أكد عمرو الجارحي، وزير المالية، حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي فى إعادة النظر مرة أخرى، والتعامل بشكل صحيح مع الملفات القديمة الهامة التى تركت لفترات طويلة دون التعامل معها، أو التى كان يتم التعامل معها بالشكل الخاطئ فيما مضى.
وتابع في حوار ببرنامج "الرأي العام"، أن من أهمها عدم مواكبة المتغيرات الواقعية، فيما يتعلق بتقديم الخدمة وسعرها وتكلفتها وطرحها فى الأسواق، واستمرارية تقديمها بذات الأسعار الزهيدة لفترات تاريخية طويلة، وهو ما يؤثر على المرافق، وبالتالي تحمل مديونيات وخسائر كبيرة والتحميل بالسلب على مديونية الموازنة العامة للدولة، ومن هنا يأتى توجيه الرئيس فى ضرورة مراجعة، وفتح تلك الملفات وإعادة التعامل معها بما يواكب الواقع والعمل عليها، لأن ترك تلك الملفات كل هذه السنوات الماضية، أدى إلى وجود تراكمات كبيرة الأمر الذى يستدعى العمل على زيادة الموارد التي تتناسب مع حجم تلك الخدمات المقدمة ومواجهة تلك المديونية الكبيرة.
وأوضح الجارحي، أن موازنة الدولة تستهدف الصرف على قطاعات كبيرة، إلى جانب الأبواب المنوطة بها فى ضوء العمل على خفض العجز الأولى والكلى، وتوجيه الوفر لبنود ذات أهمية فى الصرف، موضحا أن الموازنة تتم من خلال عدة إجراءات تتمثل فى اجتماع وزارة المالية مع الجهات المعنية، ووزارة التخطيط وإجراء عدة مناقشات حول الطلبات المقدمة من تلك الجهات، ويتم التخصيص بعد ذلك فى ضوء الأولويات وما هو متاح، مؤكدا أن اجتماعه مع الرئيس بالأمس، جاء لعرض مؤشرات ونتائج النصف الأول من موازنة العام المالي 2017/ 2018 وما تم تحقيقه من مستهدفات.
وأشار وزير المالية، إلى أن مصر قد مرت عقب عام 2011 بعدد من الأزمات من بينها توجيه الصرف لأمور غير منتجة كزيادات الأجور، والدعم وعدم وجود موارد كافية تغطى تلك النفقات إلى جانب انخفاض معدلات النمو فى تلك الفترة ما بين 1.5 -2% بمعدل سنوي للزيادة السكانية يتراوح ببين 2-2.5%، وهو ما يضع الدولة تحت ضغوطات تمثلت فى ارتفاع عجز الموازنة للدولة بين 10.5-13% فى الفترة من 2011 حتى 2016، وأن المنح التي تلقتها مصر من البلدان العربية الشقيقة، هى التى ساهمت فى التخفيف من وطأة تلك الضغوطات حينذاك.
وأوضح، أن ملف الطاقة بشقيه الكهرباء والبترول كان يتم التعامل معه بشكل غير صحيح، حيث بلغ سعر برميل البترول 20 دولار بين عامي 2002-2003، وبدأت الزيادات المستمرة فى سعر البرميل حتى عام 2014، وجاء ذلك فى ضوء معدلات السكان المتزايدة وعدم وجود زيادة فى الإنتاجية، مما أدى إلى خسائر، فكان لابد من وجود وقفة من خلال إعادة النظر فى بعض الملفات كإعادة هيكلة ملف الطاقة، وهو ما حدث بالفعل من خلال التحسن فى كفاءة الإنتاج، وفى التكلفة التى سيتم تحقيقها على مدار العامين القادمين، واكتشافات حقول الغاز الجديدة إلى جانب إعادة هيكلة ملف الدعم، بعد أن كان دعم مطلق، وأكد أن المبلغ المخصص للدعم حاليا بلغ 83 مليار جنيه كدعم للبطاقات التموينية وتكافل وكرامة.
