رحلة عذاب يقطعها ذوي الاحتياجات الخاصة بمحافظة الإسكندرية لاستخراج كارت الخدمات المتكاملة والذي وصف عدد كبير منهم شروط استخراجه بـ«التعجيزية»، وقد أثارت تلك الشروط حالة من الغضب الشديد بينهم بمختلف فئاتهم، معتبرين أن تلك الشروط بمثابة الاستهانة بهم والغير منطقية كما لم يتم مراعاة ظروفهم الصعبة وصعوبة حركتهم.
وتعد بطاقة الخدمات المتكاملة هي الوسيلة الوحيدة المعتمدة لإثبات الإعاقة ونوعها ودرجتها وتساعده في الحصول على الخدمات المختلفة والتسهيلات والمزايا المقررة له بموجب التشريعات السارية وتعد البيانات التي تتضمنها هذه البطاقة في إثبات الإعاقة ونوعها ودرجتها أمام جميع الجهات التي يتعامل معها الشخص ذو الإعاقة بما في ذلك جهات التحقيق والمحاكمة، ومن بين شروط استخراج تلك البطاقة تقديم تقرير طبى صادر من أحد مستشفيات وزارة الصحة والهيئات التابعة لها أو المستشفيات الجامعية أو المستشفيات التابعة للقوات المسلحة والشرطة، يوضح التشخيص الطبى لحالته والتى تؤكد وجود إصابة أو مضر أو حالة مرتبطة بالإعاقة.
كما تتضمن الشروط قيام طالب الحصول على بطاقة إثبات الإعاقة والخدمات المتكاملة بتسجيل بياناته بمكتب التأهيل الاجتماعى التابع لمحل إقامته والصادر بشأنه قرار الوزير المختص بالتضامن الاجتماعى المنظم لعمل مكاتب التأهيل الاجتماعى، ويقوم مكتب التأهيل الاجتماعى بتطبيق أداة تقييم إثبات الإعاقة ونوعها ودرجاتها والتى تعتمد على التقييم الوظيفى لحالة الشخص ومدى الصعوبات الوظيفية التى يواجهها عند قيامه بأنشطة الحياة اليومية، كما تحدد مدى انطباق تعريف الشخص ذى الإعاقة ونوع ودرجة الإعاقة من عدمه على الحالة المتقدمة للحصول على بطاقة إثبات الإعاقة والخدمات المتكاملة، ويقوم مكتب التأهيل الاجتماعى بتحديد درجات الإعاقة وفقًا للمستويات الثلاثة الواردة بالمادة (3) من اللائحة فى حالة إثبات الإعاقة.
حسين عاشور، «كفيف»، معلم بمديرية التربية والتعليم بالإسكندرية، يقول إن الإجراءات التي طُلبت منهم للحصول علي بطاقة الخدمات المتكاملة «الكارت الذهبي» إجراءات صعبة عليهم كمعاقين سواء من ناحية صعوبة الحركة أو من الناحية المادية، موضحًا أنه بالنسبة للمعاق البصري طُلب منه في بداية الأمر إحضار تقرير عن حالة إعاقته البصرية ومجال للرؤية وحدّة إبصار ثم اكتفوا بتقرير واحد بعدما استخرج بعض المعاقين بصريًا التقارير الثلاثة وهم مكلفين ماديًا، ورغم عمل التقرير في بعض المستشفيات الحكومية إلا أن بعض مكاتب التأهيل المهني طلبوا إحضار تقرير آخر من مستشفي الرمد للعيون تحديدًا.
وأضاف عاشور، أنه بالنسبة للمعاقين حركيًا، وهم الذين لديهم شلل أطفال، طُلب منهم عمل أشعة رنين علي المخ أو علي العمود الفقري وهذه الأشعة مكلفة أيضًا ماديًا كما يجد المعاق حركيًا صعوبة في التنقل لعمل هذه الأشعة، كاشفًا أنه نتيجة لذلك حدث تكدس كبير لذوي الاحتياجات الخاصة في مستشفي الرمد مما أدي لطلب الأطباء بالمستشفي إبعادهم عن بعضهم البعض خوفًا من انتشار فيروس كورونا المستجد خاصة وأن المستشفي مساحته صغيرة ولا يستوعب كمّ الأعداد الكبيرة مما اضطر البعض منهم إلي الذهاب إلي مستشفي أبو قير العام، وقد تسبب ازدياد عدد المعاقين حركيًا داخل مستشفي أبو قير العام أيضًا في حدوث بعض المشكلات واستغلال بعض الأشخاص من العاملين في المستشفي لهم لعمل «سبوبة» والحصول علي مال منهم لتسهيل عمل التقارير الطبية لهم.
