واضربوهن.. تعرف على التفسير الصحيح للآية التي تسببت في حالات عديدة من الطلاق

لا يمكن أن يأتي بذهنك للوهلة الأولى أن الله يأمر الزوج بالضرب لشريكة الحياة بمعنى الجلد او التأديب بالعصا، وهذا تطلب أن نتعقب كلمة (ضرب) في القرآن ليأتي بمعنى جديد، لأن المسلم الحق سيكون على يقين أن ضرب النساء المذكور في القرآن لا يمكن أن يعني ضرب بالمعنى والمفهوم العامّي، وذلك لأنّ ديناً بهذه الرِّفعة والرُّقي والعظمة والذي لا يسمح بإيذاء قطة، لا يمكن أن يسمح بضرب وإيذاء وإهانة الأم والأخت والزوجة والإبنة.

ولتتابعوا معنا هنا المعنى الرائع لكلمة (فاضربوهن) في القرآن، فالآية تقول: "وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً" النساء٣٤.

ومن خلال المعرفة البسيطة في اللغة العربية وتطوّرها وتفسيرها فإن العقوبة للمرأة الناشز أي المخالفة نراه في هذه الآية عقوبة تواترية تصاعدية، بالبداية تكون بالوعظ والكلام الحسن والنصح والإرشاد، فإن لم يستجبن فيكون الهجر في المضاجع أي في أسرّة النوم وهي طريقة العلاج الثانية ولها دلالتها النفسية والتربوية على المرأة والهجر هنا في داخل الغرفة.

أما "واضربوهن" فهي ليست بالمدلول الفعلي للضرب باليد أو العصا لأن الضرب هنا هو المباعدة أو الإبتعاد خارج بيت الزوجية، ولما كانت معاني ألفاظ القرآن تُستخلص من القرآن نفسه، فقد تتبعنا معاني كلمة (ضرب) في المصحف وفي صحيح لغة العرب، نجد أنها تعني في غالبها المفارقة والمباعدة والإنفصال والتجاهل، خلافاً للمعنى المتداول الآن لكلمة (ضرب).

فمثلا الضرب بإستعمال عصا يستخدم له لفظ (جلد)، والضرب على الوجه يستخدم له لفظ (لطم)، والضرب على القفا (صفع) والضرب بقبضة اليد (وكز)، والضرب بالقدم (ركل).

وفي المعاجم وكتب اللغة والنحو لو تابعنا كلمة ضرب لنرى مثلاً في قول: "ضرب الدهر بين القوم" أي فرّق وباعد بينهم، و"ضرب عليه الحصار" أي عزله عن محيطه، و"ضرب عنقه" أي فصلها عن جسده، فالضرب إذن يفيد المباعدة والإنفصال والتجاهل ومعان عديدة اخرى.

وهنالك آيات كثيرة في القرآن تتابع نفس المعنى للضرب أي المباعدة، مثل: "وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى" طه ٧٧، أي أفرق لهم بين الماء طريقاً.

وايضا: "فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ" الشعراء ٦٣، أي باعد بين جانبي الماء، والآية: "للْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ" البقرة٢٧٣، أي مباعدة وسفر وهجرة إلى أرض الله الواسعة.

وهناك ايضا: و"آخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ" المزمل٢٠، أي يسافرون ويبتعدون عن ديارهم طلباً للرزق،

وايضا: "فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ" الحديد ١٣، أي فصل بينهم بسور.

ويُقال في الأمثال "ضرب به عُرض الحائط" أي أهمله وأعرض عنه، وذلك المعنى الأخير هو المقصود في الآية، أما الآية التي تحض على ضرب الزوجة "فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ"، فالآية تحض على الوعظ ثم الهجر في المضجع والإعتزال في الفراش، أي لا يجمع بين الزوجين فراش واحد، وإن لم يُجْدِ ذلك ولم ينفع، فهنا (الضرب) بمعنى المباعدة والهجران والتجاهل، وهو أمر يأخذ به العقلاء من المسلمين، وأعتقد أنه سلاح للزوج والزوجة معاً في تقويم النفس والأسرة والتخلص من بعض العادات الضارة التي تهدد كيان الأسرة التي هي الأساس المتين لبناء المجتمع الإسلامي والإنساني.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً