في وقت تتجه فيه أنظار العالم نحو شرقي أوروبا، أملا في معجزة تنهي الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا منذ فبراير الماضي، يقف الرئيس الأمريكي في نقطة قاتلة منفصلة عن هموم الكوكب.
وفي تصريحات لافتة أدلى بها خلال مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن -ردا على سؤال عما إذا كان سيلتقي نظيره الروسي فلاديمير بوتين في قمة مجموعة العشرين الشهر المقبل في إندونيسيا- إنه لا يرى سببا وجيها للقاء.
ولم يكن رفضه لأي اجتماع محتمل مع بوتين هو الأغرب، لكن استدراكه وحصره إمكانية اللقاء حين يتعلق الأمر بسبب واحد، هو اللافت، حيث أضاف: "سيعتمد الأمر على ما يريد الرئيس الروسي التحدث عنه على وجه التحديد".
وتابع أنه "إذا أراد بوتين مناقشة مصير نجمة كرة السلة الأمريكية المسجونة في روسيا بريتني غرينر، فسأكون منفتحا على التحدث معه".
ثم أعاد تدوير نفس عبارته الأولى وكأنه يحاول تقديم مبررات من شأنها أن تغطي مركزية المصلحة الأمريكية في حساباته مع القضايا الدولية الشائكة، بالقول: "لكن انظروا، لقد تصرف بوحشية، أعتقد أنه ارتكب جرائم حرب. ولذا فأنا لا أرى أي مبرر لمقابلته الآن".
إعادة تدوير ومحاولة تبرير فاشلة لم تعفه من استفهامات متفجرة أعرب عنها رواد مواقع التواصل ممن أكدوا أن بايدن يخدم سياسة أمريكا التي تضع مصلحة شخص يحمل جنسيتها فوق جميع الاعتبارات التي من الممكن أن تهدد العالم بأسره.
أمريكا أولا
رغم منسوب الغرابة الذي قد تستبطنه تصريحات بايدن، لكن العارف بالسياسة الأمريكية يدرك أن رئيس الولايات المتحدة لم يخرج عن قاعدة أساسية قائمة على شعار "أمريكا أولا وليحترق العالم".
استراتيجية توضح الخلفية التي على أساسها تأتي تصريحات رئيس يعلن ولاءه المطلق لها في إطار هدف استراتيجي معلن يقوم بالأساس على الحد من صعود الصين وإضعاف روسيا.
فلامبالاة بايدن بعقد لقاء مع بوتين في وقت تحبس فيه المعمورة أنفاسها خوفا من حرب عالمية ثالثة لن تخلو بديهية من شبح الأسلحة النووية، تؤكد أن أمريكا دخلت مرحلة الفرجة بعد أن دفعت موسكو إلى الحرب بغرض استنزاف مواردها وهزيمتها.
قراءة تؤيدها الحيثيات التي سبقت اندلاع الحرب قبل نحو 8 أشهر، حيث كان يمكن لواشنطن والغرب أن يتفاديا الوصول إلى تلك النقطة لو قدما لموسكو الضمانات الأمنية التي كانت تطلبها لحماية أمنها القومي، أي عدم انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي (الناتو).
مطالب شرعية لموسكو التي تجد نفسها مجبرة على تأمين حزامها الشرقي حتى لا تجد نفسها وجها لوجه مع قوات الناتو على طول حدودها مع كييف، لكن واشنطن استغلت حلفاءها الغربيين وماطلت ثم رفضت صراحة.
خارج سلة السلام
ما قاله بايدن في تصريحاته يؤكد أن ما يهم أمريكا حصرا هو هزيمة روسيا بغض النظر عما يكلف ذلك من دمار في أوكرانيا أو حتى إن توسع نطاق النزاع إلى أراض أوروبية أخرى.
ففي النهاية، تصب كل الطرق بوجهة الهدف الأمريكي وهذا ما يفسره الجانب المالي بشكل دقيق من خلال ارتفاع الدولار مقابل اليورو والاسترليني.
هدف يعزز أهدافا أخرى تستند جميعها إلى ذات الخلفية وهي رفع مستوى المواجهة كلما تراجع لهيب النزاع في شرقي أوروبا، واستثمار جميع الأخطاء والمعطيات من أجل التصعيد حتى إن كلف الأمر الزج بدول أوروبية أخرى في أتون الحرب.
لحظة جنون أمريكية قد تشمل أوروبا كلها وتحرق العالم بأسره بلهيب حرب شاملة، في وقت كان يمكن فيه لبايدن أن يضبط إيقاع النزاع دون مزاجية، والتسديد بمهارة في سلة السلام العالمي.
لكن لاعبة كرة السلة الأمريكية، التي يمكن للولايات المتحدة فك أسرها بمعتقلين روس لديها، اختزلت سياسة بأكملها ودفعت بايدن - من حيث لا تشعر - للتسديد خارج سلة السلام العالمي.