وتابع أن المستشفي سواء الرمد أو أبو قير العام كان يتم تحديد عدد محدود فقط في اليوم الواحد لاستخراج التقرير الطبي، حيث كان في البداية يتم استقبال 40 حالة فقط علي مدار اليوم أما الآن فقد وصل العدد إلي 25 حالة فقط، مما يسبب ذلك معاناة كبيرة لبعض ذوي الاحتياجات الخاصة لتكرار ترددهم علي المستشفي، ونظرًا للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد قرر المستشفي الكشف في يومٍ واستخراج التقرير في اليوم التالي وهو أمر شاق لصعوبة حركة المعاق.
وأردف أنه فيما يخص الأقزام، فكان قد طُلب منهم عمل أشعة علي «الدماغ» وعلي الأطراف وهي أشعة مكلفة حيث يصل ثمنها إلي 1500 جنيه بحسب قول البعض، لافتًا إلي أن المعاناة نفسها يعيشها أصحاب الإعاقات الأخري مثل «الداون والذهني والتوحّد».
وقال عاشور، إن هؤلاء المعاقين الذين لديهم الكارنيه الأبيض الحاصلين عليه من جمعية التأهيل المهني التابعة للشؤون الاجتماعية وكارنيه المواصلات الخاص بالمعاقين بصريًا والحاصلين عليه من الشؤون الاجتماعية ومعهم شهادات تأهيل وقد تم الحصول علي كل تلك المستندات بعد إجراء الفحص الطبي الذي أثبت إعاقتهم، لماذا طُلب منهم إذًا إجراء كشف طبي آخر للحصول علي الكارت الذهبي أُسوة بالمعاقين المسجلين في قاعدة معاش «تكافل وكرامة» والمعاقين الحاصلين علي سيارات والذين استلم بعضهم بطاقة الحدمات بناءً علي الكشف الطبي للسيارات والكشف الطبي الخاص بمعاش «تكافل وكرامة» ولم يتم طلب تقرير طبي منهم جديد؟! أيضًا لم يُحدد القانون ولم يُفرّق بين المعاق شديد الإعاقة مثل كف البصر الكلي والجزئي وبين الشلل الرباعي والشلل النصفي وأن كل من يثبت أنه معاق فلن يُصنّف بإعاقة شديدة أو إعاقة بسيطة فلماذا قسّمت وزارة التضامن الاجتماعي المعاقين عدة مراحل.
كما تساءل عاشور: «لماذا لم تصدر وزارة التضامن الاجتماعي توصياتها لمصلحة الضرائب لتفعيل المادة الخاصة بخصم 50% من ضريبة الدخل للمعاقين المعينين بقرار 5% ويوجد بملفهم شهادة التأهيل التي تُثبت الإعاقة! فهل تأخير الحصول علي بطاقة الخدمات المتكاملة تقصير من المعاق بالرغم أنه تم نشر قانون 10 لذوي الاحتياجات الخاصة في جريدة الوقائع المصرية بتاريخ 22/12/2018 والذي يجب تفعيله في اليوم التالي لنشر هذا القانون».
وأشار إلي أنه بالنسبة للأسئلة التي وضعتها وزارة التضامن الاجتماعي ليقوم موظف مكتب التأهيل بتوجيهها للشخص المعاق فهي أسئلة تحتاج إلي مراجعة لأن هناك بعض من هذه الأسئلة بها عدم دراية ببعض الإعاقات، حيث هناك بعض الأسئلة التي تُوجَّه للمعاقين بصريًا وحركيًا بها بعض الاستخفاف بالمعاق خاصة «البصري والحركي والأقزام» مثل توجيه سؤال للبصري «هل ترتدي ملابسك بمفردك أم بمساعدة الآخرين؟»، وأيضًا: «هل تستخدم وسائل المواصلات بمفردك؟»، وكذلك: «هل إنت بتعرف في الفلوس الورقية؟»، متسائلًا كيف يتم توجيه مثل تلك الأسئلة وهو يعلم أن إعاقته بصرية لا يري!.
