الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو واحد من أكثر القادة تبعية في تاريخ الجمهورية التركية، فعلى مدى العقدين الماضيين، انفصل تدريجياً عن نموذج كمال أتاتورك للسياسة الخارجية المتمحور حول الغرب والتطلع الداخلي، وبناءً عليه، قام بتوجيه تركيا إلى الشرق الأوسط لبناء نفوذ في دول الشرق الأوسط بدأ بسوريا ومن ثم السودان ومؤخراً ليبيا لكن كانت العقبة التي تعرقله دائماً الرباعي العربي خاصة مصر التي وقفت كـ"سد منيع" لوقف النزيف العربي على يد العثمانيين.
حاول " أردوغان" إحياء الخلافة الإسلامية المزعومة من قبله على يد جماعة الإخوان المسلمين المحظورة بداية من مصر وعندما فشل تحالف مع قوى الشيطان "قطر وإيران وداعش والإخوان" في سوريا حيث اقتطع بعض الاراضي بحجة محاربة الأكراد الذين يشكلون تهديداً مباشراً عليه حسب مزاعمه، واستوقفته مصر في أكثر من جولة عندما كانت سبباً لوقف لعدة اتفاقيات لوقف إطلاق النار في الكثير من المدن السورية المنكوبة على رأسها إدلب معقل النفوذ التركي، وفي السودان حاول "اردوغان" القفز على الثورة السودانية التي اطاحت برجل "اردوغان" الهام "عمر البشير" زعيم الاخوان في الخرطوم ورئيس الدولة السابق، ولكنه فشل ايضاً عندما دعت مصر قائد الجيش السوداني للزيارة واوضحت خريطة الإخوان ومحاولات التلاعب بالحكم السوداني ومن جهة أخرى دعمت الإمارات الدولة المنكوبة مادياً لإبعادها عن "ثالوث الشر" في محاولة لقتل إحياء الإخوان المسلمين في مهدهم.
اقرأ أيضاً: وثائق سرية تكشف سماح "أردوغان" بدخول إيران لمعلومات سيادية في بلاده
حتى تسنت الفرصة للرئيس التركي في تحالف جديد مع "فايز السراج" رئيس حكومة الوفاق الوطني الذي باع شعبه وبلاده في عقد دموي مع "اردوغان" للاصطفاف إلى جانب ميلشياته الإرهابية في محاربة الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
ما هو هدف أردوغان في ليبيا؟
في نوفمبر 2012، زار الرئيس التركي مصر مصطحباً وفداً كبيراً، وخطب خطبة عصماء في جامعة القاهرة، اشاد فيها بالمعزول محمد مرسي الذي أطاح به الشعب في ثورة 30 يونيو لقرار سحب سفير مصر لدى إسرائيل ردا على الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة.
كما اقترح أردوغان حينها أن "التحالف المصري التركي" سيضمن السلام والاستقرار في شرق البحر الأبيض المتوسط ، مما يعني أن مثل هذا التحالف سيحد من قدرة إسرائيل على استخدام القوة. وأشاد أردوغان بالناشطين الشباب المصريين لإسقاطهم "دكتاتورية مبارك" ، وأعلن أن "مصر وتركيا يد واحدة".
لكن سرعان ما تبخرت أحلام الديكتاتور "اردوغان" عقب ثورة 30 يونيو وصعود الرئيس عبد الفتاح السيسي غلى حكم البلاد والذي أكتشف مخططات الإخوان وتركيا وقطر للتلاعب بالمقدرات المصرية، ومحاولة نهب ثرواتها، للإيقاع بمصر ومن ثم السيطرة على باقي دول الشرق الأوسط.
اقرأ أيضاً: بيع قاصرات وتجسس على الـFBI.. جرائم "أردوغان" التي أخفاها لبناء خلافته الوهمية (وثائق)
ووفقاً لمعهد واشنطن للدراسات،بحلول عام 2019 ، كانت قطر هي صديق أردوغان الوحيد في الشرق الأوسط،كلا البلدين يدعمان الجماعات الإسلامية السياسية ، بما في ذلك الإخوان في مصر سابقاً وحماس في غزة ، وكذلك الجماعات المنتسبة للإخوان في سوريا وليبيا.
وتوطد التحالف التركي القطري بعد أن انحازت تركيا إلى الدوحة في نزاع بين دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2017، وفي 5 يونيو 2017 ، اندلع النزاع عندما بدأت البحرين ومصر والحكومة الليبية المتمركزة في الشرق وجزر المالديف والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطع اليمن العلاقات مع قطر ، مشيراً إلى دعم الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين واتهامها بدعم الإرهاب.
كان رد فعل تركيا الفوري على الأزمة هو محاولة الحفاظ على الحياد والدعوة إلى الحوار، ولكن بعد أيام قليلة من الحصار، أصبح من الواضح أن أنقرة قررت اتخاذ موقف مؤيد لقطر.
اللعبة بين مصر وتركيا
ثم بدأت اللعبة بين مصر والإمارات من جهة وقطر وتركيا من جهة أخرى،ففي فلسطين، تحاول مصر التوسط في صفقة بين حركتي فتح وحماس المتنافستين ، بينما يدعم المحور التركي - القطري حماس.
