لا تزال قضيتا "الدمج" و"اللامركزية" تشكلان العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق بين الحكومة السورية و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، حسبما أفادت مصادر متابعة في دمشق. ويأتي هذا في ظل ترحيب لافت من قائد "قسد" مظلوم عبدي بدور سعودي محتمل في عملية التفاوض.
دور سعودي محتمل وترحيب من قائد "قسد"
بعد أيام من إرجاء اجتماع كان مزمعًا عقده بين الطرفين في باريس، صرح مظلوم عبدي، الثلاثاء، لقناة "العربية" بأن "السعودية يمكنها لعب دور إيجابي إن دخلت كوسيط في تفاوضنا مع دمشق". واعتبر عبدي أن أحداث السويداء الأخيرة تسلط الضوء على أهمية "التفاوض والوصول لاتفاق"، مشيرًا إلى أن الجولة المقبلة من المفاوضات في باريس ستناقش آلية الاندماج في الجيش السوري.
وأكد عبدي على اتفاق "قسد" مع دمشق على "وحدة سوريا بجيش واحد وعلم واحد"، وأن "قسد" ستكون جزءًا من وزارة الدفاع السورية. إلا أنه أعرب عن قلق الأكراد من "الاندماج بالجيش السوري دون ضمانات دستورية". وفيما يتعلق بتطبيق اتفاق 10 مارس، أكد عبدي أن قواته ستعمل على تطبيق جميع بنوده قبل نهاية العام الحالي، لكنه أشار إلى بطء في التنفيذ لأسباب "تتعلق بالجانبين".
وفي تصريح لافت، كتب المبعوث الأميركي الخاص توم براك على صفحته على منصة "إكس" موجهًا حديثه لعبدي: "قيادتكم وجهود قوات سوريا الديمقراطية الدؤوبة، إلى جانب التزام الحكومة السورية بقيادة الرئيس الشرع بالتشاركية، تعدّ محوريةً لاستقرار سوريا: جيش واحد، حكومة واحدة، دولة واحدة. نُقدّر عالياً الحوار البنّاء لتعزيز التكامل والوحدة. ونتطلع إلى استمرار المحادثات من أجل مستقبل آمن!".
مسار سياسي وعقبات قائمة
يشكل مسار التفاوض بين ممثلي الحكومة السورية و"قسد" بوصلة لبناء مسار سياسي يساهم في بناء الدولة السورية، إلا أنه يعاني من مشكلات وعقبات، وفقًا للباحث في الشؤون التركية والكردية، خورشيد دلي. وأوضح دلي أن أولى هذه المشكلات تكمن في اختلاف رؤى الطرفين. ففي حين تتمسك الحكومة السورية بنظام مركزي، تطالب "قسد" ومكونات سورية أخرى بنظام حكم لا مركزي، معتقدة أنه الأنسب للشراكة السياسية عبر عملية دستورية تحفظ حقوق الجميع.
أما العقبة الثانية، فتتعلق بمفهوم "الدمج" الذي نص عليه اتفاق 10 مارس. ترى دمشق أن "قسد" وجميع مؤسسات الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا يجب أن تنضم إليها بشكل فردي، بينما يرى الطرف الآخر أن الدمج يعني الحفاظ على هذه المؤسسات مع إعادة هيكلتها عبر آلية مع دمشق، انطلاقًا من أن مثل هذا النموذج يحفظ حقوق الكرد وباقي المكونات في الدولة السورية الجديدة.
كما يشكل الدور التركي عاملاً ضاغطًا على دمشق بشأن التمسك برؤيتها، وفي الوقت نفسه يشكل مصدر قلق لدى "قسد" التي ترى في الحوار مع دمشق شأنًا داخليًا سوريًا. وأشار الباحث دلي إلى أن ترحيب مظلوم عبدي بدور سعودي في هذا التفاوض يأتي انطلاقًا من قدرة السعودية ودورها المقبول من قبل جميع أطراف الداخل السوري.
مقاربة جديدة وآمال فرنسية
تتوجه الأنظار إلى باريس التي ستستضيف اجتماعات بين الجانبين في الأيام المقبلة. ويبدو أن المسعى الفرنسي المدعوم من الدول الغربية يراهن على تدوير زوايا الخلافات بين الطرفين.
وفي ظل التأكيد على تمسك كل من "قسد" والحكومة السورية بالحوار لحل الخلافات، قد يكون الطرفان بصدد تقديم تنازلات للتوصل إلى اتفاق نهائي. واقترح دلي أنه ربما "على الحكومة السورية بعد أحداث الساحل وكنيسة مار إلياس والسويداء مراجعة جديدة لمقاربتها للداخل السوري، بموازاة اهتمامها بالانفتاح على الخارج".
وأشارت تقارير إعلامية إلى تحضير فرنسا لعقد جلسات تفاوض بين "قسد" والحكومة السورية، تضم مسؤولين بارزين من الطرفين، خلال الأسابيع المقبلة. وكانت مصادر في العشائر السورية قد أفادت بأن اجتماعًا كان مقررًا الأسبوع الماضي قد ألغي، بينما قالت مصادر كردية إنه تأجل، متوقعة عقده، لكن ليس على مستوى القيادات.
وسبق أن حذرت عشائر عربية من حالة استعصاء سياسي في مناطق شمال وشمال شرقي سوريا. وقال الشيخ حمود الفرج، عضو مجلس العشائر السورية، في تصريحات سابقة، إنه "ما لم يتم التوصل إلى حل سياسي، فستتجه الأمور إلى التصادم".