تركيا.. الجار السوء.. أردوغان «مسجل خطر» في الشرق الأوسط.. بلطجة أنقرة في المنطقة تفقدها كل حلفاءها مرة واحدة

شبّهتُ صحيفة ذا جارديان البريطانية خطوات تركيا السياسية الأخيرة في المنطقة بـ «دجاجة بلا رأس» تركض في كل مكان بالشرق الأوسط.

وبحسب الصحيفة فإن رجب طيب أردوغان يهدّد كل من يهمه الأمر، على غرار تصريحاته «قد نصل فجأة من إدلب إلى سنجار، وسوف نطيح بجميع من هم أعداء، لن نصغِ إلى أحد»، هذا ما يدور في ذهن أردوغان.

كما لفتت أن الرئيس التركي ليس راضياً على الإطلاق عن العلاقة والتعاون بين واشنطن والأكراد السوريين، وهو لا يفوّت فرصة ليقول إن الأكراد السوريّين إرهابيّون ويشكّلون خطراً أمنيّاً على تركيا.

وبينما تعتبر تركيا الأكراد السوريّين خطراً على وحدة سياساتها في سوريا والعراق وتحشد استخباراتها وجنودها وأوساطها الدبلوماسيّة ووسائلها الإعلاميّة الخاضعة لسيطرة الحكومة على هذا الأساس، تسعى إلى التقرب من الخليج وتنشئ قاعدة بحريّة في قطر، معتمدة بالتالي موقفاً موالياً للدوحة في النزاع بين هذه الإمارة الخليجيّة والمحور السني الذي تقوده السعوديّة والممتد من الإمارات إلى مصر، وهي ناشطة أيضاً في الصومال عند أطراف منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.

ويبدو هذا النشاط التركي المفرط الذي يشدد عليه اردوغان بشكل شبه يومي في خطابات ناريّة، وفي ظلّ انتشار جنود في نواحٍ عدّة من المنطقة، نتاج سياسة خاطئة.

وبما أنّ هذه السياسة التركيّة الخاطئة في الشرق الأوسط حسب «الجارديان» تبدو كدجاجة بلا رأس تركض في كلّ مكان، فقد باتت تلفت انتباه عدد متزايد من الخبراء الأتراك.

ومن بين هؤلاء الخبراء نيكولاس دانفورث الذي هو زميل رفيع المستوى في مركز سياسة الحزبين في واشنطن والذي نشر تغريدة ساخرة على "تويتر" في 8 نوفمبر جاء فيها ما يلي: " بعد "صفر مشاكل" و"وحدة ثمينة"، أقترح "براغماتيّة ساخطة" كعقيدة ناشئة للسياسة الخارجيّة التركيّة في الشرق الأوسط".

يشار إلى أنّ "صفر مشاكل مع الدول المجاورة" هي جملة استخدمها وزير الخارجيّة السابق أحمد داود أوغلو – واضع سياسة حكومة حزب العدالة والتنمية الخاصّة بالشرق الأوسط – ليفسّر ضلوع تركيا الناشط في المنطقة مع هدفها الضمنيّ المتمثّل بإعادة إحياء الحقبة العثمانيّة. وفي أعقاب انتفاضات الربيع العربيّ، تحوّلت سياسة تركيا القائمة على "صفر مشاكل مع الدول المجاورة" إلى موقف أشير إليه بشكل ساخر بـ "لا جيران من دون مشاكل".

ولقد أعاقت روسيا تقدّم تركيا في سوريا عقب إسقاط طائرة حربيّة روسيّة في نوفمبر 2015، وحالت دون بسط أنقرة نفوذها لدى جارتها الجنوبيّة.

وبعد اعتذار أردوغان في يونيو 2016، بدأت المصالحة بين روسيا وتركيا، ما مهّد الطريق لتوغّل تركيا، فسما عرف بعمليّة درع الفرات، في الأراضي السوريّة في أغسطس 2016.

ووافقت موسكو على الوجود التركيّ في منطقة مثلّثة في شمال حلب مقابل أن توقف أنقرة دعمها للمعارضة السوريّة في حلب.

لقد قُدّمت حلب، نوعاً ما، إلى النظام في دمشق عبر روسيا، فقد قادت روسيا، التي تعاونت مع إيران، تركيا إلى أستانا، فأظهرت أنقرة كلاعب مهمّ في الساحة الدبلوماسيّة الخاصّة بسوريا، وإنّ وجود تركيا في محافظة إدلب هو أيضاً نتاج محادثات أستانا.

ولا يهدف الوجود التركيّ في إدلب، وفقا لتقرير الصحيفة، إلى القضاء على هيئة تحرير الشام، التي تسيطر على منطقة شاسعة، بل إلى السماح لتركيا بإنهاء الحكم الذاتيّ الكرديّ في عفرين المجاورة ومنع الأكراد من الاقتراب أكثر من المناطق الساحليّة، أي البحر الأبيض المتوسّط.

