لا يزال الدكتور "محمد عبدالغفار مشالى"، أو كما لقبه مرضاه "دكتور الغلابة"، مصرا على أن لا تتجاوز قيمة الكشف داخل عيادته المتواضعة بشارع عمر زعفان بطنطا أمام مسجد العارف بالله سيدى أحمد البدوى، عن 10 جنيهات والاستشارة 3 جنيهات، ليضرب مثالا عظيما للإنسانية.
ورغم أن الحديث عن مشالي، وسرد تفاصيل حياته وقصته ليس جديدا على "أهل مصر"، فقد سبق تناول ملامح من سيرته وجوانب من شخصيته، فإن الجديد هنا هو حديث مرضاه عنه، وشهاداتهم التي أجمعت على عطاء الرجل غير المحدود، وعدم انتظاره لا للشهرة ولا للمال من وراء المهنة التي بات كثيرون يعتبرونها بابا للثراء والوجاهة داخل المجتمع.
تقول "أم أحمد" إحدى المرضى خلال حديثها لـ"أهل مصر": لدى من الأولاد 3، اعتدت أن آتى بهم كلما مرضوا من قريه فيشا سليم مركز طنطا، للدكتور مشالى، فهو طبيب شاطر فى عمله، يرأف بحال المريض وأهله، فأولادى وأولاد إخوتى أيضا لا يستجيبون إلا لعلاج دكتور "محمد".
وتضيف سلوى: عند ولادتى لطفلى الأول كان الكشف 7 جنيهات والإعاده 3 جنيهات، وفى بعض الأحيان يحلل لابنى داخل العيادة هنا، كى لا يكلفنا مصاريف زيادة.
سيدة ثلاثينية داخل العيادة تناولت أطراف الحديث، وقالت: كانت والدتى تأتى بى إلى هنا عندما كنت أمرض، وفى إحدى المرات أتت سيدة تصرخ وهي تلف طفلا بقماشه بيضاء وتعتقد أنه توفى إلا أن الدكتور أسعفه بسرعة شديدة، ورفض أن يتقاضى أى أجر نظير علاجه، بعد رؤيته لما عانته الأم، ونظرا لحالتها المادية.
على صعيد متصل، لم تختلف كلمات سكان الشارع الذى يعيش فيه "طبيب الغلابة" حيث قال "حمادة" أحد أصحاب محلات الحقائب بشارع عياده الطبيب ومنزله بميدان السيد البدوى: "وعيت على الدنيا لقيته فى العيادة دى، من 48 سنة هم عمرى، وأراه يأتى يومياً سيرا على الأقدام فى الثامنة والنصف وحتى التاسعة والنصف مساء، لا يمتلك من حطام الدنيا سوى بضع بذلات، وعدد قليل من القمصان، ويقف فى بعض الأحيان ليلتقط وريقات تعوق دخول البوابة المعدنية لعمارة عيادته، أو للسلام على رواد الشارع من مرضاه القدامى، أو الكشف على الأطفال المتسولين فى الميدان، وكثيرا ما يلتقط معه الشباب فى الشارع الصور التذكارية.
وأضاف "حمادة": على الرغم من سنه المتقدم فإنه يعمل فى عيادتين خيريتين إحداهما فى محلة روح، والأخرى فى شبشير الحصه لله، ولا يتقاضى بهما أى أجر، ويذهب فى قطار التاسعة والنصف يومياً، حتى يوم الجمعة، فلا راحة فى قاموسه أو عطلات، حتى إنه فى بعض الأحيان يقدم علاجا بدون مقابل للمرضى الفقراء.
يذكر أن الدكتور محمد مشالي من مواليد محافظة البحيرة بقرية إيتاي البارود عام 1944، ورغم أنه بحكم سنين عمره الطويلة، قد مر بالعديد من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي مر بها المجتمع، فإنه حدد لنفسه مبدأ واتخذ على نفسه عهدا أن يؤدي الطب كرسالة وهي معالجة ونجدة الفقير من المرض بما يوفقه الله عز وجل.
وقال"طبيب الغلابة" لـ"أهل مصر": "مقابل الكشف عندي كان على طول بيكون أقل من أي دكتور تاني فأول ما فتحت العيادة كان سعر التذكرة اثنين جنيه فقط ودا كان عامل مشاكل لزمايلي لأن في الوقت ده كان الكشف بيكون في حدود عشرة جنيه ولكن أنا مازلت مصر على أن رسالة الطب ليس الهدف منها التربح بشكل جشع واستغلال حاجات الناس".