اعتذرت أكثر من كنيسة حول العالم، وخاصة الكنيسة إنجلتر عن صمتها لقرون طويلة على الفتك بلحوم وأعراض مئات الملايين أو حتي مليارات البشر عبر التاريخ ممكن أطلق عليهم الرقيق أو الأرقاء أو العبيد، وفي ذكرى مرور 200 عاما على إلغاء النخاسة في بريطانيا خرج جاستن ويلبي، رئيس أساقفة كانتربري، وهو في الوقت نفسه الزعيم الروحي لجميع أتباع المذهب الأنجليكان حول العالم ليعترف بأن كنيسته شاركت بالفعل وبالصمت على ما يوصف بهولوكست الرب الذي تم بمقتضاه ذبح واستغلال ما يقرب من ثلثي البشر الذين وصموا بالرق في تاريخ الإنسانية وحيث كان هناك دليل دائم على أن عدد الأرقاء كان يساوي ضعف عدد الأحرار في جميع المجتمعات البشرية منذ ظهور الرق وحتي إلغاءه رسميا قبل نحو 200 عاما فقط، وفي الوقت الذي اعتذرت فيه الكنيسة الانجليزية عن دورها في ممارسة جريمة الرق وتوفيرها الغطاء الديني والأخلاقي لاستعباد البشر، لا يزال من يصوفون بشيوخ السلفية العلمية في مصر وعلى رأسهم أبو أسحق الحويني، الذي يزعم أتباعه أنه أعلم أهل الأرض يبرر للرق ويدعو له .
https://www.facebook.com/EnlightenmentFightMindlaught/videos/1193220544039211/
وفي هذا الفيديو اعتبر الحويني أن الحل لكل مشاكل المسلمين الاقتصادية هى غزو غيرهم واسترقاق الرجال والنساء والأطفال وقال في الفيديو المنشور له : ( كل مسلم ياخذ 2 ستات و2 رجال وعيلين ولما يتزنق ويمر بضائقة مالية يروح يبيعهم ويفك زنقته) مؤكدا على أنه عند قيام الدولة الإسلامية وتطبيق احكامها فمن الضروري إنشاء سوق النخاسة لبيع العبيد. فيديو أبو اسحق الحويني ليس مفاجئا ولا جديدا لكل من يدرس فقه السلفية العلمية، وهذا الفقه هو الذي برر لتنظيم داعش الإرهابي سبي اليزيديات والسوريات وبيعهن في سوق النخاسة، وكلام الحويني حول الرق هو نفسه ما قاله من يطلق عليه ( الإمام العلامة ) محمد بن صالح العثيمين الذي اعتبر أن سبي النساء واسترقاق الأطفال من أصل الإسلام الذي لا يزال قائما حتي الآن
وحتى من يطلقون على أنفسهم اسم الدعاة الجدد ومنهم المدعو عبد الله رشدي فدافع عن الرق في الإسلام واعتبره عملا شرعيا طالما يتم بما وصفه بمقتضى الضوابط الشرعية وأن الإسلام لم يخترع قصة السبي بل كانت هذه الممارسة موجودة قبل الإسلام وبعده، وأن الفرق بين العبد والحر في الإسلام هو فارق إداري وبرر رشدي سبي غير المسلمات ووطئهن بأن الإسلام لا يبيح الزواج بين المسلمين وبين المشركات وأن الحل الوحيد لهذا هو سبي النساء الكافرات .
أما الشيخ محمد السامرائي وهو من علماء أهل السنة والجماعة في العراق فقد أكد، في تصريحات خاصة لأهل مصر ، أن حكم الرق قائم حتى الآن وأنه من أحكام الاسترقاق التي لا تزال قائمة شرعا هى استرقاق المديون مقابل ديونه، وأشار السامرائي في ذلك إلى ما باب ما جاء في بيع الحر المفلس في دينه - ( استرقاق الحر المفلس ببعير ) وشرحه ، وهو ما نصت عليه رواية البيهقي عن زَيْدُ بْنُ أَسْلِمَ قَالَ: (رَأَيْتُ شَيْخًا بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ يُقَالَ لَهُ سُرَّقٌ فَقُلْتُ لَهُ : مَا هَذَا الاِسْمُ؟ فَقَالَ: اسْمٌ سَمَّانِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلَنْ أَدَعَهُ قُلْتُ: وَلِمَ سَمَّاكَ؟ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَأَخْبَرْتُهُمْ أَنَّ مالي يَقْدَمُ فبايعوني فَاسْتَهْلَكْتُ أَمْوَالَهُمْ فَأَتَوْا بي النبي -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: «أَنْتَ سُرَّقٌ». فباعني بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ قَالَ الْغُرَمَاءُ للذي اشتراني مَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَعْتِقُهُ قَالُوا: فَلَسْنَا أَزهَدَ في الأَجْرِ مِنْكَ فأعتقوني بَيْنَهُمْ وَبَقِىَ اسْمِى.
وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِمَا أَتَمَّ مِنْ ذَلِكَ فِى اشْتِرَائِهِ مِنْ أعرابي نَاقَةً وَاسْتِهْلاَكِهِ ثَمَنَهَا. وَرَوَاهُ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزنجي عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ ابْنِ الْبَيْلَمَانِىِّ عَنْ سُرَّقٍ. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ شَيْخُنَا فِى الْمُسْتَدْرَكِ فِيمَا لَمْ نَقْرَأْ عَلَيْهِ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبَدِىِّ عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِىِّ قَالَ: رَأَيْتُ شَيْخًا في الإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَذَكَرَهُ أَتَمَّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ بَشَّارٍ.
و عن أبي سعيد الخدري: ( أن النبي صلى الله عليه و سلم باع حرا أفلس في دينه ) رواه البيهقي في سننه وقال : (رواه غيره عن حجاج بن محمد بالشك في إسناده) و ذهب الذهبي إلى نكارته
وهناك من صححه وهو محمول عند من صححه على الحجر وبيع المنافع لا بيع الذات حيث روي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ مَالَهُ وَبَاعَهُ فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ
فهذه الواقعة التي وردت في السيرة النبوية الشريفة خطيرة جداً، وهى تنسف أي ادعاء بأنه لا يمكن استرقاق مسلم ولد حراً، وحيث ظهر هنا أن استيفاء المال لأصحابه مقدم على الحرية نفسها، وعلى الرغم من أن كثير من المتحمسين للدفاع عن موقف الإسلام من الرق بأن الإسلام جاء ليضع قيودا على استرقاق الناس تؤدي تدريجيا إلى تآكل مؤسسة الرق واختفاء الأرقاء، فإن هذا لم يكن صحيحا أبدا على أر
كما روى البيهقي عن زَيْدُ بْنُ أَسْلِمَ قَالَ: (رَأَيْتُ شَيْخًا بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ يُقَالَ لَهُ سُرَّقٌ فَقُلْتُ لَهُ : مَا هَذَا الاِسْمُ؟ فَقَالَ: اسْمٌ سَمَّانِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلَنْ أَدَعَهُ قُلْتُ: وَلِمَ سَمَّاكَ؟ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَأَخْبَرْتُهُمْ أَنَّ مالي يَقْدَمُ فبايعوني فَاسْتَهْلَكْتُ أَمْوَالَهُمْ فَأَتَوْا بي النبي -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: «أَنْتَ سُرَّقٌ». فباعني بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ قَالَ الْغُرَمَاءُ للذي اشتراني مَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَعْتِقُهُ قَالُوا: فَلَسْنَا أَزهَدَ في الأَجْرِ مِنْكَ فأعتقوني بَيْنَهُمْ وَبَقِىَ اسْمِى.
وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِمَا أَتَمَّ مِنْ ذَلِكَ فِى اشْتِرَائِهِ مِنْ أعرابي نَاقَةً وَاسْتِهْلاَكِهِ ثَمَنَهَا. وَرَوَاهُ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزنجي عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ ابْنِ الْبَيْلَمَانِىِّ عَنْ سُرَّقٍ. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ شَيْخُنَا فِى الْمُسْتَدْرَكِ فِيمَا لَمْ نَقْرَأْ عَلَيْهِ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبَدِىِّ عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِىِّ قَالَ: رَأَيْتُ شَيْخًا في الإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَذَكَرَهُ أَتَمَّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ بَشَّارٍ. وعن أبي سعيد الخدري: ( أن النبي صلى الله عليه و سلم باع حرا أفلس في دينه ) رواه البيهقي في سننه وقال : (رواه غيره عن حجاج بن محمد بالشك في إسناده) وفي تخريج الحديث
أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن الحارث الفقيه أنبأ أبو محمد بن حيان ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي ثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار عن أبي سعيد الخدري
أن النبي صلى الله عليه وسلم باع حرا أفلس في دينه . وأخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنبأ علي بن عمر الحافظ، أنبأ أحمد بن محمد بن الجراح، ثنا يوسف بن سعيد، ثنا حجاج عن ابن جريح، عن عمرو بن دينار
عن أبي سعيد أو أبي سعد، أن النبي صلى الله عليه وسلم باع حرا أفلس، وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنبأ أحمد بن عبيد الصفار، ثنا إبراهيم بن محمد الواسطي، ثنا هدبة بن خالد، ثنا حماد بن الجعد، عن قتادة
عن عمرو بن الحارث، أن يزيد بن أبي حبيب حدثه أن رجلا، قدم المدينة، فذكر أنه يقدم له بمال فأخذ مالا كثيرا فاستهلكه فأخذ الرجل فوجد لا مال له فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع
واعتبر الشيخ السامرائي أن هذا الحديث لم ينسخ بقول الله تعالى وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة نزلت في الربا خاصة، فادعاء النسخ لواقعة بيع المديون في عبده باطلة وقد عمل بهذا الحديث عمر بن الخطاب
وعلي بن ابي طالب وابراهيم النخعي وزرارة بن فروة
فهذه الواقعة التي وردت في السيرة النبوية الشريفة خطيرة جداً، وهى تنسف أي ادعاء بأنه لا يمكن استرقاق مسلم ولد حراً، وحيث ظهر هنا أن استيفاء المال لأصحابه مقدم على الحرية نفسها، وعلى الرغم من أن كثير من المتحمسين للدفاع عن موقف الإسلام من الرق بأن الإسلام جاء ليضع قيودا على استرقاق الناس تؤدي تدريجيا إلى تآكل مؤسسة الرق واختفاء الأرقاء، فإن هذا لم يكن صحيحا أبدا على أرض الواقع، ذلك لأن الإسلام كدين سماوي نجح في تغيير البنية الاجتماعية والدينية في قريش وجزيرة العرب بل ونجح في استبدال الاله نفسه بأن جعل المؤمنين به يعبدون الله الواحد الصمد بدلا من آلهة قريش، كان يمكن أن يستكمل هذه الثورة الاجتماعية بإلغاء الرق دفعة واحدة ، ولن تكون ردود الأفعال على مثل هذه الخطوة بأخطر من تغيير الدين نفسه، فلا حجة لمن يقول إن إلغاء الرق دفعة واحدة كان سيحدث ردة فعل اجتماعية عنيفة، لأن الدين الجديد هنا قام باستبدال الإله نفسه فلا يوجد أكثر خطورة من هذا.
بل كان من الممكن على الأقل أن يضع الدين الإسلامي الجديد قيودا على استرقاق العبيد والإماء الجديد حتى في إطار مرحلة انتقالية، حتي يتم تصفية الجيل القائم من الأرقاء، وإن كان هذا أيضا حلا وسطيا لا يرقي للعدالة التي من المفترض أن تترافق مع الدين الجديد، لكن حتى هذا الحل الوسط لم يحدث، وما حدث على أرض الواقع هو أن الإسلام كما فتح أبوابا للعتق متمثلة في الكفارات، فإنه فتح أبوابا لاسترقاق أجيال جديدة من الأحرار لأنهم جمعوا بين المخالفة في الدين وبين كونهم ضعاف لا يستطيعون الحرب بعد هزيمة الجيوش التي كانت تقوم على حمايتهم، وحيث فتح المفهوم الإسلامي للجهاد الأبواب على مصراعيها لدفع المزيد من الأحرار المهزومين ضمن طبقة الرقيق سبيا بالسيف، وهذا ما حدث حتى في العهد النبوي الشريف، وحيث تحدثت الروايات عن عمليات سبي رافقت سرايا وغزوات الرسول ( صلى الله عليه وسلم )، منها غزوة ، وفي غزوة بني قريظة سنة 3 سنة (5هـ) فقد حصل المسلمون خلالها على السبي في دومة الجندل ، وسرية زيد بن حارثة إلى حِسْمىَ سنة 5هـ ، فسبى المسلمون ألفاً من النساء والصبيان ، وبلغ سبي هوازن في غزوة حنين سنة 6هـ ، كما سبى المسلمون مائة من النساء والصبيان إلى بني تميم ، وفي سرية عينية بن حصن الفزاري 8هـ سبى المسلمون ستة آلاف من الذراري والنساء سنة 9هـ ، تم سبي أحد عشر أسيرا، ووجدوا في المحلة إحدى وعشرين امرأة وثلاثين صبيا فجلبوهم إلى المدينة ، وفي تلك السنة حدثت غزوة أكيدر سنة 9هـ ، فسبى المسلمون منها فجلبوهم إلى المدينة
وتذكر بعض الروايات أن بعض السرايا والغزوات الأخرى قد رافقها عمليات سبي ولكنها لا تبين لنا أرقاما حول أعداد من كان يتم سبيهم فيها.