ولا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا بمشاركة روسيا وحتّى الآن، لم يُظهر الروس أيّ استعداد للاستجابة للمطالب التركيّة المتعلّقة بالتخلّي عن حزب الاتّحاد الديمقراطيّ الكردستانيّ السوريّ وجناحه المسلّح المعروف باسم وحدات حماية الشعب.

ورفض نائب وزير الخارجيّة الروسيّ ميخائيل بوغدانوف الاحتجاجات التركيّة في ما يتعلّق بدعوة موسكو حزب الاتّحاد الديمقراطيّ للمشاركة في محادثات سوتشي، مع أنّه لم يتمّ بعد تحديد موعد للمحادثات بين النظام السوريّ والمعارضة.

وقال بوغدانوف إنّ روسيا تعتبر حزب الاتّحاد الديمقراطيّ منظّمة سوريّة، ملمحاً إلى أنّه لا يحقّ لتركيا الاعتراض على دمجه ضمن مجموعات المعارضة السوريّة. وجاء الردّ الأسوأ من وزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي لافروف الذي قال – بعد أن زعم قالين أنّ روسيا رفضت دعوة حزب الاتّحاد الديمقراطيّ إلى سوتشي بفضل معارضة تركيا - إنّ حزب الاتّحاد الديمقراطيّ سيكون في الواقع حاضراً في سوتشي.

ويبدو أنّ سياسة تركيا المتعلّقة بسوريا لا تتطابق مع سياسة روسيا في ما يخصّ المسألة الأكثر أهميّة، ألا وهي العلاقات مع الأكراد السوريّين، في هذه المسألة بالذات ترى الصحيفة أن أنقرة اختلفت مع واشنطن واضطرّ أردوغان إلى التقرّب من موسكو، بغضّ النظر عن تدهور العلاقات بين تركيا والولايات المتّحدة وحلف شمال الأطلسي.

وأشارت جارديان أنه على الساحة السوريّة، لا يبدو أنّ تركيا تتبع سياسة مستقلّة خاصّة بها ومدفوعة بمصالحها الاستراتيجيّة، وهي تعتمد أكثر فأكثر على موافقة موسكو أو تجد نفسها حتّى تحت رحمتها، كما يبدو أنّ تركيا تضطلع بدور ثانويّ مقارنة بروسيا وحتّى إيران.

والمحور الثاني، الذي لفتت إليه الصحيفة هو العراق، وقالت إن النفوذ التركيّ تمركز في شمال البلاد وطال تحديداً حكومة إقليم كردستان.

ومارست تركيا نفوذها من خلال علاقاتها الوديّة مع أربيل، وهي سياسة قائمة أيضاً على المصالح الاقتصاديّة.

وساد إرهاب الأكراد في أنقرة قبل استفتاء الاستقلال في 25 سبتمبر. وتقرّبت تركيا أكثر من إيران وأشادت بتحرّكات رئيس الوزراء العراقيّ حيدر العبادي ضدّ أربيل، التي قادها نوعاً ما أو على الأقلّ دعمها حرس الثورة الإسلاميّة الإيرانيّ – المرتبط مباشرة بالمرشد الأعلى الإيرانيّ آية الله علي خامنئي.

نأت تركيا بنفسها عن أربيل، وأصبح لإيران الدور الأكبر في تحديد مستقبل العراق، بما في ذلك كردستان العراق. وبالتالي، تراجع نفوذ تركيا، وهي اللاعب الإقليميّ الأوّل خصوصاً في كردستان العراق مقارنة بنفوذ إيران المتنامي في العراق.

والمحور الثالث هو منطقة الخليج، التي كان بإمكان تركيا الحفاظ فيها على موقف حياديّ مدروس بغية الاستفادة من ثقلها الإقليميّ عند الحاجة.

لكنّ أنقرة، على حد قول الصحيفة، قرّرت التحالف مع الدوحة، فحرمت نفسها من الاضطلاع بأيّ دور في التطوّرات التي شهدت نزاعاً بين محور السعوديّة-الإمارات- مصر وقطر.

وفي ظلّ إحكام الأمير السعوديّ محمد بن سلمان، واضع السياسة المناهضة لقطر وإيران في المملكة قبضته، تجد تركيا نفسها في علاقة غير اعتياديّة مع قطر وإيران ضدّ محور سنيّ يحظى بدعم واشنطن ودونالد ترامب.

ومع استقالة رئيس الحكومة اللبنانيّة سعد الحريري، الذي اشترى سنة 2005 55% من أسهم شركة الاتّصالات التركيّة العملاقة «تورك تيليكوم»، التي كانت تملكها الدولة وبنى علاقة شخصيّة وثيقة مع رئيس الوزراء آنذاك أردوغان – لم يعد لتركيا أيّ وكيل في لبنان المجاور لسوريا.

ولا شكّ في أنّ اللهجة الناريّة التي يتكلّم بها أردوغان يوميّاً تسحر الكثير من الأتراك، لكنّها لا تستطيع أن تحجب سياسة تركيا الخاطئة في الشرق الأوسط.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً