يَّقِفُ أمامها عَشراتٌ الرجال يومياً فى طابورٍ طويل؛ ينظرون إلي الساطور الذي بيدها اليسري والسكين في يدها اليمني وينتظرون تقطيع اللحم الخاص بطلبهم، يتوافدُ عليها المشترون من جميع المناطق في تمام الساعه الـ ثامنة صباحاً.
خلف اللحوم، وبوسط دمائها، تقف المعلمة "صباح أنور"، لِساعات طويلة على قدميها أمام الجميع مرتدية العباءة البيضاء "عباءة الجزارة" لـ تلبية طلبات زبائنها الذين يأتون خصيصاً للشراء منها، فتقول، "مكنتش أعرف حاجة عن الجزارة بس لما أبويا مات كنت 14 سنة بنت بنوت، وأخويا معرفش يصرف علينا أنا وأخواتي ومراته فقولتله خدني المدبح اتعلم إزاي أبقي جزارة لأجل تربية أبنائي، وعندما وجدني أخي مصرةٌ على الأمر اصطحبني وفور دخولي لـ مدبح السيدة وشم رائحة الدماء نتج مني شعوران متضادان للغاية أحدهما أن أترك يد ٱخي وأرجع إلي الوراء والآخر بأن أكمل في الطريق الذي اخترته، وبالفعل أكملت به رغم قلق أخي من حدوث أي ضرر لي لعدم مقدرتي على استخدام الساطور".
وتضيف صباح، "بيني وبين اللحمة علاقة حب من أول نظرة، استطعت خلال عام ونصف في معرفة المهنة بل والتمكن منها وبدأت انتشر في محافظة المنوفية ، رغم رفض الجميع لي في البداية نظراً لأنني في محافظة ريفية لا تفضل عمل المرأة علي الإطلاق، ولكن عملت بجد و إفتتحت كشكا صغيراً لتربية إخوتي، وها أنا أعمل حاليا منذ 47 عاما قمت بتربية إخوتي وتعليمهم وتزوجتُ وبعد عِدة سنواتٍ من زواجي مرض زوجي فأصبح لا يقدر علي العمل فعَّمِلتُ من جديد مرة أخري لتربية أبنائي، وتوسعتُ حتي أصبحتُ أقوم بالذهاب لدمنهور وإيتاي و مطروح لجلب الماشية من الأبقار، والجاموس، والماعز ، والأغنام".
"لا يوجد فرق بين الرجل والمرأة"، كلمات ترددها المعلمة صباح دائماً أمام زبائنها، للتأكيد لهم انها ذات قدرة على تحمل الصعاب وكافة المشقات، وتستطيع العمل حتى في العمل الذي يحتاج القوة البدنية.