أما منتدى أهل الحديث وهو واحد من أكبر منتديات السلفية العلمية فقد نشر ما وصفه بالبحث العلمي بعنوان صادم هو : ( ماذا خسر المسلمون بإلغاء الرق) واعتبر هذا المنتدى المحسوب على أنه واحد من أكبر مصادر العلم الشرعي للسلفية العلمية أن إلغاء الرق هي مؤامرة كونية قام بها الغرب لحرمان المسلمين من امتلاك الأرقاء الذين اعتبره المنتدى من مصادر قوة المسلمين. وأكد البحث الذي نشره المنتدى السلفي على ان الغرب عندما تآمر على المسلمين وألغى الرق فإنه حرم المسلمين من مصادر قوتهم وأن الرق وعودته يعتبر سبيلا من سبل علو الهمة في المروءة ، وسبيلا من سبل الرزق سبيلا من سبل الاستعفاف والإعفاف، وسبيلا من سبل التفرغ للعبادة.
والشاهد من هذا أن ليس حقيقيا أبدا ما ذهب له المتحمسون بشكل عاطفي مع الإسلام من أنه حرر العبيد وضع قيودا على الرق وفتح أبوابا للعتق تؤدي إلى انحسار الظاهرة، فحتى اليوم لا يزال دعاة السلفية يدعون لعودة الرق من جديد من خلال نصوص فقهية سادية لا مبرر عقلي ولا شرعي لها، ويوفرون بذلك غطاء ديني لجرائم تنظيم داعش الإرهابي وغيره من التنظيمات الإرهابية التي سبق لها ارتكاب نفس جرائم داعش في حروب أفغانستان وسوريا واليمن ولكن لم يلقى عليها الضوء الإعلامي كما حدث مع داعش، وتاريخيا فإن العكس هو الذي حدث، حتى أنه مع ازدهار حركة الفتوحات الإسلامية في الفترة التالية للنبوة، بدأ الأسرى الذين استرقوا يساقون في جماعات حاشدة إلى أسواق الرق للبيع. وقد تم تأسيس أسواق الرق في المناطق السكنية. وبسبب كثرة الرقيق في الأسواق انخفض ثمنهم وأصبحت الأسر متوسطة الدخل تستطيع شراء العبيد واستخدامهم في الخدمات العائلية. وتزايد عدد العبيد يوما بعد يوم، بدلا من أن ينشأ مجتمع خالٍ من العبودية كما كان في العهد النبوي والخلفاء الراشدين. وأخذت العبودية تشكل تدريجيا العنصر الأساسي في القطاعات الصناعية والخدمات، وقد خدمت عقلية الأمويين المشوهة أندادهم من العباسيين الذين أخذوا الخلافة منهم جبرا، حيث أبقوا الأبواب مشرعة أمام الاستعباد. فأصبحت العبودية حالة طبيعية في المجتمع الإسلامي، وانتشرت بمرور الأيام، وحتى الشرط الوحيد لأن يكون السبي في معركة جهاد شرعية لم يعد له محل، حيث فرض سلاطين الدولة العثمانية على كثير من البلدان الأوربية مثل نظام الخمس في الأطفال، وكان يأخذون من كل بلد أوربي يخضع لهم خمس الأطفال عبيد وجواري، وهو نظام لم يرد له أي أصل شرعي في نظام الجزية التي تفرض على غير المسلمين وخضع لهذا النظام البلغار والألبان والصرب والإغريق ، والنتيجة أن بلاد المسملمين كانت هى أخر البلدان التي تلغي الرق وسط معارضة من رجال الدين الإسلامي حيث لم يلغ الرق في المملكة العربية السعودية إلا مع زيارة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر للسعودية في عام 