رمز للحُب والسلام، استُخدم قديمًا فى نقل الرسائل بين الناس، وفي عصرنا الراهن أصبحت تربيته «غية» وعشق من نوع خاص، ولذا سمى المكان الذي يُربى فيه بـ«الغية»؛ إنه الحمام، هذا الطائر الذي تتعدد أنواعه وألوان أجنحته وريشه، وبات اقتناؤه مدعاة للمحبة والسعادة النفسية، والتي تبنع من وداعة هذا الطائر ومنظره المبهج، وكذلك مدعاة السعادة المادية، كونه من أغلى الطيور المستأنسة التي يتجاوز سعر الواحد منها الالاف الجنيهات.
وللمصريين حكايات فى حب الحمام لا تنتهي، ولا تخلو الأحياء الشعبية فى القاهرة من هواة تربية الحمام، ولذا تجد «الغية» بأعلامها المميزة تزين الكثير من البنايات السكنية في الأماكن الشعبية؛ ففوق سطح أغلبية المنازل يحرص بعض الشباب على بناء «غية حمام» لتكون متنفسًا له، يصعد إليها كل يوم لممارسة هوايته والاستمتاع بأسرابه وهي تحلق من حوله في سماء المدينة.
حسن.. غاوي تربية الحمام
وفي شارع المعز لدين الله الفاطمي، بحي الجمالية التابع لمحافظة القاهرة، يهوى «حسن محمد حسن»، البالغ من العمر 35 عامًا، تربية الحمام؛فمنذ نعومة أظافره كان يحلم بأن يكون لديه مئات الأزواج من الحمام، وبالفعل بدأ في تحقيق حلمه وهو في ربيعه العاشر، وذلك حين شرع في تربية 6 أزواج من هذا الطائر في «بلكونة»المنزل، وبعد 25 عامًا أصبحت لديه «غية حمام» كاملة، شيدها بإرتفاع طابقين فوق سطح منزله، لتتحول تربية الحمام إلى هواية ومصدرًا للرزق في آن واحد، فهو يأخذ صغار الحمام ويذهب لبيعها في سوق الجمعة بالسيدة نفيسة.
يقول حسن، في حديثه لـ«أهل مصر»: إنه يقتني في «غية الحمام» الخاصة به، عددًا من السلالات النادرة، تسمى «فصيلة الغزار»، والسبب في إطلاق هذا الاسم عليها يعود إلى عهد الدولة العباسية،حيث كان الأمراء يتقاذفون الحمام المصري في حفلات الرقص والغناء التي كانوا يقيمونها، فيعم الضحك والهزار أرجاء المكان، ولذلك سُمي حينذاك بـ«الحمام الهزار»، وبمرور السنوات حُرفت التسمية لتصبح«الحمام الغزار»، وهناك أيضًا: الحمام الأبلق، والصوافة القطقاطي، والمساويد، وجميعها من سلالات الحمام الطيار العالي السريع، وهي سلالة مصرية، والفروق الرئيسية بينهم في الألوان وطريقة توزيعها على جسم الطائر، وفي العيون والمنقار.
يضيف حسن: هناك فئة أخرى أحرص على اقتنائها داخل «الغية» الخاصة بي، تسمى «الحمام الشامي»، وهي سلالة سورية، وتضم ثلاثة أنواع: الحمام العبسي، والكركندي، والحلبي، وتتميز هذه السلالة بأنها لا تطير بعيدًا عن المسكن،مشيرًا إلى أن الحمام المستأنس والذي يتم تربيته داخل أي «غية» يتميز بمنقار قصير جدًا، وعيون واسعة، وجفون رفيعة، وجسم وأجنحة طويلة، ووجه يشبه البومة، وأرجل خالية من الريش، ورأس غير مزين بزوائد ريشية، وذيل أطول من الأجنحة، ويُطلق على هذا النوع المستأنس «الغاوي»؛ لأنه يغوى بعضه بعضًا ويطير في جماعات، ويألف مسكنه بشدة، ويصعب تربيته في أي مسكن إلا إذا أخذ وتم تربيته وهو صغير (فراخ).اقرأ أيضا.. "ست بـ100 راجل".. قصة كفاح "سعدية" سائقة التروسيكل بالفجالة.. رفضت الحرام واختارت الشقاء.. تُعيل 3 أبناء ووالدتها المريضة
تطيير الحمام عن «الغية»
وعن موعد تطيير«حمام الغية»، أوضح حسن، أن بدايته في شهور ديسمبر ويناير وفبراير من كل عام، ويكون للحمام البالغ فقط، قبل المغرب بساعة تقريبا؛ أما الحمام الصغير الذي لم يبلغ العام، فيتم تطييره في جميع الأوقات ويترك له الحرية للتحويم حول المسكن، ويجب تدريب الحمام على الطيران بشكل جماعي ضمن نفس السرب، وعادة ما يتم تطيير الحمام القوي أو المميز في رمية الطيران الأولى.
يشدد حسن، على أن من الأشياء الهامة التي يجب أن يعرفها كل من يغوي تربية الحمام، هي عدم تربية الطيور الضعيفة أو البطيئة في الطيران التي يمكن استدراجها بسهولة وجرها مع حمام آخر، وذلك لأن هناك احتمال كبير أن تذهب إلى غية غريبة في كل مرة تطير فيها.
اقرأ أيضا.. نقاش بدرجة فنان.. محمد عايد يلعب بالهواء ويبدع في رسومات الـ 3D على الجدران
وعن أسعار الحمام، يؤكد: أن سعر الزوج يتراوح ما بين 400 إلى 500 جنيهًا، ولكن هناك أنواع نادرة يتعدى سعرها الـ 2000 جنيهًا، مشيرًا إلى أن أكبر المشكلات التي تواجه من يربون الحمام داخل «الغية» هي طائر «البومة»، التي تأكل البيض والحمام الصغير، إضافة إلى الفئران التي تقرض خشب الغية، وهناك أيضًا مشكلة إصابة الحمام بالعديد من الأمراض التي تفتك بحياة الكثير من الأزواج على مدار العام.
واختتم حسن، حديثه لـ«أهل مصر»، قائلاً: «غية الحمام بنيت علي الحب والسلام، لا علي الغل والحقد والكراهية كما يظن البعض، فالحمام مرسال الحب والسلام، وهو وسيلة لنقل الحب والتواصل بين الناس».