وقال محمد خميس، أحد المعاقين حركيًا بالإسكندرية، إنهم يعيشون في معاناة كبيرة للحصول علي «الكارت الذهبي» حيث كانت الإجراءات في السابق يسيرة عليهم أما الآن فتم وضع إجراءات تعجيزية حيث طُلب منه إحضار تقرير طبي مختوم بختم المستشفي وبختم النسر ويتم إجراء أشعة علي المخ، وعندما ذهب لعمل أشعة علي المخ سأله الطبيب عمل الأشعة علي أي جزء من المخ! ورفضت جميع المستشفيات عمل الأشعة حيث قالوا لابد من أن يكون لديهم تقرير طبي من أحد الأطباء موضح فيه عمل أشعة علي أي جزء في المخ، كما أنه معاق حركيًا فلما يتم طلب منه عمل أشعة علي المخ! علمًا بأن المعاقين حركيًا من المفترض أن يتم الكشف عليهم من خلال لجنة من التأهيل المهني.
فيما كشفت سعاد أحمد طه، موظفة بإحدي شركات الشحن والتفريغ بميناء الإسكندرية، معاقة حركيًا، رحلة معاناتها لاستخراج كارت الخدمات المتكاملة، قائلة: «ذهبت لاستخراج الكارت من مكتب التأهيل المهني فطلب إحضار تقرير طبي من أي مستشفي مختوم بختم النسر علمًا بأن لديها شهادة الإعاقة المستخرجة من التأهيل المهني نفسهم ولا يوجد هناك داعي لتقرير طبي لإثبات إعاقتها لكن هما مش عارفين عايزين إيه»، مضيفة: «ذهبت إلي مستشفي أحمد ماهر فقال لي الطبيب إحنا مش فاهمين هما عايزين إيه بالظبط وقام بأخذ شهادة التأهيل المهني وعمل تقرير من خلالها، إذًا فلماذا طلب التأهيل المهني إحضار تقرير طبي من الأساس! وهذا يدل علي أنهم لا يعلمون ماذا يريدون، وعندما أحضرت كل الطلبات المطلوبة قال لي الموظف بالتأهيل المهني إنتي إعاقة خفيفة هتبقي المرحلة التانية إحنا بناخد مرحلة أولي الإعاقات التقيلة.. أنا أول مرة أشوف حاجة اسمها إعاقة خفيفة وإعاقة تقيلة».
وأضافت سعاد، بنبرة غاضبة: «المستشفيات بقت بتتريق علينا وعملونا مسخرة لكل الناس، الموظف بالتأهيل المهني طلب إحضار أشعة علي قدمي، هو شلل الأطفال فيه أشعة علي القدم! إزاي هيتعمل أشعة علي رجلي وهي فيها شلل!»، مشيرة إلي أن صديقة لها معاقة حركيًا في قدميها الاثنين اليمني واليسري، وموظفة بمديرية التربية والتعليم عندما ذهبت لاستخراج الكارت طلب منها موظف التأهيل المهني عمل أشعة علي المخ! لماذا أشعة علي المخ وهي معاقة حركيًا وليس ذهنيًا! طلعونا معاقين ذهنيًا أيضًا»، متابعة: «لم تترك صديقتي مستشفي إلا وذهبت إليه وكل طبيب يرفض عمل أشعة قائلًا كيف عمل أشعة علي المخ! ويتم عملها علي أي جزء بالتحديد علي المخ وبناءً علي إيه!».
وتابعت: «قلة قيمة بنشوفها وكل المستشفيات ترفض استخراج كشف طبي وردهم دائمًا أعطيكم كشف طبي مختوم بختم النسر بناءً علي إيه فليس لدينا تعليمات بذلك، مش عارفين بيعملوا معانا ليه كده أمّال فين عام المعاق!».