1969 م بعد نكسة يونيو وهزيمة العرب أمام إسرائيل، ورأى عبد الناصر سوق العبيد الذي كان يقام بجوار الحرم المكي الشريف، وطلب عبد الناصر من الملك فيصل إلغاء الرق في السعودية حتي تتحسن صورة العرب أمام الرأى العام العالمي فأصدر الملك فيصل مرسوم إلغاء الرق في هذا العام فقط وسط معارضة من شيوخ السعودية، ثم استجابت الكويت أيضا لطلب عبد الناصر فألغت الرق رسميا سنة 1971 م ، أما موريتانيا فلم تصدر قانون لتجريم التخاسة إلى في سنة 2007 أى قبل 13 عاما فقط .! وهي قوانين رسمية لا تمنع من استمرار الظاهرة التي يوجد لها توثيق بالفيديو موجود في أرشيف شركة أرامكو السعودية لأسواق رقيق حقيقية حتي فترة قريبة مضت، وتكشف هذه الفيديوهات عن كيفية التعامل مع الرقيق كسلعة في أسواق النخاسة في مكة المكرمة في فترة الستينيات وقبل زيارة عبد الناصر للملك فيصل ليطلب منه إلغاء النخاسة خاصة وأن سوق النخاسة في مكة كان مثار انتقاد عالمي واسع لأن بعض الحجاج كانوا يقدمون لمكة لشراء أو بيع الرقيق سواء بيع أطفال ونساء وحتي رجال اصطحبوهم للحج أو العودة برقيق من مكة للبلاد التي جاءوا منه، ويظهر الفيديو فحص مشتري لجارية وهى عارية في السوق ويتحفص المشتري ثدييها وأسنانها كما يظهر شخص يلبس زي الإحرام الخاص بالحج والعمرة وهو يضرب عبد بالسوط والعبد يقع على الأرض من الضرب ثم يقوم ويتبع سيده المحرم.
وتوضح بعض الروايات عمليات القتل والسلب التي كانت ترافق حركة الفتوح، فيصف خالد بن الوليد هجومه على خزاعة: "فهزمناهم وقتلناهم قتلا ذريعا ولم ندع لهم فارسا إلا قتلناه، ثم طلبنا البيوت فنهبناها، وسبينا، فلما هدأ القتال والنهب، أمرت أصحابي بجمع السبايا، لنقدم بهن على رسول الله. وبصفة عامة فقد لقي السبي المعاملة القاسية من جيش المسلمين أحيانا، فكان يتم ختم أعناقهم، فذكر أبو مخنف عن أبيه: أن قتيبة بن مسلم بعث كثير بن فلان إلى كشاغر، فسبى منها سبيا، فختم أعناقهم، ولبس الجند ثياب السبي المحصّل من خوارزم فماتوا من البرد وسمع دوي عظيم، وبكاء شديد، من سبي قنسرين، لربطهم بالحبال بقسوة.
لكن الأخطر من كل هذا هو أن الأثار الإسلامية لم تسوي حتى في العلاقة بين الخالق سبحانه وتعالى وبين الناس، بل فرقت بينهم على أساس قاعدة الرق والحرية، وإن كان الإسلام قد خفف في الفروض والعبادات عن الأرقاء رحمة بهم، إلا أن الإسلام جعل حتي قبول العمل التعبدي مثل فريضة الصلاة التي يؤديها الرقيق لله سبحانه رهنا برضا السيد عن عبده المملوك له بقوة الدين هنا وليس بقوة القهر الاجتماعي فقط، جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول : ( أَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ مِنْ مَوَالِيهِ فَقَدْ كَفَرَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ ) رواه مسلم (رقم/68) .