وقال الجارحي، إن هناك عدد من القوانين القديمة التى يجب إعادة النظر فى تشريعاتها، وأعطى مثال على ذلك، أن تكلفة زيارة الطبيب إلى المنزل فى قانون التأمين الصحي القديم لا تتجاوز الـ 50 قرش، وهو الأمر الذى يتوجب معه إعادة هيكله، وسن تلك القوانين والتشريعات القديمة بما يتواكب مع الظروف الواقعية للمعيشة والتعامل السليم مع تلك القضايا والملفات، وهو ما يسعى إليه رئيس الجمهورية حاليا لمواجهته والتعامل معه وشرحه بشكل مبسط للمواطن المصري.
وتابع وزير المالية، أن الرئيس السيسي يحرص على التوجيه الدائم بالالتزام بالمخصصات التى يتم وضعها بالموازنة لشبكات الحماية الاجتماعية، والتى تمثلت فى إنخفاض عجز الموازنة فى هذا العام من 5% الى 4.4%، وانخفاض العجز الأولى من 1.1% العام الماضي الى 0.3% فى هذا العام، مؤكدا أن الوزارة تستهدف خفض عجز الموازنة من 12.5% عن العام الماضي إلى 9.3-9.5 %عن العام الحالي، وتستهدف بحلول 2022 إنخفاض نسبة العجز إلى حوالى 4%، وهو ما سيكون له بالغ الأثر فى تحسين فرص الاستثمار بمصر، وتوجيه الفائض إلى الأولويات من بنود الصرف، وخلق مزيد من فرص العمل، ومزيد من الاستثمارات خلال الفترات القادمة.
وأضاف أنه من المؤشرات التى تتسم بالإيجابية الانخفاض التدريجي لمعدل التضخم فى شهر ديسمبر بنسبة 0.2%، بينما انخفض معدل التضخم السنوى من 26 % الى 22% خلال العام الحالى، بعدما تجاوزت نسبة التضخم 30% عقب التعويم، وهو ما يشير إلى بداية التحسن فى الأسعار والاستقرار الاقتصادي، وتحقيق معدلات نمو مرتفعة، مشيرا إلى أنه مع نهاية العام المالي الحالي يمكن لمعدلات التضخم، أن تتراوح فيما بين 10-13 %، مشيرا أن الحكومة فى هذا الصدد بدأت فى ضخ حزمة من الحماية الاجتماعية لإحداث التوازن بين الزيادة في الأسعار والموارد التى دخلت الدولة.
وعن تأثير قرار تحرير سعر الصرف، قال الجارحي، إن مثل هذا القرار، جاء فى إطار مواجهة الأزمات التي أعقبت 2011، وما أعقبه من زيادة حجم المصروفات والمديونية وتوقف النشاط الاقتصادي وزيادة حجم الواردات عن الصادرات وكساد حركة السياحة، مما أدى الى إنخفاض مؤشر الميزان التجاري، وميزان المدفوعات، وهو الأمر الذى استوجب إتخاذ مثل هذا القرار، وقد وصل معدل النمو عقب هذا القرار 5.2% عن العام المالي الحالي، وهو مؤشر جيد لتحسن الاقتصاد المصري وزيادة السيولة من النقد الأجنبي، مؤكدا أن السوق الآن لديه القدرة على الذهاب إلى البنوك وسحب العملة الأجنبية بكل سهولة.
وعن حجم القروض وكيفية إدارة الدين، لفت الوزير، إلى إنه يتم قياس القروض إلى نسبة الناتج المحلى الإجمالي، وقدرة سداد خدمة الدين سواء فوائد أو مستحقات موجودة طوال العام من خلال اتباع المعايير الدولية التى تنظم ذلك، وقال أن القروض تمثل مصادر تمويل متنوعة سواء كانت داخلية أو خارجية، وتساعد فى النهاية على خفض سعر الفائدة.
