبائن لها.وتابعت: «عندما أذهب إلى عملي أصبح المرأة الوحيدة وسط عمال من الرجال والشباب، وكان البعض منهم لا يتقبلني، ولكني تعاملت معهم كأخت وأصبحوا فيما بعد يتقبلون وجودي وسطهم".وأوضحت الاسطى أن المهنة بالنسبة لها ليست غريبة لأنها بالفعل منذ الصغر تدخل البيوت وتتعامل مع الناس عن قرب، ولكنها واجهت مصاعب كثيرة كفتاة وسط مجتمع من الرجال يستهترون عمومًا بعمل المرأة، فما الحال بعملها في مهنة السباكة، ولكنها بدأت طريقها في هذه المهنة، واختارت أن تكمل به للنهاية.بسبب تميزها في عملها، ومعاونة أحد جيرانها، بالإضافة إلى مساندة والدها ووالدتها لها فيما بعد، تشير مي جمال: «مع الوقت الناس عرفتني وبقى لي زبوني إللي بيسأل عني بالاسم، خصوصًا من السيدات، وزبائن والدي بقوا يطلبوني مكانه، وهو يسعد بذلك، ولكنني لم استغنِ عنه، مع العلم انني لا تواجهني صعوبات، فكل تفاصيل المهنة سبق أن تعلمتها وزادت خبراتي بممارستها، وعندما كنت أواجه بعض العقبات أسرع إلى والدي واستشيره".وعلى الرغم من الإقبال الهائل عليها ومطالبتها في أكثر من مكان، ولكن بشرط أنها تغترب، إلا أنها لم تبالغ يومًا في أجرها، وتفضل البقاء بجانب أهلها.لا تجد "مي" صعوبة في مهنتها سوى تكسير الحوائط الخرسانية، وهو ما يجبرها، كما تقول، على الاستعانة بأحد زملائها الرجال ودون ذلك لا شيء يعيقها في إثبات جدارتها في مهنة كانت حتى وقت قريب مقصورة على الرجال فقط.وعن نظرة الناس إليها بعد اقتحامها هذه المهنة، تقول: «كنت أعلم أنني اتخذ قرارًا غير مألوف في نظر مجتمعنا، ولكنني لم أعطِ ذلك أي اهتمام، وكثيرًا ما سمعت تعليقات ساخرة، لكن عندما أثبت نجاحي في مهنتي، وتأكد الناس أنني لست بأقل من أي رجل يمارس المهنة، اكتسبت احترام وإعجاب الجميع، حتى أصبحت للبعض نموذجًا يحتذى به في الإصرار والإرادة والنجاح، وطلب شاب أكبر مني أن أعلمه مهنة السباكة، وبالفعل كنت سببًا في تعلمه ومزاولته هذه المهنة".وبشأن ردود أفعال السباكين الرجال المقيمين في المنطقة، تقول مي: "معظم السباكين بالمنطقة شجعوني، ولكن هناك فئة أخرى كانوا يتمنون فشلي وهاجمني بعضهم عندما ظنوا أنني أنافسهم في رزقهم، ولكنني واجهت كل ذلك بإصرار على إثبات ذاتي، وأسعى أن أكون صاحبة محل وأعلّم المهنة لمن يريدون تعلمها، ومع الوقت سوف يقتنع الجميع بقدراتي على منافسة الرجال في تلك المهنة".تساعد مي والدها في مصاريف اخواتها، وتقول: «بصرف على نفسي، وأساعد في مصاريف إخوتي، رغم أن والدي مش بيبخل علينا بحاجة".وتشعر "مي" بالرضا عن مسيرتها في الحياة، وتتمنى أن ترى "اخواتها أحسن ناس".