قوله: (أبق) : بمعنى هرب وخرج عن الطاعة .
وعن جرير: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة " . وفي رواية عنه قال: " أيما عبد أبق فقد برئت فيه الذمة " . وفي رواية عنه قال: " أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم " . رواه مسلم.
منتدى أهل الحديث
ولكن يجب أن نثبت هنا أن آيات القرآن الكريم كانت واضحة فيما يتعلق بالشأن الإنساني في هذا الصدد، فقد أكد القرآن الكريم في آياته على أن النفس مصونة لا يمكن قتلها إلا بالحق، سواء نفس مسلم أو غير مسلم أو رجل أو امرأة أو حر أو عبد، وأن قتل نفس واحدة تكون بمثابة قتل للناس جميعاً. وذلك مصداقا لقول الله تعالى : مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (المائدة 32)
وكذلك في الحديث الشريف فقد حدثنا علي بن الجعد حدثنا شعبة ح و حدثنا موسى بن إسمعيل حدثنا حماد عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه حدثنا محمد ابن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة بإسناده مثله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من خصى عبده خصيناه ثم ذكر مثل حديث شعبة وحماد قال أبو داود ورواه أبو داود الطيالسي عن هشام مثل حديث معاذ حدثنا الحسن بن علي حدثنا سعيد بن عامر عن ابن أبي عروبة عن قتادة بإسناد شعبة مثله لكنه زاد : ( ثم إن الحسن نسي هذا الحديث فكان يقول لا يقتل حر بعبد)
وهنا جاءت الكارثة، فكما هي العادة التي اعتدادها فقهاء المسلمين في كل عصر وفي كل مصر، فقد فرغوا النصوص الشرعية من مضمونها، فالآية الكريمة والحديث الشريف كانا واضحين في اعتبار أن النفس معصومة وأن الدماء تتكافأ حرا أو عبدا، لكن فقهاء المسلمين استنوا سنة جديدة لا أصل لها في كتاب ولا سنة، فالحسن نفسي ينسي الحديث الذي رواه فيقول بأن الحر لا يقتل بالعبد، وعلى الرغم من أن بعض الفقهاء قالوا بأن النفس هنا تتكافأ من حيث الدماء وأنه من قتل عبدا يقتل به سواء كان القاتل حرا أو عبدا، إلا أن الجمهور من الفقهاء ذهب لعكس ذلك، فمن رأى أن الحر يقتل بالعبد وهو قول الحنفية وجماعة من السلف، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ومنهم من رأى أن العبد لا يكافئ الحر، ومن ثم فلا يقتل به لنقصه عن رتبته، وليس في هذا تنقص لآدمية العبد ولا استخفاف بحقه، ولكنه لما كان مملوكا لم يكن مكافئا للحر، فلا يلزم في قتله إلا الدية على هذا القول، قال القرطبي مبينا هذا الخلاف: وَاتَّفَقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى عَلَى أَنَّ الْحُرَّ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ كَمَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ علي وابن مسعود ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَقَتَادَةُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ بْنُ عتيبة، وَالْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ لَا يَقْتُلُونَ الْحُرَّ بِالْعَبْدِ، لِلتَّنْوِيعِ وَالتَّقْسِيمِ فِي الْآيَةِ.
وقال ابن قدامة رحمه الله: ولا يقتل حُرٌّ بِعَبْدٍ، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ـ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعِكْرِمَةُ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَيُرْوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ، لِعُمُومِ الْآيَات وَالْأَخْبَارِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ـ وَلِأَنَّهُ آدَمِيُّ مَعْصُومٌ، فَأَشْبَهَ الْحُرَّ، وَلَنَا، مَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُقْتَلَ حُرٌّ بِعَبْدٍ ـ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ ـ رَوَاهُ الدار قطني، وَلِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ طَرَفُهُ بِطَرَفِهِ مَعَ التَّسَاوِي فِي السَّلَامَةِ، فَلَا يُقْتَلُ بِهِ كَالْأَبِ مَعَ ابْنِهِ، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ مَنْقُوصٌ بِالرِّقِّ، فَلَمْ يُقْتَلْ بِهِ الْحُرُّ، كَالْمُكَاتَبِ إذَا مَلَكَ مَا يُؤَدِّي، والعموميات مَخْصُوصَاتٌ بِهَذَا، فَنَقِيسُ عَلَيْهِ..
