انخفض سعر البترول مطلع عام 2016 بمستوى قياسي كبير. ومن بين الأسباب هناك مثلا كميات النفط الهائلة التي تغرق بها العربية السعودية الأسواق العالمية. الخبراء يعتقدون أن سوق النفط ستعمل من تلقاء نفسها على تصحيح هذا التوجه.
داخل مقر بورصة المواد الخام بنيويورك صادفنا جيفري غروسمان الذي يبدو منشغلا جدا، وهو يرد على الهاتف الذي يرن باستمرار. سعر البترول توقف عن النزول، بل إنه يعاود الارتفاع.
غروسمان وزملاؤه يعملون منذ عقود في هذا المجال، وهم متعودون على مزاولة ذلك. ويقول غروسمان:"النفط كان دوما تجارة صعبة"، ملاحظا أن الأمر يختلف هذه المرة.
في الأيام الأولى لعام 2016 انخفض سعر النفط في بعض الأحيان إلى ما تحت 30 دولارا للبرميل. في حين يباع ليتر من الحليب في بورصة المواد الخام بشيكاغو بضعفي سعر اللتر الواحد من النفط. وهذه خسارة كبيرة في القيمة لم يكن يتوقعها أحد. فحتى متعاملون محنكون مثل جيفري فوجئوا بذلك، بحيث إن وتيرة التحول كانت سريعة وقوية في اتجاه الأسفل.
أسباب الخلل
أسباب انعدام التوازن في السوق العالمية مختلفة. فالطلب راكد حتى في الدول الصناعية مثل الصين حديثا. وأمريكا غطت حاجياتها من خلال الزيادة في استخراج النفط الصخري ولم تصبح مجبرة على الاستيراد. والاستهلاك العالمي للنفط سيرتفع بشكل باهت هذه السنة مقارنة مع عام 2015، أي بمعدل 1.3 في المائة مقابل 1.7 في المائة في السنة الماضية، كما توقعت وكالة الطاقة الدولية.
وحتى طفرة استخراج النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية تلعب دورا في هذا الإطار، لأن هذا الأسلوب السائر في التطور يسمح باستغلال حقول، قيل قبل سنوات إنه من الصعب الوصول إليها. تقنية استخراج النفط الصخري ما تزال مكلفة، إلا أن تلك التكلفة تتقلص باستمرار. وفي الوقت نفسه تشتد المنافسة. "النفط الصخري يمكن أن يساهم في أن تبقى أمريكا قادرة على المنافسة"، كما يعتقد مارك ميلس من معهد مانهاتن.
منافسة شديدة
ويعود اشتداد المنافسة إلى العربية السعودية التي تزخر بثاني أكبر موارد نفطية في العالم، حيث إنها تغرق السوق العالمية بالنفط. وتنهج الرياض هذه السياسة أولا من أجل مواجهة تقنية النفط الصخري وثانيا من أجل عرقلة دخول إيران للسوق النفطية. وقد عرضت إيران خلال هذه السنة الجارية بين 300 ألف و600 ألف برميل يوميا على الأسواق.
ومع انخفاض السعر تتقلص إمكانيات العائدات. فشركة بي بي البريطانية تتوقع خسارات بملايير الدولارات والنتيجة هي تسريح الآلاف من العاملين في هذا القطاع. فخلال الثمانية عشر شهرا الماضية فقد نحو 250 ألف عامل في صناعة النفط أماكن عملهم. والعديد من الولايات الأمريكية مثل تكساس ولويزيانا وألاسكا تأثرت بتراجع سعر النفط، لأن تمويلها يتم بشكل كبير من خلال عائدات الضرائب على المتجارة بالنفط.
حسابات السعوديين
يمكن وقف تراجع سعر النفط من خلال التقليص من كميات استخراجه. لكن الكثيرين يستبعدون لجوء العربية السعودية لهذا التوجه.. فالسعوديون سيدافعون عن حصصهم في سوق النفط أمام إيران، كما يرى خبراء في أمريكا وأوربا.
لكن أنتوان هالف من جامعة كولومبيا بنيويورك لا يعتقد أن تكون هناك إستراتيجية وراء النهج السعودي، ويقول: "قرارهم بيع مزيد من النفط أمر عقلاني"، موضحا أنه إذا انخفض السعر وجب زيادة الإنتاج للحصول على نفس الأرباح حتى ولو زاد السعر انخفاضا.
وفي هذا السياق سبق لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن صرح في مقابلة مع سي إن إن الأمريكية:"ما نعايشه حاليا هو العمل على إحداث توازن في الأسواق وأسعارها".
وكيفما كان ذلك يعبر عن إستراتيجية سياسية أو عن هدف من أجل البحث عن توازن في سوق النفط، فالنتيجة واحدة. الجهات المنافسة الصغيرة سيتم إبعادها عن السوق.
ويعتقد البعض أن السوق ستصحح نفسها على المدى الطويل. فالعربية السعودية تتأثر مثل دول أوبك الأخرى بالأسعار المنخفضة.
ويعتقد الخبراء أن تدني الأسعار وصل الآن إلى حده الأقصى، والتوجه يسير حاليا باتجاه ارتفاع جديد للأسعار ولو بزيادة بعض الدولارات.
وسعر النفط الحالي يؤكد هذا التوجه، فيوم الخميس الماضي (21 يناير) ارتفع سعره لأول مرة في هذا العام، ليتجاوز مستوى 30 دولارا للبرميل الواحد.