رحلة عذاب وكبرياء أصغر رب أسرة بالمنيا.. زوجة أبيه ألقته وشقيقيه بغرفة في منزل ورثه مهجور.. محمود: "ربينا نفسنا بنفسنا وكنت بأقفل على أختي باب الأوضة من الخوف عليها" (فيديو وصور)

ـــ محمود: "ربينا نفسنا بنفسنا وكنت بأقفل على أختي باب الأوضة من الخوف عليها" 

ـــ سمية: "محمود رباني أنا وأخويا عمرو وكنت أقعد مرعوبة في الغرفة لغاية مايرجعولي"

ـــ عمرو: "نفسي أروح المدرسة وحد ياخد باله مني"

دون مقدمات رحلت الحضن الدافيء، تركتهم يتامى في كنف زوجة أب لا ترحم، بمجرد وفاة أبيهم المزواج، ألقت بثلاثتهم في الشارع وهم ما يزالون صغارا.وقف «محمود» ابن الخمس سنوات، يربت على كتف شقيقته "سمية"، التي تكبره بسنتين فقط، يخفف من روعها، بينما يحتضن بين راحتيه أخيه الأصغر "عمرو"، الذي لم يكمل العام والنصف من عمره.داخل غرفة مسقوفة بجريد النخيل ومشيدة بالطوب الأبيض على ناصية طريق بمركز أبو قرقاص تقطعن أسرة محمود، وفر لهم "أهل الخير" سريرا تصلب سمية جسدها النحيل عليه وتقرب إليها شقيقها عمرو فيما يتوسط محمود الأرض تطارده الكوابيس ليلا فلا يستطيع النوم، يتذكر وصلات التعذيب التي لم تنته طيلة 8 أعوام على يد زوجة أبيه التي لم تعرف الرحمة طريقا إلى قلبها يوما، وكيف كانت تكيل له ولأخوته الضرب والإهانة، وتذكر حرمانه وشقيقه وأخيه من الطعام لساعات طويلة داخل سلخانة زوجة الأب الذي لم يكترث لعذاب أطفاله الثلاثة.حينما يهب طيف والدها يأبي قلب سمية أن تدعو له بالرحمة فقد تركها وشقيقها أذلاء في غرفة تقطع في حضن منزل مهجور يقاسون الجوع والمرض بل الموت نفسه. الطفل "محمود" شعر بحجم المسئولية الملقاة على عاتقه، حيث إطعام أخوته وحمايتهما وخاصة شقيقته التي تكبر أمام عينه؛ فأغلق باب الغرفة عليهما، وقصد الجبل للعمل ساعات طويلة في المزارع من أجل توفير ثمن العيش الحاف والعودة لأخوته في أول الليل، حاملا ما ابتاعه من طعام.الطفل دفن حلم حياته للالتحاق بالمدرسة كما شقيقه وأخته، استمر الحال بمحمود حتى بلغ من العمر الرابعة عشر، اشتد عوده رغم أنه لم يصل الحلم بعد، لكن قصته صارت حديث الناس باعتباره أصغر "رب أسرة" ومسئول عن أسرة وتوفير كل احتياجاتها، نال احترام الجميع لكنه لم ينل اهتمام المسئولين عن مثل تلك الحالات وفي المقدمة منهم وزارة التضامن، المعنية بالأمر والتي لم تشعر بوجودها أسرة محمود الصغيرة. في كبرياء يقول محمود خليفة، إن والدته توفيت منذ 11 عامًا، حينها كان يبلغ شقيقه الأصغر عاما ونصف العام وشقيقته "سمية" كانت 5 سنوات فيما كان هو في سن 5 سنوات.وأضاف لـ"أهل مصر": "حينها توليت مسؤولية تربيتنا زوجة أبي لكننا تعرضنا كثيرا للتعذيب على يدها حتي مات والدي منذ 3 سنوات فتخلت عن مسؤوليتنا ووجدنا أنفسنا دون عائل أو أم وأب يهتم بنا ومكثنا في غرفة مشيدة من الطوب الحجري في منزل ورثة دون مرحاض".وتابع رب الأسرة الصغير، أنه كان يتمنى أن يلتحق بالمدرسة لكن والده رفض، على الرغم من أنه تزوج من 4 سيدات آخريات خلاف والدته ورغم ذلك قام بإلحاق أولاده منهن بالمدارس وبعضهم له شأن كبير ويمتلك معرضا للسيارات، لافتًا إلى أنه وشقيقه "عمرو" فكرا في البحث عن عمل فلم يجدا، لكنه لم ييأس حتى عمل بمزرعة للخضروات تقع بزمام الطريق الصحراوي الغربي، كان يذهب إليها بشكل يومي في تمام الساعة الخامسة فجرا ويعود لشقيقيه ليلا بعد صلاة العشاء.