ودلل جمهور الفقهاء على ذلك بأن العبد كالسِّلعة والمتاع بسبب الرق الذي هو من آثار الكفر، والكافر كالدابة بسبب الكفر الذي طغى عليه، وقد قال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدواب عِندَ الله الذين كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأنفال: 55] فكيف يُساوى المؤمن بالكافر، وكيف يقتل به؟ فجمهور الفقهاء اعتبروا العبد مال مقوم لا يساوي الإنسان الكامل وإذا ما قتل سيد عبده أو جاريته فهو قد أتلف ماله فلا عقاب عليه، وإن قال بعض الفقهاء بأنه يؤدي مثل قيمته لبيت مال المسلمين، لكن لم يقل أبدا أن السيد الذي يقتل عبده يكون قد ارتكب جرما يستحق أن يحاكم من أجله لأنه قتل إنسان!
بل أجاز الفقهاء أجاز للسيد أن يقيم الحد على من يملكه من جارية وعبد وحيث جاز ذلك في الحدود عند جمهور الفقهاء بما في ذلك حدود القطع والقتل، حيث لم يخالف فيه إلا الحنفية وهذا باتفاق الجميع
وهكذا يمكن القول إنه كما كانت الحضارات السابقة للإسلام، واللاحقة له أيضا متوحشة في تعاملها مع الرقيق، فإن المسلمين كانوا هم أيضا متوحشون مع الرقيق وإن كانوا أقل وحشية في بعض الأحيان.
فكما كان يقتل السيد الأبيض الزنجي في مزارع القصب تحت السوط وهو يعمل بدون أن يعاقب من قانون أو سلطة مدنية، فإن فقهاء المسلمين أعطوا لملاك الرقيق المشروعية الدينية في قتل عبيدهم تحت السياط ضربا وتعذيبا بدون أن يقتص منهم، ولا حتى بدون أن يشعر أحدهم بأنه قد فعل شيئا ذا بال يمكن أن يستغفر عليه ربه، ونقل عن الصحابة رضي الله عنهم في عدم قتل السيد بعبده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يقتلان الرجل بعبده، كانا يضربانه مائة، ويسجنانه سنة، ويحرمانه سهمه مع المسلمين سنة إذا قتله عمدًا، عن علي رضي الله عنه أنه قال: «من السنة أن لا يقتل حر بعبد» ، هذا فيما يتعلق بقتل العبد، أما جرح العبد وتقطيع أوصاله من جانب سيده أو أي حر آخر ، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن : «ولأن حرمة النفس أغلظ من حرمة الأطراف، فلما لم يجب القود بينهما في الأطراف فأولى أن لا يجري بينهما في النفس «ولأن العبد منقوص بالرق فلم يقتل به الحر، كالمكاتب إذا ملك ما يؤدي ولأن العبد مال لسيده، فلا يستحق المطالبة على نفسه.
