بعدما بعدت عن الأضواء والكاميرات قرابة الـ خمس سنوات، تذكرها المخرج نيازي مصطفي في عام 1975 لتشارك زينات صدقي بدور صغير (أم إبراهيم الخادمة) في فيلم "بنت اسمها محمود" قصة وسيناريو بهجت قمر وحواره، أمام سهير رمزي وسمير صبري ومحمد رضا وسمير غانم وهالة فاخر وسهير الباروني وسلامة إلياس.
ولحسن الحظ، شاهد الرئيس محمد أنور السادات الفيلم بالصدفة بعد عرضه، وكانت أمامه في هذه اللحظة ورقة بأسماء الفنانين الذين سيتم تكريمهم في عيد الفن الأول، فهاتف الدكتور رشاد رشدي، مدير أكاديمية الفنون وقتها، وستنكر عدم وجود اسم الفنانة "زينات صدقي في الكشف رغم أنها فنانة كبيرة.
وطلب السادات تكريمها بشكل يليق بها، كما طلب وضع اسمها بجانب تحية كاريوكا ونجوى سالم، حتى أن زينات صدقي بنفسها لم تصدق تكريم السادات لها والدكتور رشاد رشدي يبلغها بنفسه، كأنما أعاد إليها روحها التي فقدتها منذ سنوات، وراحت تستعد كأنها عروس تستعد ليوم زفافها.
ظلت الفنانة لمدة أسبوعين تقوم بتجارب على اللقاء، وكل يوم ترتدي فستاناً من خزانة ملابسها، لترى فيه نفسها وكيف ستبدو، وفي الليلة السابقة على التكريم، لم يغمض لها جفن، حتى إنها اضطرت إلى تناول قرص منوم لتنام.
لم تصدق زينات نفسها وهي تقف على خشبة المسرح وجمهور الحضور يصفق لها بشكل مبالغ فيه، بمن فيهم رئيس الجمهورية نفسه، حسب ما نقل الكاتب أحمد رياض، حتى اقتربت منه وصافحته وهو يناولها شهادة التقدير ويخبرها باستحقاقها لشهادة تكريم عالمية، فبكلماته رفع من شأنها ومعنوياتها واخبرته أنها لا تحتاج شيئًا من الحياة بعد هذا التكريم، لكنه قرر لها معاش استثنائي.
اقرأ أيضا.. شريف منير يوضح حقيقة مدحه إسرائيل في أعماله الفنية (فيديو)
بعد تكريم السادات لها عاشت زينات أياماً من السعادة لم تذق طعمها منذ سنوات طويلة، غير أن سعادتها لم تدم طويلاً، عندما دخلت عليها حفيدتها عزة مصطفى وهي تصرخ وتبكي وتخبرها بخبر وفاة "عبدالحليم حافظ" الذي اذاعته محطة الإذاعة المصرية حينها لتقول جملتها " حسرة قلبي عليه... من يومه ابن موت. يا خسارة شبابك يا حبيب قلبي".
ظلت زينات ترتدي الأسود وتقيم الحداد على حليم 40 يوماً، ولم تبعدها عنه سوى حفيدتها عزة عندما ألحت عليها للخروج معها، ولم تكن ترفض لها طلباً، فقررت الذهاب لتناول الشاي معها في حديقة "غروبي" في وسط القاهرة، وهالها ما رأته من التفاف الجماهير حولها في الشارع وداخل المحل وبأعداد غفيرة. حتى إن مدير المحل اضطر إلى طلب شرطة النجدة خوفا من تحطيم الجماهير للمحل.
على رغم صعوبة الموقف فإنها شعرت بسعادة غامرة لتكريم الجماهير لها، وضاعف من سعادتها تكريم من نوع آخر عندما أحضرت لها رئاسة الجمهورية دعوة خاصة من رئيس الجمهورية يدعوها فيها لحضور عقد قران قرينته جيهان على محمود نجل المهندس عثمان أحمد عثمان، لتذهب بصحبة نادرة ابنة شقيقتها، حيث استقبلها السادات بحفاوة شديدة وأعطاها رقمه الخاص، وبشرها بذهابها لأداء مناسك الحج في موسمه بنفس عام زواج ابنته.
ذلك كله ما كانت تتمناه "زينات صدقي" من الدنيا، فلم تستطع أن تصف سعادتها عندما أعلن لها السادات عن قرب تحقيق هذه الأمنية، التي على رغم حاجتها الشديدة إليها، فإنها لم تطلبها بسبب عزة نفسها، وهو السبب نفسه الذي جعلها لا تطلب من الرئيس العلاج على نفقة الدولة بعد إصابتها بمرض "المياه على الرئة" لتتدهور حالتها بسرعة رهيبة خلال ثلاثة أشهر فقط، وأصرت على عدم الاتصال بالرئيس، حتى أنها هددت بشربها لشريط برشام لو أخبر أحدهم "السادات" بحالتها الصحية، ذلك لأنه اعتبرت أن مرضها هذا هو نهاية رحلة حياتها.
وطلبت من الجميع ألا يحزن عليها ويبكيها، قائلة لمن حولها: "أنا عشت طول عمري بحاول أضحكم.. مش عايزة آجي في الآخر وأبكيكم.. سيبوني أرتاح"، وطلبت من الحاضرين وقتها بجلب بعض حبات الكريز لتناولها، لأنها كانت تشتهيه قبل موتها، وكانت هذه آخر أمنية لها قبل أن تفارق روحها جسدها المنهك في الثاني من مارس 1978، وقبل أشهر قليلة من تحقيق أمنيتها بحج بيت الله الحرام، لتدفن إلى جوار والدتها في المقبرة التي بنتها في حياتها وكتبت عليها: "لا تنسوا قراءة الفاتحة على روح زينب محمد سعد".