وأكد الجارحي، أن مصر تسعى إلى زيادة فرص الاستثمار المباشر المتمثلة فى زيادة عدد الشركات والمصانع المستثمرة فى مصر والاستثمار الغير مباشر مثل الاستثمار فى سندات وأذون الخزانة، أو أسواق المال، وفى كلتا الحالتين يعد العائد من تلك الاستثمارات تنويع لمصادر تمويل الدولة.
وحول التساؤلات التي تثار حول ضريبة القيمة المضافة، شدد على أن هذه الضريبة إلزامية ومرحلية تفرض على كل الخدمات والسلع إلا فيما يصدر عنه نص قانونى بالإعفاء، وهى ضريبة موجودة بكافة الدول، مشيرا فى هذا الصدد إلى أن ضريبة المبيعات التى تم إقرارها فى التسعينات، كانت تقدر حينذاك بـ10%، إلى أن تم استبدالها بضريبة القيمة المضافة مؤخرا فى سبتمبر2016 بنسبة 13%، ثم فى يوليو 2017، أصبحت 14%، وفقا لما تم الإتفاق عليه مع مجلس النواب حينها، وأكد أننا عند تحديد نسبة تلك الضريبة قمنا بمراعاة الظروف الاقتصادية للدولة، ووضع قائمة بـ52 سلعة وخدمة معفاة من تلك الضريبة وفقا لأولويات البلد.
وعن الضرائب على الدخل، أكد الجارحي، أن الوزارة تعمل بنظام الضريبة التصاعدية، ونستهدف خفض الضريبة على ذوى الدخول الأقل، موضحا أن المشروعات القومية الكبرى يتم تمويلها من عدة جهات كهيئة المجتمعات العمرانية التي تقوم حاليا بتمويل عدد كبير من المشروعات.
وحول وجود بدل للبطالة للشباب، أشار الجارحي إلى أن مصر تسعى إلى زيادة حجم الاستثمارات، وبالتالي خلق مزيد من فرص العمل لإحتواء نسبة البطالة، وتوفير فرص عمل مناسبة للشباب، ونمو سوق العمل، مؤكدا أن المشروعات القومية الكبرى التي تمت استوعبت قدر هائل من العمالة.
وعن ما تقوم الدولة من تخصيصه للمرتبات والأجور، صرح أن الموازنة العامة للدولة خصصت 240 مليار جنيه عن العام المالي الحالي للأجور والمرتبات، بينما كانت المخصصات للمرتبات في2008- 2009 تقدر بـ80 مليار أي نسبة زيادة 300%، وهو ما يؤدى طرديا لزيادة حجم العجز بالموازنة.
وأشار الجارحي، إلى أن مصر تعمل حاليا على إستكمال التعامل من خلال منظومة الكترونية محكمة، وهو ما سييسر فكرة دورة الأموال فى أبواب المصروفات والإيرادات، ونعمل خلال الفترات القادمة على خفض حجم التعامل النقدي، وهو ما سيساهم في توسيع قاعدة الحصر الضريبي بشكل كبير، وأن الوزارة تستهدف خلال العام المالي الحالي زيادة معدل النمو ليتجاوز الـ5% وتوسيع قاعدة العمل فى المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر وخلق مزيد من فرص العمل.
وعن تقييم صندوق النقد الدولي لحالة الاقتصاد المصري، أكد الجارحي، أن أخر مراجعة تمت من قبل الصندوق انتهت بالموافقة على صرف الشريحة الثانية من قيمة القرض، وأن المراجعة القادمة ستكون فى إبريل 2018، مؤكدا أن مصر تسير بخطى جيدة فى برنامجها الإصلاحي الاقتصادي.