ومن النصوص السادية في الفقه الإسلامي ما ورد عن الضرر الناتج عن التأديب من جانب السيد للعبد في المجتمع الإسلامي، ووفقا للمصادر الإسلامية أنه إذا أدب السيد عبده التأديب المشروع، فهلك، فلا ضمان عليه في قول جماهير أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، لأن التأديب من السيد فعل مأذون فيه شرعًا لإصلاح العبد كضرب المعلم، والموت نتج من فعل مأذون فيه، والمتولد من فعل مأذون لا يعد اعتداء فلا ضمان عليه فيما تلف به كالحد، ولأنه لا يجب للعبد شيء على نفس سيده، أكثر من ذلك فحتى القصاص بين الأرقاء بعضهم وبعض كان شرطا له أن يتساوى العبد الجاني والعبد المجني عليه في القيمة المالية، فقد روي عن أحمد وعن عطاء أن شرط القصاص بين العبيدين أن تتساوي قيمتهم المالية، وأن اختلفت قيمة العبد الجاني عن العبد المجني عليه لم يجري بينهما القصاص، بل أن ابن عباس أعلنها صريحة بأن العبدـ، ذكر أو أنثى ليس إنسان بل أقل من الإنسان وبمثابة مال مقوم، فأفتي في كتابه المغني باب الجراح بأنه ليس بين العبيد قصاص في نفس ولا جرح لأنهم أموال. وهذه النصوص لا تزال موجودة حتى الان في كتب الأصول الإسلامية ومنها كتاب المبسوط الصفحات بين 16/13، وكتاب بدائع الصنائع المجلد السابع صفحة235 ، وحاشية ابن عابدين المجلد الخامس صفحة 344، وكتاب بداية المجتهد المجلد الثاني صفحة 398، وكتاب الذخيرة المجلد الثاني عشر صفحة 258 ،وكتاب جواهر الإكليل المجلد الثاني صفحة 2 72، وكتاب روضة الطالبين المجلد العاشر صفحة 177 ، وكتاب أسنى المطالب المجلد الرابع بين صفحات 163، 165، وكتاب مغني المحتاج المجلد الرابع صفحة 4/199، وكتاب حاشية القليوبي على المنهاج المجلد الرابع صفحة 208 ، وحاشية الجمل على شرح المنهج المجلد الخامس صفحة ( 170.
وإن كان واقع ما حدث في المدينة المنورة هو أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد رجلا قتل عبده، فعن على رضي الله عنه قال: قَتَل رجلٌ عبده عمدًا متعمدًا، فجلده رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة، ونفاه سنةً، ومحا سهمه من المسلمين. وكان يمكن أن يبني على موقف النبي صلى الله عليه وسلم موقفا مغايرا مع الاحرار الذين يقتلون عبيدهم من المسلمين، ولكن جمهور فقهاء المسلمين استغلوا هذه الواقعة بأن أطلقوا يد الأحرار في قتل عبيدهم ، واستدلوا بأن إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتص من هذا السيد القاتل مع أنه قتل عبده عمدًا، وإنما أوقع عليه جملة من العقوبات التعزيرية، ولم يقد منه، ولو كان السيد يقتل بعبده لما اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على هذه العقوبات، بل لأقاد منه لا سيما وأنه صلى الله عليه وسلم في مقام التشريع، فاقتصاره على هذه العقوبات دليل على عدم وجوب القصاص على السيد إذا قتل عبده، وهكذا شهدت بلاد المسلمين بعد ذلك مذابح يومية تجري بغطاء من الشرع والدين يذهب ضحاياها الأرقاء. الشاهد من كل ما سبق أن كل الأديان، بما فيها الإسلام، لم تأبه كثيرا لفكرة الحرية، وأن الغالب على كل الشرائع أنها كرست للعبودية والقهر والظلم، وليس من صحيح القول بأن الدين يهتم بعظائم الأمور وأن العبيد فئة مهمشة في المجتمع فلم يهتم به فقهاء المسلمين، بل العكس هو أن عدد الأرقاء في ديار المسلمين كان أضعاف عدد الأحرار، وكان الدين دائما يصب في اتجاه تكريس المجتمع العبودي، حدث ذلك دوما ويحدث على الدوام، وإن اختلفت الأشكال والأسماء والوجوه، بل أن ما يدمي القلب هو أن أشهر واقعة لسبي مصريين أحرار في تاريخ مصر القديم والوسيط كانت على يد جنود الخليفة المأمون في سنة 831 م، عندما ثار أهالي منطقة البشرود الساحلية بين فرعي النيل دمياط ورشيد ضد ظلم ولاة المأمون، الذين أسرفوا في جمع الضرائب، بخلاف الجزية، فكان أن أخمد جنود المأمون ثورة الفلاحين بكل قسوة وقام جيش الحامية بسبي كل نساء وأطفال المحتجين ضد الظلم، وهى واقعة إن طبقت عليها القواعد الشرعية فهو استرقاق باطل، لأن من وقعوا في الرق هنا ليس جيش محارب بل ذرية ذميين يخضعون للدولة الإسلامية، وما ارتكبوه هو الثورة ضد الظلم والتعسف، فليسوا محاربين وليسوا في دار حرب، بل هم ذميين وقع عليهم العسف والجور، فكان جزاؤهم السبي والاسترقاق.