واستكمل الطفل: "لم أتمكن لفترة طويلة من الذهاب والعودة كل يوم من وإلى المزرعة، ووافق صاحبها على أن أقيم بها لفترة النوم فقط، وأعود لغرفتنا التي نقيم بها كل يوم جمعة".وأشار إلى أنه واصل طريقه لتوفير مصدر رزق له ولشقيقيه حتى لا يطلب مالا أو يتسول طعاما من أحد، "قمنا بتربية أنفسنا بأنفسنا وحين أعود للمنزل أجد شقيقتي سمية وشقيقي عمرو يجلسان في الغرفة وكالعادة تنام هي على السرير المتهالك وأنام أنا وعمرو على الأرض وننتظر كل يوم جمعة لنتجمع ونأكل ما تطهيه سمية".وأوضح محمود أنه منذ وفاة والدهم لم يسأل عليهم أحد من أقاربه أو يرعى شؤونهم، في المأكل والمشرب والملبس، وإن جاء العيد يغلق عليهم باب الغرفة التي يعيشون فيها "فليس لنا قريب أو غريب يرعانا".رغم رحلة المعاناة الطويلة، ما يزال محمود يحلم أن يصادف الرعاية والحياة الكريمة له ولإخوته ولسان حاله يقول "كفى عذابا نفسي في معاش من التضامن الاجتماعي يساعدنا على الحياة ونفسي في توك توك اشتغل عليه".وتابع: "ما زلت آمل أن نجد من يعيد لنا الحياة مرة أخرى ويرعانا فنحن ما زالنا أطفال وليس لنا أب أو أم وستمر السنوات وتكبر سمية ونستعد لجهازها كعروسة وأحلم بأن يحقق لي أحد حلم الحصول على توك توك أعمل عليه".بنفس القوة والكبرياء تلتقط سمية طرف الحديث: "عمري 16 سنة، وأقوم بدور الأخت والأم لشقيقاي محمود وعمرو".وأضافت: "نحن الثلاثة ذقنا الكثير من ألوان العذاب الجسدي على يد زوجة أبي، خاصة عقب وفاة والدتي بسبب حالتها المرضية لكننا تحملنا كثيرًا وعقب وفاة والدي تولى شقيقاي محمود وعمرو المسؤولية لكنهما تعبا كثيرًا في العمل؛ فمحمود يعمل بمزرعة للخضروات بالجبل وعمرو الذي يبلغ 12 عاما، يسرح مع باعة الخضر والفاكهة هنا وهناك ويعود لي مساء كل يوم يحمل 20 جنيها إن استمر عمله من البائع".وتابعت سمية حديثها: "نقوم بتجميع المبالغ التي يتحصل عليها أشقائي ونجتمع يوم الجمعة ونطهو الطعام".واستطردت: "فرحتنا لم تدوم فنحن الثلاثة نعيش داخل غرفة بمنزل مفتوح على مصراعيه يتشارك به 7 ورثة دون وجود دورة مياه وجميع الغرف ما هي إلا جدران، يأتي شقيقنا من والدي ويعتدى علينا بالضرب ويأخذ ما نملكه من المال".. هنا بكت سمية قبل أن تتابع: "أخي من أبي قاسيا مثل أمه يصطحب زملائه هنا في المنزل لكنني أخاف كثيرًا في غياب محمود وعمرو وأغلق باب الغرفة على وأنا وحدي، أشاهد برامج التلفزيون القديم الذي نضعه على الأرض بغرفتنا".أما "عمرو" البالغ من العمر 12 عامًا جرحته تلك الكلمات التي يسمعها من هنا وهناك والتي تنادى بفشله لكونه طفلا صغيرا لا يقدر على العمل، لكنه ما يزال يحاول الاستمرار والعمل بمرافقة الباعة داخل بلدته حيث يقوم برفع صوته الصغير عاليا للإعلان عن بيع ما لديه على عربة الكارو.يقول: "كل بياع بشتغل معاه بيقولي إنت فاشل ومش هتنفع لكني لا أملك من أشكو إليه فليس لدي أم ولا أب وأحد يرعاني أنا وأخوتي بتلك الغرفة الني نعيش بها ولا يسأل عنا أسرتا والدي ووالدتي".وأنهى الصغير كلامه بأمنية بسيطة: "نفسي ألاقي حد يدخلني المدرسة وياخد باله مني".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
مجلس الأمن يصوت على مشروع وقف فوري لإطلاق النار في السودان