في القرن الأفريقي ، تعاونت الدوحة وأنقرة لزراعة النفوذ في الصومال في 2011 ولاحقًا في السودان،في هذا التحالف ، توفر أنقرة القوى العاملة على الأرض بينما توفر الدوحة الاستثمارات.
في الصومال ، تتركز هذه الاستثمارات في العاصمة مقديشو ، وفي السودان ، شرعت تركيا في بناء ميناء في سواكن على ساحل البحر الأحمر، ولكن مصر أحبطت مخططات تركيا عقب قيام الثورة ضد "البشير" بشكل نسبي حتى الآن.
ماذا سيحدث في ليبيا ومن يساعد أردوغان هناك؟
بالعودة إلى ليبيا، وتحالف اردوغان مع السراج، اقتضى الأمر إرسال "مرتزقة سوريين" وغيرهم لمساندة ميلشيات والوفاق الوطني وجيش مصراتة الإرهابي، ولكن من يساعد "أردوغان في ذلك؟!
الإرهابي مهدي الحاراتي يقبل رأس أردوغان
مؤخراً ظهرت صورة "إرهابي" يقبل رأس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الإنترنت ، مما يكشف تاريخ العلاقة بين الزعيم التركي والمنظمات الإرهابية، واكتشف عقب ذلك اسمه "المهدي الحاراتي" وهو الاسم الذي ظهر مؤخراً في ليبيا ، بعد أن أرسلت تركيا المئات من المقاتلين السوريين إلى الدولة الواقعة في شمال أفريقيا للانضمام إلى صفوف حكومة فايز السراج في طرابلس، وفقاً لصحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية.
مهدي الحاراتي في ليبيا
ويعتقد أن الحاراتي، الليبي الأيرلندي، لعب دورًا رئيسيًا في نقل المسلحين ، خاصةً أن له علاقات قوية مع الفصائل السورية المتطرفة، وفي نهاية عام 2019 ، كشفت كتيبة تابعة للجيش الوطني الليبي أن حاراتي جند الإرهابيين السوريين الذين قاتلوا تحت قيادته في ميليشيا تعرف باسم "لواء الأمة" لمساعدة حكومة السراج.
مهدي الحاراتي مع كتيبة الأمة
عاش في أيرلندا لمدة 20 عامًا ، وجاء إلى ليبيا عندما بدأت الاحتجاجات في عام 2011، و قاد كتيبة "ثوار طرابلس" في ذلك الوقت حتى قتل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي.
بطاقة مهدي الحاراتي
خطوة ترسيم الحدود في ليبيا
وفي سياق متصل، تقول "صحيفة ذا وورلد" الأمريكية أن تركيا احالت رسميا اتفاقها مع ليبيا بشأن الحدود البحرية بين البلدين المتوسطيين إلى الأمم المتحدة للموافقة عليه ، على الرغم من معارضة عدد من الدول المتاخمة للبحر الأبيض المتوسط.
اقرأ أيضاَ: جرائم أردوغان في شوارع "السمسم".."صحيفة أمريكية "تكشف كواليس استفتاء "اليكتاتور الجديد"
الخطوة هي جزء من الجهود الدبلوماسية التركية الهادفة إلى تأمين مصالحها في البحر الأبيض المتوسط، كما أنه يحمي حكومة الوفاق الوطني الليبية التي تدعمها الأمم المتحدة ومقرها طرابلس من استغلال الدول الأجنبية لها، وفق مزاعم أردوغان كحجة شرعية للدخول إلى ليبيا والاستيلاء على ثوراتها، وجاءت تلك الخطوة بعد اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر وقبرص التي جاءت ضربة في مقتل لـ"اردوغان" الذي رسم الخطط لإقامة هذه الصفقة ومن ثم فشلت وسحبت مصر "البساط من تحت قدميه".
الاتفاق الذي وقعه الزعيم الليبي المدعوم من الأمم المتحدة فايز السراج والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 27 نوفمبر ، يمنع إسرائيل واليونان والإدارة القبرصية اليونانية ودول إقليمية أخرى من انتهاك الحدود البحرية وإخراج ليبيا وتركيا من الموارد الغنية بالموارد.
مخطط أردوغان في ليبيا
مخطط الرئيس رجب طيب أردوغان تجاه ليبيا له سمة خاصة تختلف عن نهجه العام في السياسة الخارجية، يصف بعض الدبلوماسيين الأمريكين وفقاً للمونيتور أنها "اقفز أولا ثم فكر لاحقاً.
إن قرار أردوغان بالتخلي رسمياً عن الحياد في النزاع الليبي وتقديم الدعم العسكري لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في طرابلس ساعد بلا شك في تحويل الانتباه الدولي إلى هذا النزاع، ومن غير قصد منه أدى إلى اصطفاف العالم حول اليمين الليبي المتمثل في الجيش الليبي الذي ظل لسنوات متهماً بسرقة مقدرات البلاد، وكشف الوجه الحقيقة لحكومة فايز السراج .
وفي النهاية أصبحت أنقرة اليوم أكثر عزلة من أي وقت مضى في الشرق الأوسط،ومن المفارقات ، أن محور أردوغان في الشرق الأوسط ، والذي يهدف إلى إبطال وجهات نظر الأتراك العنصرية تجاه العرب، يرسخ هذا بشكل أكبر منذ دخول تركيا إلى ليبيا.