وقال الجارحي، إن الحكومة اعتمدت منظومة دعم متكاملة للمواطنين، حيث أقرت حزمة من الحماية الاجتماعية خلال شهر يوليو العام المالي الماضي، تمثلت فى زيادة المخصصات للبطاقات التموينية من 21 جنيه للفرد الى 50 جنيه، وزيادة معاشات تكافل وكرامة وإقرار عدد من الإعفاءات الضريبية على شرائح الدخل المتدنية، وتبدأ الضريبة التصاعدية من نسبة 80% نزولا الى 50% وفقا لشرائح الدخل لتحقيق الاستفادة القصوى من تلك الإعفاءات.
وعن القرار الصادرة بتحصيل 40 قرشا على كل علبة سجائر، أكد وزير المالية، أن جزء من تلك الضريبة يذهب إلى تحسين منظومة التأمين الصحي، حيث وافق البرلمان على قانون التأمين الصحي الجديد، مشيرا أن الضرائب التي تفرض على المدخنين تأتى فى إطار معايير الصحة الدولية، التي تقر ذلك، كما أشار أن المطاعم التي لا تعمل فى مجال السياحة، تم إعفائها من ضريبة القيمة المضافة بإعتبار الطعام من السلع الأساسية.
وأوضح الجارحي، فيما يتعلق بزيادة كفاءة القطاع الخاص، أن ضخ مزيد من العمالة فى هذا القطاع أمر هام للغاية فى تحسين معدلات النمو بشكل كبير، لأن مجموع تلك الشركات يمثل فى النهاية حجم الاقتصاد وحجم النمو للدولة، كما أكد أن تحسين الإدارة الضريبية يستهدف زيادة الحصيلة الإيرادية للناتج المحلى الإجمالي والوصول إلى قاعدة ممولين الذين يتهربون من سداد الضرائب، وبالتالي توسيع القاعدة الضريبية الحالية وزيادة المتحصلات الضريبية لتحسين معدل النمو، وأشار أن كل 1% محقق من الحصيلة الإيرادية يقابله خفض مماثل له فى عجز الموازنة، إلى جانب ذلك قامت الوزارة بإنشاء حساب الخزانة الموحد من خلال اعتماد نظام إدارة المالية العامة الذى يستهدف استكمال منظومة الدفع وتحصيل الايرادات الكترونيا لموازنة الدولة، والتعامل فيما بين الجهات الحكومية بشكل إلكترونى، وتحصيل الضرائب والجمارك والبنود الأخرى إلكترونيا.
وأعلن، أنه استكمالا لتلك المجهودات تم عمل حصر لأموال الصناديق الخاصة من خلال التنسيق مع مجلس النواب، للتأكد من إحكام الرقابة على أموال تلك الصناديق من خلال رقابة ما قبل الصرف من قبل وزارة المالية، ورقابة ما بعد الصرف من خلال الجهاز المركزي للمحاسبات.
وعن الخطة المستقبلية المستهدفة للحكومة المصرية ووزارة المالية، أكد وزير المالية أن مصر لديها عدد من الملفات الهامة المستهدفة خلال الفترات القادمة، ومن أبرزها تطبيق قانون التأمين الصحي الجديد الذى تمثله ثلاث هيئات هيئة التمويل وهيئة الرعاية الصحية والهيئة الرقابية ونعمل خلال الفترة القادمة، من تحسين ملف قطاع الصحة، وتنفيذ تلك الخطوات على أرض الواقع من خلال إكتمال كافة تلك العناصر.
وأضاف أن ملف الإدارة الضريبية، وميكنة عمليات الدفع والتحصيل ستساعد بشكل كبير فى توسيع قاعدة الحصر الضريبي وزيادة معدل النمو وزيادة الحصيلة الضريبية للناتج المحلى الإجمالي وخفض عجز الموازنة، وإتاحة مزيد من فرص العمل، ومن الملفات الهامة أيضا ملف الزيادة السكانية وسبل التعامل معه بشكل سليم، لأن الزيادة السكانية تبتلع كافة المجهودات المبذولة إذا لم يكن هناك تحكم لمثل هذا الملف الهام.